'البحر المتوسط' أصالة العالم الذي لا يقتصر على الوصف

ديوان الشاعر والطبيب البرتغالي جواو لويش باريتو غيمارايش يجمع بين الشاعرية وعالم الذكريات ويتميز بتماسكه الموضوعي المرتبط بموضوع السفر، ويلتقط في كل ملاحظة التفاصيل الأساسية التي يتم فيها عرض التاريخ والثقافة الأوروبية.

يرى الشاعر والطبيب البرتغالي جواو لويش باريتو غيمارايش الحائز ديوانه "البحر المتوسط" على جائزة الشعر الوطني بالبرتغال، أنطونيو راموش روزا، وحازت الترجمة الإنكليزية له على جائزة  Willow Run Poetry Book الأميركية عام 2020، أن هناك جسرا قويا يربط الشعر بالطب، ومن ثم يطالب بتدريس الشعر لطلاب الطب، ويقول "الشعر هو لغة الهشاشة. حتى عندما تكون لغة مقاومة ويبدو أنها قوية، فإنها عادة ما تكون لغة ليس للفائز، ولكن للهزيمة. هناك إمكانية لهؤلاء الطلاب الصغار، عندما يسمعون ويقرأون هذه الأصوات، لتطوير خصائص الرحمة فيها".
ويؤكد أن الشعر هو "الطريق السريع للوصول إلى حميمية شخص آخر" وهذا هو السبب في أنه ينبغي تدريسه في الطب. إن الحاسة الشعرية يمكن أن تسمح للمرء بالتفكير في تشخيص الأمراض بطريقة أكثر وضوحا وأن يدرك أن المرضى في كثير من الأحيان لا يعبرون حقا عما يشعرون به. لأنهم لا يعرفون، أو لأنهم لا يريدون ذلك.
يقول غيمارايش "ما أجده مثيرا للاهتمام في المدن هو مظهر الغرابة، وحقيقة أنها تخلق نظرة جديدة على الأشياء. عادة، في حالتي، تأتي القصائد لي من خلال القراءة التي تجلبها الحواس، وهي رؤية وسماع السخافات التي تكتشفها تلك الحواس في أشياء الحياة، في الحياة اليومية".
ويضيف "من الواضح أنه عندما تسافر العيون يوميا في نفس الأماكن، فإنها تخلق بطريقة أو بأخرى عادة المشي بطريقة أكثر سطحية، في حين تمشي في شوارع مدينة أجنبية تتيقظ الحواس وتصبح أكثر قدرة على التقاط حيوات الأشياء، ولا سيما تلك المدن التي لم يسبق زيارتها، شيء شائع مثل تناول القهوة أو المشي في الشارع أو التحدث إلى شخص ما أو أخذ وسائل النقل العام يمكن أن يولد عالما شعريا جديدا، لأن هناك اهتماما خاصا بالأشياء، والعيون هنا لا تحدد أي شيء على أنه روتيني. لذا، نعم، كثيرا ما أفتقد الرحلة، وأحاول أن أجسر ذلك بقراءة المزيد، لأنه بعد كل شيء، كانت هناك إمكانية لقراءة وقراءة المزيد من الشعر - في الترجمة أو بلغات أخرى - في محاولة لجلب سياقات أخرى وأفكار أخرى من شأنها أن تغذيني بطريقة أو بأخرى".
وفي ديوانه "البحر المتوسط" الذي ترجمه أخيرا جمال خليفة وصدر عن دار صفصافة يقدم غيمارايش قصيدة تتجول في وجود الأشياء ولا يمكن أن تكون مستقيمة أو مضطربة، قصيدة تختبر تواجد البشر على مسافات طويلة، ليست "قصيدة سفر" كما قد يبدو، ولكنها رحلة خاصة بها في ثقافات دول جنوب المتوسط. تخلى فيها عن الإفراط في التدبير اللغوي، وذهب إلى طريقة تثبيت الشعر في العالم مسترشدًا بقيم معينة: الميل نحو رياضيات الأشياء الصغيرة، وضبط النفس، نحو الدقة والوضوح.

