التأجيل خيار للهروب من انتحار سياسي

العلاقة الدافئة بين فتح وحماس علاقة وهمية اقتضتها المصالح الآنية وسرعان ما تعود حماس لباطنيتها.
قوائم فتح وحماس والحرية والمستقبل تتصدر المشهد الانتخابي
أغلب القوائم المرشحة تتخذ من حركة فتح وقيادة السلطة خصماً تنافسياً
كيف يمكن تجاوز عقدة القدس، أي تصويت ستة آلاف ناخب فلسطيني

قد يكون هذا هو ملخص الأمر، بغض النظر عن إن ذلك بسبب عقبة القدس أو وثيقة الأسرى، أو وباء كورونا، أو غيرها. يتوقف اتخاذ قرار التأجيل من عدمه بجولة وزير الخارجية الفلسطيني د.رياض المالكي في أوروبا، إن نجح ستجري الانتخابات وإن فشل سيكون هناك حديث كثير سيجري قبل اتخاذ القرار.

فصائل منظمة التحرير الفلسطينية في أغلبها تدعم هذا القرار بل وتحض عليه، كون بعضها لم يترشح للانتخابات أصلاً لانه اتكل أن ترفعه حركة فتح من خلال قائمتها الرسمية وتضعه بلا تعب كما فعلت حتى الآن في مؤسسات السلطة والمنظمة. لكن في حسابات فتح الأخيرة خاب رجاؤه، وبحسب كل القراءات الاستطلاعية لا نصيب حتى لمن ترشح من فصائل المنظمة في تجاوز نسبة الحسم، باستثناء قائمة نبض الوطن التي تمثل الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والمبادرة الوطنية، أما فتح فهي تتمثل بثلاثة قوائم اثنتان بمثابة أعداء لبعضهما البعض القائمة الرسمية وقائمة المستقبل، بينما الثالثة تقف بينهما كجسر إذا أحسن الطرفان المتضادان النوايا، أو كمرجح لكفة إحدهما على الآخرى في حال رفضا خيار الوفاق والمصالحة والوحدة في سبيل فتح واحدة موحدة تحت قبة البرلمان وخارجه.

في استطلاعات الرأي التي تتجدد بين فينة وأخرى مازالت القوائم الأربعة فتح وحماس والحرية والمستقبل تتصدر المشهد الانتخابي وتتقارب نتائج فتح الرسمية وحماس، فهما الكتلتان الآقوى حتى الآن لكنهما لن تتجاوزا نسبة السبعين في المئة، خمسة وثلاثون مقعداً لكلٍ منهما، ويرفع البعض النسبة لكل منهما إلى أربعين أي يصبح عدد مقاعدهما ثمانين مقعداً وهذا إن حصل يفي بتنفيذ تفاهمات القائدين جبريل الرجوب وصالح العاروري بتشكيل حكومة وحدة وطنية، تقود المرحلة القادمة وفق تقاسم وظيفي بين فتح وحماس في غزة والضفة، ربما يكون اشبه ما يكون بمقترح الفيدرالية التي قدمها موسى أبو مرزوق أحد زعماء حماس قبل سنوات. فمقترحه نص على إدارتين أحدهما بالضفة تقودها فتح وأخرى في غزة وتقودها حماس وتجمعهما حكومة مركزية، وهذا تكريس للانقسام الجغرافي والسياسي، وذر للرماد في العيون.

لكن حماس التي تتهم كجماعة أخوان مسلمين باتخاذ التقية والباطنية نهجاً في تعاملها السياسي قد تخذل حليفها الجديد الفريق جبريل الرجوب إذا أسفرت النتائج المتوقعة عن فوز قائمة المستقبل بعدد كاف من المقاعد لتشكيل حكومة مع حركة حماس. فالتحالف بين الطرفين يشهد علاقة دافئة بينهما سمحت خلالها حركة حماس لعناصر التيار القيادية بالعودة إلى غزة وممارسة كافة الأنشطة السياسية والاجتماعية بل وتخلل ذلك إفطار رمضاني مشترك لقيادة الجماعتين.

