الحرائق تخنق غابات تونس 'الخضراء'

96 بالمئة من الحرائق في تونس سببها الإنسان، وخبراء يطلقون صيحة فزع من امكانية فقدان الغطاء الغابي خلال العشرين سنة المقبلة في البلاد.

رصدت الإدارة العامة للغابات بتونس خلال الأيام الأخيرة حرائق متواترة اندلعت في غابات منتشرة على أنحاء البلاد، في مشهد صار متكررا في السنوات الأخيرة وكلما ارتفعت درجات الحرارة.
وتعيش البلاد التونسية خلال هذه الايام على وقع ارتفاع كبير في درجات الحرارة مما يجعل الغابات سهلة الاحتراق.
وشهدت البلاد التي يصطلح بتسميتها "تونس الخضراء" في السنوات القليلة الماضية اندلاع سلسلة من الحرائق تسببت في اتلاف آلاف الهكتارات من الغابات ومزارع الحبوب.
وتمكّنت وحدات الحماية المدنية التونسية خلال يوم واحد من إطفاء 113 حريقا بمناطق مختلفة من البلاد، وفق ما أوردته وزارة الداخلية التونسية في بلاغ صدر الثلاثاء.
ووفق نفس المصدر، قامت الوحدات التّابعة للدّيوان الوطني للحماية المدنيّة بـ465 تدخّلا، بينها 113 لإطفاء حرائق.
وأكد يامن الحقي رئيس دائرة الغابات بالقصرين على سبيل المثال السيطرة على عدة حرائق متواترة نشبت منذ نهاية الأسبوع المنقضي بالمناطق الغابية والجبلية بمحافظة القصرين.
وكشف عن اندلاع حريق بالمنطقة العسكرية المغلقة بجبل الشعانبي وحريق ثانٍ بالغابة الدولية بجبل السلوم وحريق آخر بجبل سمامة.
وأشار إلى أن مصالح إدارة الغابات قد سجلت اندلاع حريق بالغابة الدولية بتيوشّة من معتمدية سبيبة التابعة لمحافظة القصرين، وهي منطقة عمليات عسكرية.
كما تمكنت الحماية المدنية وأعوان الغابات والجيش الوطني والتجهيز من السيطرة نهائيا على حريق شب بغابة الرمال أتى على عدة هكتارات منها.
وقد سيطرت الحماية المدنية خلال صيف عام 2020 على 500 حريق تقريبًا.
وتتعدد أسباب الحرائق، وقد تشمل عوامل طبيعية بسبب التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة وسرعة الرياح، كما يمكن ان تكون من صنع البشر سواء سهوا أو عمدا.
وكشفت ادارة الغابات بوزارة الفلاحة والصيد البحري والموارد المائية أن أبرز أسباب الحرائق التي نشبت في العام 2020 كانت 4 بالمائة منها عوامل طبيعية أي بفعل ارتفاع درجات الحرارة و3 بالمائة منها بفعل فاعل أي متعمدة وتكتسي صبغة الجريمة.
وافادت ان نشوب الحرائق بفعل الإنسان دون قصد وصلت إلى نسبة 96 بالمائة.
ويؤدي الاهمال البشري الى نشوب حرائق متفاوتة الخطورة مثل قيام البعض بإبقاء الحطب مشتعلا وترك أعقاب السجائر مشتعلة في الغابة.
ويعمد العديد من المخربين والمفسدين والعابثين الى القيام بجرائم متعددة في حق الطبيعة عبر إضرام النار في الغابات بشكل متعمد أو عبر التوسع العمراني أو تحويل رئة المدن لمصب للفضلات، كما ان أيادي تجار الفحم والخشب تمتد في كثير من الأحيان ودون وجه حق لقطع الاشجار  وقضم الثروة النباتية عبر مخالفة التراتيب الجاري بها العمل في هذا المجال.
وتتجه اصابع الاتهام ايضا الى التخييم العشوائي الذي يضر بالغابات ويشوه نضارتها وجمالها ويعتدي على "عذريتها".
ولا يستبعد خبراء تورط شركات في حرق الغابات بالتعاون مع جهات نافدة من أجل استغلال فخم الغابات دون وجه حق.
وعقب الثورة التونسية اجتاحت تونس موجة حرائق اعتبرت وزارة الدفاع أنها بفعل فاعل، كما تزايدت الشكوك حول نوايا إجرامية وتهديدات إرهابية تقف ورائها.
وتتواتر الاتهامات السياسية بوقوف أطراف معينة وراء ارتفاع الحرائق بالغابات والمحاصيل الزراعية، واستغلال الظرف الراهن الذي تغذيه الصراعات والمشاحنات بهدف إرباك المشهد وإضعاف مؤسسات الدولة وقراراتها.
اتهم الرئيس التونسي قيس سعيّد جهات لم يسمها بالوقوف وراء حرائق غابات جبل عمدون بمحافظة باجة شمال غرب البلاد التي نشبت في العام 2020 مشددا على أنها "بفعل فاعل يريد الاستفادة السياسية، وهي عمل إجرامي مقصود ضد الدولة".
ويسلط القضاء التونسي عقوبات ردعية تتمثل في السجن وغرامات مالية على كل من يتسبب في اتلاف الغابات وذلك وفقا للعقوبات المتعلقة بحرائق الغابات. 
واعتبر مختصون في الشأن المناخي والبيئي أن تدهور الغطاء الغابي وصل مرحلة حرجة قد يؤدي في حال تواصله على هذه الشاكلة إلى فقدان الغطاء الغابي خلال العشرين السنة المقبلة في تونس.
وبالرغم مما تسببه هذه الحرائق من خسائر هامة في الثروة الغابية ومن اضرار مادية وايذاء لصحة الإنسان، حيث تخسر تونس سنويا حوالي 3 آلاف هكتار من الغطاء النباتي، إلا أن المتضرر المباشر هم سكان الجبال الذين تكبدهم الحرائق خسائر هامة في موارد رزقهم وزراعاتهم ومواشيهم.
وتتلف الحرائق الأشجار الغابية وأشجار الزيتون وبيوت النحل، كما تؤدي الى هلاك العديد من الحيوانات التي تمثل مورد رزق بسيط ومتواضع لسكان القرى المجاورة للغابات والذين يعيشون بعيدا عن صخب الحياة وضجيجها والضغط النفسي المرافق الدائم لسكان المدن الا انهم يعانون الفقر والخصاصة والحرمان من ابسط مستلزمات ومتطلبات الحياة.
وتكثف فرق الحماية المدنية وأعوان الغابات وسكان المناطق الجبلية وحتى الريفية جهودها من أجل إخماد الحرائق التي تثير الرعب والفزع في النفوس وتلحق أضرارا فادحة بموارد رزق أناس بسطاء يقتاتون من خيرات الغابات وكنوزها الطبيعية ويقنعون بالعيش بين احضان الطبيعة رغم معاناتهم من الفقر والتهميش والاقصاء.
وتعرّي حرائق الغابات المستعرة التي تجتاح مناطق جبلية في فصل الصيف بالخصوص الأوضاع المتردية لمتساكني تلك المناطق المهمشة التي تكون عرضة للثلوج والبرد في الشتاء والحرائق والجفاف وندرة المياه الصالحة للشراب في الصيف.
ويكتوي سكان المناطق المهمشة التي تكون عرضة لتطرف المناخ والطبيعة والعدوان البشري من اوضاع معيشية متردية ويصطدمون بصمت مريب من حكومة تنشغل عنهم بتصفية حسابات سياسية ضيقة.