التناص والتضمين في نصوص "ذات أرق"

نصوص سهى نعجة مهداة للزوج والابن، مترعة بالحب والبوح والمناجاة والمشاعر الدافئة والعواطف المتدفقة، ولا تخلو أحيانًا من سهام تحذير.
الكاتبة اتكأت على التناص بشتى أشكاله؛ مما يثري النص، ويمنحه أبعادًا وعمقًا
نصوص جميلة، مكتنزة بالعواطف والمشاعر، ثرية بما وظفته من تضمين وحكايات

«ذات أرق» نصوص مهداة للزوج والابن، مترعة بالحب والبوح والمناجاة والمشاعر الدافئة والعواطف المتدفقة، ولا تخلو أحيانًا من سهام تحذير. وهي في معظمها موجهة للزوج، بالإضافة إلى الأب والابن، وتحتمل المجاز في كثير من المواطن. وهي نصوص مترعة بالشاعرية والتكثيف، مما يجعلها نصوصًا أقرب للشعر منها للنثر، وجاء الشكل العمودي للنصوص ليوحي بذلك أيضًا. وكان جميلًا أن تجعل الساردة لنفسها نصيبًا من النصوص، معتزة بنفسها، مفتخرة واثقة بذاتها ومكانتها وسطوتها، تقول:
أنا النساء كلها
فأنّى اخترت
كنتُ أنا
إني كل النساء فتنة
وإغراء
فتذكر:
تغزل الشوق
صراحًا
فتصدح به الفلوات.
وفي موضع آخر، تتيه على الشمس وشجر اللوز:
إني امرأة تغار الشمس من
ضوئها السماوي
ويثمل شجر اللوز ببهائها النوراني
والقارئ لنصوص «ذات أرق» يلاحظ دون عناء أنها غنية بما تضمنته من حمولة معرفية، حيث اتكأت الكاتبة بشكل لافت على التناص بشتى أشكاله؛ مما يثري النص، ويمنحه أبعادًا وعمقًا، ويدفع القارئ لأن يبحث ويتعمق فيما يقرأ، وكل ذلك يؤكد طول باع الكاتبة، وثقافتها الواسعة، وتمكنها من أدواتها. 

Poetry
كزوربا سأرقص على حافة اليقين

والتناص يعني  وجود علاقة بين نص الكاتب ونصوص أخرى، ومن أمثلة ذلك:
(1)
في تناص مع رواية «زوربا اليوناني» لنيكوس كازانتزاكيس، تقول الكاتبة:
كزوربا
سأرقص على حافة اليقين
وأرقب غدي
وأعيد للحضور دهشته
وزوربا كما هو معروف، شخص يحب الحياة، يعيشها على هواه، يرقص ويمرح دون أن يأبه بشيء.
(2)
وتشبه الساردة نفسها ببلقيس وتناجي سليمانها مستدعية قصة سليمان عليه السلام مع بلقيس، تقول:
سليمان
إني بلقيس
ناست خُطاي
وسلا مهرتي
الصهيل
وقد ظهر بجلاء إبداع الكاتبة في توظيف التناص في نصوصها، من خلال: التضمين، وتأثرها بالنص الديني، واللغة وعلومها، والحكايات الشعبية وغيرها:
التضمين
التضمين هو استعارة أو اقتباس نص لشاعر أو كاتب آخر، وإدراجه في النص دون تغيير، مع ضرورة الإشارة إلى ذلك من خلال علامات التنصيص؛ حتى يدرك القارئ أنها ليست للكاتب، وقد حفلت نصوص«ذات أرق» بأمثلة كثيرة على التضمين، ومن ذلك:
(1)
بلذة العرفان
أصبحتُ بك
و«من أصبح أفلح».
وهي تحتوي مثلًا معروفًا: «من أصبح أفلح». 
(2)
أتحراك
وقد بعدت عني
«وكل غريب للغريب نسيب»
ويحتوي تضمينًا لشطر من بيت لامرئ القيس:     
أَجَارَتَنَا إِنَّا غَرِيبَانِ هَا هُنَا ** وكُلُّ غَرِيبٍ لِلغَريبِ نَسِيبُ
(3)
وضمنت الكاتبة معظم قصيدة «ضد من» لأمل دنقل في أحد نصوصها، تقول:
أمل دنقل
حنانيك وأنت تسبر
سر البياض 
على شفا اللموت
حين قلت:
«في غُرَفِ العمليات,
كان نِقابُ الأطباءِ أبيضَ،
لونُ المعاطفِ أبيض،
تاجُ الحكيماتِ أبيضَ،
أرديةُ الراهبات،
الملاءاتُ،
لونُ الأسرّةِ،
أربطةُ الشاشِ والقُطْن،
قرصُ المنوِّمِ، أُنبوبةُ المَصْلِ،
كوبُ اللَّبن،
كلُّ هذا يُشيعُ بِقَلْبي الوَهَنْ.
كلُّ هذا البياضِ يذكِّرني بالكَفَنْ!
فلماذا إذا متُّ.. 
يأتي المعزونَ مُتَّشِحينَ..
بشاراتِ لونِ الحِدادْ؟
هل لأنَّ السوادْ..
هو لونُ النجاة من الموتِ،
لونُ التميمةِ ضدّ.. الزمنْ,
ضِدُّ منْ..؟».
(3)
ووظفت بيتًا لأبي فراس الحمداني:
رب، مسني نبضه
فما أشركت به
وطفقتُ بقول الحمداني:
«أراك عصي الدمع شيمتك الصبر
أما للهوى نهي عليك ولا أمر»
أتجلدُ.