والناظر لما يحدث من تفاعلات منذ بدأ حراك الانتخابات التشريعية يرى بأم عينه أن أغلب القوائم المرشحة تتخذ من حركة فتح وقيادة السلطة خصماً تنافسياً، وهذا ينعكس ايضاً على التسميات التي نزلت بها القوائم وسجلت وفقها التغيير الديمقراطي، كرامتي، طفح الكيل، التغيير ونهاء الانقسام، عدالة، الحرية، الفجر الجديد، نبض الشعب، نهضة وطن، نبض البلد، العدالة والبناء، صوت الناس، معا قادرون، الحرية والكرامة، العدالة للجميع.

كل هذه التسمية تعكس رفض الوضع القائم وتسعى لتغييره، وفتح كونها حزب السلطة هي المسؤولة عن الوضع القائم، لذلك قد تعكس نتائج الانتخابات وضعاً معارضاً لها بل ومتحدياً، ورهان فتح على حركة حماس هو وضع مضحك مبكي في آن معاً، فحماس هي الخصم السياسي اللدود لفتح ليس خلال الخمسة عشر عاماً الماضية بل منذ نشأتها تعاملت مع فتح على انها (عدو سياسي) قولاً وفعلاً باستخدام مصطلحات من التخوين إلى التكفير إلى استخدام السلاح بصورة سافرة تجاه قادتها وابنائها في الأجهزة الأمنية، لذلك أن تصبح حماس حليفاً لفتح هذا أمر يمكن فقط أن ينجح في الأحلام الوردية لبعض قادة فتح، فالتنظيم الباطني لا يمكن ان يكون حليفا إلا لمن يساعده في السيطرة على السلطة ومنظمة التحرير الفلسطينية. فهل ستذهب قيادة فتح نحو انتحار سياسي برجليها؟

لا أظن ذلك فأغلب فتح لن تقبل بمصير كهذا، ولا كذلك حلفائها في الإقليم، ولكن ما عسى فتح الرسمية أن تفعل وقد جعل من القيادي السابق فيها محمد دحلان وتياره عدوها رقم واحد؟ وماذا وقد وصفت قائمة الحرية من ابنائها، قائمة القدوة- البرغوثي كقائمة مرتدين، والمرتد بحسب الشائع اسلامياً يقتل؟

فتح تعاني أزمة رهيبة لم تشهدها في تاريخها، وإذا صدقت الأنباء حول اتفاق بين فتح وحماس ينص على أن ما تحصده القوائم في المجلس التشريعي هو حصتها في الوطني تصبح الأمور أكثر تعقيداً، حيث لوحصلت فتح على أربعين مقعداً في التشريعي فحصتها في الوطني أربعين أيضاً مجموعهما يصبح ثمانين مقعداً وبالتالي سيكون مقابلها أغلبية بعدد مقاعد 184 بينها على الأرجح ثمانين مقعداً لحماس ومئة واربع مقاعد للقوائم الأخرى أبرزها قائمة الحرية (قائمة الأسير مروان البرغوثي) وقائمة المستقبل (قائمة محمد دحلان) بالإضافة للقوائم الأخرى المستقلة والفصائلية.

إن حصول نتيجة كهذه تعني نهاية النظام السياسي الفلسطيني الحالي بشقيه رام الله وغزة وتشكيل نظام سياسي فلسطيني جديد على أنقاضه، لن تكون فيه سيطرة للفصيلين الكبيرين فتح وحماس. وسينعكس ذلك على تركيبة أجهزة ومؤسسات السلطة ومنظمة التحرير كافة.

فهل ستقبل فتح وحماس بذلك؟ أغلب الظن لن يقبلا.