كاتب
الحاسة الشعرية يمكن أن تسمح للمرء بالتفكير في تشخيص الأمراض

وقد جاء في محضر لجنة تحكيم جائزة الشعر الوطني "أنطونيو راموش روزا" "أقرت اللجنة فوز ديوان "البحر المتوسط" لتماسكه الموضوعي، المرتبط بموضوع السفر، من أجل أصالة عالمه الذي لا يقتصر على الوصف، ولكنه يلتقط، في كل ملاحظة، التفاصيل الأساسية التي يتم فيها عرض التاريخ والثقافة الأوروبية".
واعتبر ان هذا الكتاب يتم فيه تمثيل الجنوب في كل ما يعنيه البحر الأبيض المتوسط في الثقافة الأوروبية، حيث يتم نقل العصور القديمة اليونانية ـ اللاتينية إلى الحاضر، ويقدم لنا شعرا يعكس جذورنا الثقافية كعناصر حية في حياتنا اليومية، جامعا بين الشاعرية وعالم الذكريات، ويأتي في إطار أعمال أدبية فرضت نفسها، في مكان بارز في شعرنا المعاصر".
ويرى غيمارايش أنه في ديوان "البحر المتوسط" الذي ينقسم إلى أربعة أجزاء ويتجول فيه في جغرافيا المتوسطية الأوروبية "كتبته لأذكّر أين ولدت بأوروبا وكان ذلك انتقادا لموقف بعض بلدان شمال أوروبا تجاه بلدان الجنوب".
ويشير "أولوية حياتي انعكست قبل بضع سنوات، حين قررت الحد من نشاطي المهني كطبيب وبدأت في الحصول على المزيد من الوقت، بعد الظهر، للكتابة. ولكن الاتصال الذي لدي، في الصباح وبعد الظهر، مع المرضى - قصصهم، وشجونهم، واستشاراتهم - يؤدي أحيانا بشعري إلى انفتاح معين على الحياة ليس معتادا جدا في الشعر البرتغالي المعاصر".
ويؤكد غيمارايش أن اللغة، أساس أي قصيدة، هي المعيار الأكثر أهمية. ما يحدد إدراج قصيدة في كتاب هو قدرة التأليف على تشكيل اللحظة الشعرية التي أدت إلى ذلك التجلي".
يذكر أن غيمارايش وُلد بمدينة بورتو بالبرتغال، في 3 يونيو عام 1967. كتب 11 ديوانًا شعريًّا، حيث جمع الدواوين السبعة الأولى منها في كتاب "شعر مجموع" 2011، وتلا ذلك "أنت هنا" 2013، الذي تمت ترجمته في إيطاليا، وديوان "البحر المتوسط"2016، الذي حصل على الجائزة الوطنية في الشعر أنطونيو راموش روزا، وتم نشره في إسبانيا، وإيطاليا، وفرنسا، وبولندا، ومصر.
كما نشر "رحالة"2018، حيث تم نشره أيضًا في إيطاليا، وحصل على جائزة كتاب الشعر لعام 2018، كما حصل على الجائزة الأدبية "أرماندو دا سيلفا كارفاليو".
 في عام 2019 نشر مقتطفات "الزمن يتقدم عن طريق المقاطع اللفظية"، وتم نشرها أيضًا في كرواتيا، ومقدونيا، والبرازيل، وتلا ذلك عمله "حركة" 2020. 
وصلت الطبعات الإيطالية لكل من"البحر المتوسط"، و"رحالة" إلى المرحلة النهائية من الجائزة الدولية "كاميوري" عامي 2019، 2020، على التوالي.

بين السماوي والأرضي

الله أم الطبيعة
"إسبينوزا"
في.. صباح العاصفة، خرجنا لقياس الأضرار
(إعادة الأحجار على الجدران.. وجمع الأغصان من الأ رض).
أعاد غضب الطبيعة النظام السابق 
في إشارة إلى الزيادة، 
عندما تمعن النظر في اليوم التالي 
وتدرك خطأ الليلة الماضية. 
لم يتبق من قوة العاصفة سوى.. ألم وصمت 
(بجوار شجرة صنوبر ثمري، السماء والأرض مهزومتان:
فأر وعصفور.. هما الذكرى المرئية للدمار.. الأعمى). 
كما لو أن.. البدء من جديد لا يتأتى إلا عندما.. 
تجرؤ السماء والأرض.. على أن تخسران.
إله.. يضبط التوازن عن طريق هدم ما خلقه –
شخص ما لا بد أن يموت عاجلًا من أجل.. أن يحيا غيره.

آثار إشارة
استمرت الإشارة للحظة..
(بقية من شعور) 
أخرج.. بحثًا عن الإشارة
لكنها لم تعد هناك..
رقصتها الغائبة عن سطح الجو
(أخلاقي.. أم غير أخلاقي؟)، 
فقط.. أستطيع أن أخمن ذلك.. 
مثل العودة إلى pathos
إذا لم تقطن بالذاكرة 
 (فهل كانت.. إشارة عاشقة؟ 
 أم أنها.. إشارة بلا تاريخ؟).

ذلك اللانهائي
في ذكرى "باولو كونيا إي سيلفا"
يبدأ الآن يوم آخر.. يوم آخر بدونك. 
تجوّلنا بالمدينة، نحرص على التعرف عليك 
(لا إسم بين الذين يمرون هو اسمك). 
أين تلك الفرحة عندما كنا نجلس بالمنزل؟!
(البحث عن نافذة، ورِقّة السطوح) 
أين هو فكرك، الأسرع من اليوم نفسه؟ 
أين أنت فلست بيننا؟ 
أين طاقتك؟
المراكب التي تتراقص في النهر طوال النهار، 
دون أن تستريح 
(الأمواج التي لا تتوقف عن الحركة عند المصب) 
مرايا هذا المقهى التي لا تنطفأ في الليل 
(قوس قزح.. 
ألوان الحب في إشارات المرور بالطريق الفسيح)  
ربما بقيتَ منتشرًا بالشوارع في الأشياء التي لا تتوقف 
(في فورة من الجزيئات) 
من يدري الآن؟ 
فربما تكون موجودًا في كل شيء غير مستقر 
(في ذلك الذي لا ينطفيء:) 
في الزمن اللا نهائي.

آلهة صغرى

الصباح ما يزال نائمًا عندما أسير، 
بحذائي في شوارع "بروفينسا"،  
حيث كل شيء - بالنسبة لي - غريب. 
أسير باحثًا عن القصيدة: 
السوق تملؤه الزهور 
(الخطيئة الكبرى ليست سوى قطف الجمال، 
والمتعة في امتلاكه تتسبب لي في الألم). 
الحقيقة (كما هو معلوم) هي أمر شخصي، 
وأنا أريد من الحياة أكثر من ذلك  
(أكثر من ذلك اللا شيء الكثيف) 
بالتحديد ما لا أستطيع شرحه لا أعرفه. 
لا بد أن ترفض الألم عندما تنتهي البراءة، 
وليس ما لدي ما أقوله فوق ذلك القول: 
التاريخ (كما هو معلوم) يكتبه المنتصرون.