الانتخابات المبكرة ومأزق القوى العراقية التقليدية
ما أن يسمع أي سياسي عراقي أو نائب مخضرم ترديد نغمة الإنتخابات المبكرة والمطالبة بإجرائها تطبيقا لبنود إتفاق إدارة الدولة حتى يشعر الكثيرون بأن أجلهم قد إقترب أو أن مصيرهم السياسي قد أوشك على مشارف الإنتهاء.
فالكثير من النواب المخضرمين وبخاصة من الأنبار سيجدون أنفسهم هذه المرة في موقف محرج وهم سيواجهون مصاعب كبرى بالفوز في أية إنتخابات مقبلة سواء كانت مبكرة أو في وقتها المحدد. لكن الإنتخابات المبكرة هي من تشعرهم بالسخونة التي تشبه أجواء صيفنا اللاهب وقد إقتربت آجالهم السياسية يوما بعد آخر.
ومما يؤكد حقيقة التوجه المجتمعي في الأنبار نحو الطاقات الشبابية الجديدة هو الأداء التقليدي للنواب السابقين الذي لم يحقق لهم أية فائدة تذكر وان النواب المخضرمين أصبحوا أكثر حرصا على مصالحهم الخاصة من أن يحققوا أحلام جماهيرهم التي أصبحت في واد وهم في واد آخر.
بل أن جمهور الأنبار قد وصل الى قناعة أكيدة بأن اللهاث وراء النواب المخضرمين لم يعد يجدي نفعا ولهذا سيكون تحويل أنظار جمهور الأنبار ومحافظات المكون العربي نحو الفئات الشبابية القادرة على النهوض بأعباء المرحلة المقبلة وهي ترى أن الوجوه القديمة قد إستهلكت ولم تعد هناك أية جدوى من إنتخابها مرة أخرى وهو مأزق يهدد الكثير من النواب المخضرمين بأن مرحلة تقاعدهم قد حان قطافها وهم الان على أبواب التخلي عن الإلتحاق بركب السباق الإنتخابي المقبل كون نجمهم قد أفل ولم يعد لوجودهم معنى مؤثر.
بل أن هناك من يرى بأن حزبي تقدم والسيادة المهيمنين على المشهد السياسي في الأنبار حاليا وحتى في محافظات أخرى سيكونان أكثر تعرضا للخسارة في عدد المقاعد التي سيحصلون عليها في أية إنتخابات مقبلة وربما لا يحصل حزب تقدم وفقا لأعلى التقديرات على ما نسبته الـ 50% من عدد المقاعد السابقة في الأنبار وأقل من هذا العدد بالنسبة لما يحصل عليه حزب السيادة كما أن المحافظات الأخرى ستتراجع فيها نسبة التصويت كثيرا لحزبي تقدم والسيادة.
ويعزو المحللون هذا الأمر الى الإخفاق الكبير للنواب السابقين وبخاصة من المخضرمين ومن أكثر من دورتين إنتخابيتين من جهة الى عزوف أهل الأنبار عن إنتخابهم يضاف لهذا مواقف الحلبوسي بعدم السماح لنائب من الأنبار بالفوز برئاسة البرلمان الحالي من جهة أخرى، بل وربما ذهاب الزعامة من الأنبار الى محافظات أخرى والبعض من أهل الأنبار ومن شيوخهم ورموزهم السياسية لكثيرة ونخبهم يتهم الحلبوسي بأنه قد باعهم هذه المرة وذهبت سمعة سياسي المكون السني في الحضيض.
ربما يعد السياسي العراقي المخضرم رئيس إئتلاف دولة القانون نوري المالكي هو الأكثر مطالبة بإجراء الإنتخابات المبكرة. وقد ردد المطالبة بها مرتين خلال شهر واحد وهو الوحيد الذي ربما أنه يجد نفسه أكثر قوة من قبل أو أنه آماله بالحصول على مقاعد تفوق بقية الكتل السياسية عدا التيار الصدري هو المرجح من وجهة نظره.
وترى قوى كثيرة إن الصراع على السلطة بين القوى الشيعية وبخاصة بين المالكي وبقية جماعة الإطار ومنهم السوداني على وجه التحديد هو من يحتم على المالكي المطالبة بإجراء الإنتخابات المبكرة التي تم الإتفاق عليها في مباحثات وتفاهمات إدارة الدولة.