ويأتي موضوع القدس ومشاركتها في الانتخابات ليحتل معظم العناوين هذه الأيام، والبعض يعتبرها ذريعة خصوصا القوائم التي تملك حظاً وافراً من الفوز وكذلك قوائم الحركات المجتمعية.

لكن القدس ليست ذريعة ولطالما شكلت المدينة المقدسة مشكلة في الانتخابات فقد حدث الأمر ذاته عام 2006 ولكنها ذللت في ذلك الحين من قبل الإدارة الأميركية من خلال اللجوء إلى اتفاق أوسلو الذي ينص على استخدام مراكز البريد الصهيونية في المدينة كمكان لاقتراع ما يقارب 6000 مقترع مقدسي داخل الأسوار، بينما يستطيع مئة وخمسين الف مقدسي خارج الأسوار الاقتراع في أماكن سكناهم داخل حدود محافظة القدس الفلسطينية.

كيف يمكن تجاوز عقدة القدس في الانتخابات أي تصويت ستة آلاف ناخب فلسطيني في مراكز البريد الصهيوني بحسب اتفاق أوسلو الذي يقول الفلسطينيون أنهم تجاوزوه وقد أصبح خلف ظهورهم. يقال أن الأوروبيين قدموا مقترحاً خلاقاً ينص على ان يتم وضع الصناديق داخل بعثاتهم القنصلية ومقرات الأمم المتحدة في المدينة المقدسة وهذا الحل إن تم (بحسب وجهة نظري) يجعل القدس قضية أوروبية وعالمية ويلغي او يقزم أي خطوات أميركية أتخذت لصالح الصهاينة في موضوع القدس.

واقترح أخرون من القوائم أن يتم التصويت في المسجد الأقصى وكنيسة القيامة وهناك اقتراحات أخرى للحل، وقد أعربت لجنة الانتخابات الفلسطينية عن وجود حلول لديها لتجاوز هذه العقبة.

إذاً لا تأجيل، خصوصاً أن المقدسيين شاركوا بهبتهم في الانتخابات صوتاً وصورة واعتقالاً ونضالاً خلال الأيام الماضية رداً على اعتداءات المستعمرين الصهاينة.

في الختام: من سيهرب من استحقاق الانتخابات في موعدها سيواجه انتحاراً سياسياً ومن يقبل بتجاوز عقبة القدس دون حل وطني فلسطيني يكرس فلسطينيتها يقدم أيضاً على انتحار سياسي استراتيجي، حيث بفعله ذاك يسلم بمؤامرة نتنياهو-ترامب بفصل المدينة المقدسة عن الحل الدائم للقضية الفلسطينية.

فإلى أي خيار سيتجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس؟

يقال أنه ذاهب نحو إجراء الانتخابات في موعدها مهما كانت الظروف بعد تجاوز عقبة القدس، مع أن الناطقين باسمه يتناقضون في تصريحاتهم وآرائهم، ما زال الأمر كله بيده فهو الذي أصدر المرسوم وهو الذي يستطيع الغاءه.

في هذه الاثناء دخل الصهاينة على خط التصعيد، فقد نشرت المواقع الإخبارية الصهيونية ان قيادة اركان الجيش في المنطقة المركزية تستعد لسيناريو الغاء الانتخابات الذي بات قرارا رئاسياً مؤجلاً لكنه اتخذ، وأن قيادة جيش الاحتلال تتوقع اضطرابات في مدن الضفة الغربية وغزة بل وقصف صواريخ تجاهها، لذلك فإنها تتجهز للتحرك لقمع أي نشاط او تحرك يهدد أمنها واستقرارها.

قرار الأنقاذ كان وسيبقى في يد الرئيس ابومازن لكن القرار يجب ان ينص على الاستمرار في اجراء الانتخابات بالقدس وليس بدونها فبدونها انتحار سياسي وعدم اجرائها أيضا انتحار سياسي.