النص الديني
ظهر واضحًا من خلال عشرات الأمثلة، تأثر الساردة بالنص الديني، ووظفته بشكل موفق في نصوصها، ومن ذلك:
(1)
تخاطب الساردة رجلها، بأنها جنته وفردوسه الأعلى وسدرة منتهاه، تقول:
جنتك أنا
وفردوسك الأعلى
وسدرة منتهاك
فلماذا
أراك
ولا تأتي نعسة تروي
ظمأ
أحلامي؟
(2)
وتناجي ربها قائلة:
الصبح إذا تنفس،
أيقظ الشمس فيك،
وقاسم العصافير غريدها،
وأقمار الياسمين فوحها،
وابتهل للإله مرددًا
رحماك ربي
رحماك
رضاك ربي
سلوانا
ودوام وصلك رجوانا
(3)
وقريب مما سبق تقول:
الصبح إذا تنفس
اخلع خمار النوم،
ورتل بعض الآيات،
وردد وِردَ الصباح
أذكارًا
وأناشيد
وأغنيات
بيد تجل
بالأمنيات
والعطايا
والحسنات
(4)
وتدعو ربها ليحفظ ابنها:
رباه،
فوضتك قلبي
فاشرح صدري صبرًا
وقو إيماني
رباه،
هبني أيوب
يوسف
يونس
هاجر
وأراف بي أمًا
حسبي ينعس ابني في حجري
أغمض عيني على وجهه
وكفاني

اللغة وعلومها
الساردة أكاديمية متخصصة في اللغة العربية وعلومها، وتحمل درجة الأستاذية فيها، وبرز ذلك في نصوصها بشكل لافت، إذ لا يشك القارئ أنها متخصصة باللغة أو من عشاقها على الأقل، ومن أمثلة ذلك: 

Poetry
سهى نعجة 

(1)
تستدعي الساردة أعلام الشعر قديمًا وحديثًا، وخاصة شعراء الحب والغزل، تقول:
ترجّل عن صهوة المتنبي
واشهد وقد بلغت الأربعين
أنك
مذ رافقت كتب العشق
فسامرت
ابن رييعة،
وليلى الأخيلية،
وولادة،
وقباني
سرى النبض في
عروقك
(2)
وتوظف فنون البلاغة في نص جميل:
حضورك مجاز
واستعارة
وكناية
وإني سيدة
الحقيقة
(3)
وللنحو حضور وتوظيف وتوصيف جميل:
كانت أولى صلواتنا قبل عشرين
بل أزيد
حول أنواع البدل
اختلف الرفاق
ما نحن؟
فاتفقوا
أننا بدل مطلق
مضى العمر
وما نزال
كما قالوا
ثم
شغلنا أبواب النحو:
غالبها
وصار الإسناد بابنا
وسياق الحال

الأسطورة والحكاية الشعبية
كان للأسطورة والحكايات الشعبية حضور وازن في نصوص «ذات أرق»، ومن ذلك:
(1)
تستحضر من التاريخ قصة الغانية «تاييس» التي نجح الراهب «بافنوس» في هدايتها، تقول:
«تاييس»
أنا «بافنوس»
ربة غواية
ونبية لذة
وأظن أن الأسماء عكست في النص سهوًا.
(2)
وتستدعي طائفة من الحكايات الشعبية المحببة للأطفال والأكثر تأثيرًا في عالمهم، تقول:
سيظل علي بابا والمغارة،
وسندباد،
وفانوس علاء الدين،
وياسمينة،
والشاطر حسن،
والساحرة ميساء،
سر طفولتنا
فنحن
سيان
نغيب
لنحضر بعد زمن
نسكب الدهشة
والفتنة
في
معارج الحالمين
(3)
وتفخر بنفسها، مستدعية حكايات ألف ليلة وليلة، تقول:
إني شهر زاد الحكايا
فلا تتوان شهريار
عن
لذة سردي
وبعد؛؛؛ 
فإن «ذات أرق، عمان: دار الآن ناشرون وموزعون، 2021، 267 صفحة»، نصوص جميلة، مكتنزة بالعواطف والمشاعر، ثرية بما وظفته من تضمين وحكايات، وظهر تأثرها باللغة العربية وعلومها والنص الديني واضحًا. ومع إيماننا بحق الكاتبة بأن تكون نصوصها بالشكل الذي تراه، إلا أنني كنت أفضل أن تكون النصوص منفصلة معنونة، لا نصًا واحدًا متصلًا. 
ويذكر أن الكاتبة سهى نعجة أستاذة دكتورة في النحو والصرف والمعجميّات. صدر لها قبل «ذات أرق» عدد من المؤلفات في اللغة والأدب والإبداع، منها: تحقيق تحفة الأديب في نحاة مغني اللبيب بالاشتراك مع د. حسن الملخ، 2008. آفاق الدرس اللغوي في العربية، 2014. خطاب المرأة في المعجم العربي، 2015. معمارية اللغة الشعرية؛ مقاربة نصية في تجربة راشد عيسى، 2016. منهجية عمر القيام بين النقد والتحقيق، 2017. مدارج التحليل اللساني في العربية، 2017. وأصدرت خمسة كتب في نصوص الأبيجراما عن «الآن ناشرون وموزعون» في عمّان، هي: تناص، 2014. جمر وخمر، 2014. لا إكراه في الوصل، 2015. والصبح فينا تنفس، 2016. بصيرة عمياء، 2019. بالإضافة إلى عدد من الكتب المشتركة، وعشرات الأبحاث والدراسات العلمية المحكمة.