كما أن الصراع السني على رئاسة البرلمان هو من يعطي الذريعة لإجراء إنتخابات مبكرة وحل الأزمة السياسية التي وصلت الى طريق مسدود ويرى أهل الانبار أيضا بأن يكون تمثيلهم المقبل أكثر توازنا بإختيار نواب جدد خارج اطار تقدم والسيادة ولن يكون الكرد بعيدين عن تلك المعادلة.
والمخاوف لا تقتصر على المكون السني بشأن مصيرها في الإنتخابات المقبلة بل أن النواب المخضرمين في المكون الشيعي بأكمله سيعانون من المخاوف نفسها من أن أحزابهم التقليدية قد تصاب بخيبة أمل من نتائج أية إنتخابات مقبلة وإن نسبة حصول أحزابهم على مقاعد تتناسب وطموحاتهم لم يعد بإمكانها أن تحصل عليها وقد يواجهون خسارات باهظة لاتقل نتائجها الكارثية على ما تحصل عليه أحزاب وقوى المكون السني وربما تحصل القوى الشبابية الأقرب الى المستقلة أصواتا في المكون الشيعي أكثر مما حصلت عليه في سنوات سابقة لكن الإنتخابات في المكون الكردي أقل إضطرابا كونها تمتلك لكل منها جمهورا شبه ثابت.
أما التيار الصدري فهو إن عاد الى الواجهة فهو على الأكثر سيحصل على مقاعد تتماشى مع حجمه الإنتخابي الكبير وهو لن يتحالف مع أية قوى شيعية او سنية أو كردية مستقبلا وسيكون إعتماده الأساسي على حجم تمثيله الإنتخابي المقبل لفرض وجهة نظره بالطريقة التي يراها أنها مناسبة وتتوافق مع إرادة المجتمع الدولي بشأن حل أزمات العراق لكن مشكلة الأغلبية السياسية التي تتمركز حولها الرهانات الشيعية ستكون أكثر صعوبة .
ومن وجهة نظر محللين سياسيين وحتى قوى سياسية عراقية أن من المقرر أن تفرز أية إنتخابات برلمانية مقبلة قوى سياسية جديدة وهناك توجه كبير لدى جمهور كل الكتل السياسية لإنتخاب أجيال شبابية ذات قدرات جيدة يمكن ان تكون بديلا للقوى السياسية السابقة التي خيبت ظن الجمهور بها وأصابته بأمراض وعقد مجتمعية وتخلف سياسي وتراجع إقتصادي وأزمات خانقة في ملف الكهرباء وفساد مالي وجرائم مخدرات وعجز عن إدارة لدولة بكل عناوينها وأزمات مستعصية على الحل ومواجهات مع المجتمع الدولي والإقليمي.
ولم يعد بمقدور هذه الطبقة السياسية المتهالكة على مصالحها الخاصة أن تحقق أية مكاسب سوى تراجع الأداء على أكثر من صعيد أما مصالح جمهورها فلم يعد له مكان في قاموسها السياسي وهو ما يدعو المجتمع العراقي للتخلي عنها وإبعادها عن واجهة الأحداث للفترة المقبلة وهناك دعم دولي بإتجاه تخليص العراق من هذه الطبقة السياسية الغارقة بالفساد والرذيلة حتى أذنيها.
وتبقى الإنتخابات البرلمانية المبكرة آخر أمل يمكن أن يكون حلا سحريا يسهم في إنقاذ العراق من محنته الحالية ويحدوهم الامل بأن يكون بمقدور العراقيين الإنتقال ببلدهم الى الحالة الأفضل بين دول المعمورة والمحيط الإقليمي وبخاصة ان العراق هو أكثر الدول العربية إمتلاكا لموارد الثروة والكوادر البشرية التي تمتلك عقولا مبدعة وهي مؤهلة للإنتقال بالعراق الى ممارسة دوره الحضاري ليعود كما كان يتمتع بالسيادة ويحفظ كرامة شعبه ولا يسمح لأي كان بأن يفرض عليه إرادة خارجية إقليمية أو دولية في وقت كان العراق هو المرتكز الإقليمي للمحيط العربي وما إن تهاوى نجمه حتى راحت كل بنات آوى تتحكم في مصيره.