الحروب الأمنية والذكاء الاصطناعي
تطورت اساليب الحروب وانواعها واشكالها، بحيث تغيرت تغيرا جذريا، ولم تعد تحمل حتى أي صفة من صفات الحروب التقليدية التي سادت عبر العصور السابقة، كما ان التطورات التي تشهدها حاليا باتت متسارعة جدا، ومن الصعب ملاحقة تفاصيلها وسبل التعامل معها.
والأمر يزداد تعقيدا عندما يتعلق الامر أساسا بالحروب الاستخبارية والأمنية، حيث يصعب تحديد محتواها وصورها ونوعية تداعياتها، والمعنيين بها مباشرة، او المتأثرين بها كطرف ثان، وعليه يبدو الامر اشد تعقيدا.
والأخطر من ذلك كله، عندما يقترن العمل الاستخباري بالعسكري مع تجنيد التكنولوجيا لأغراض هذه الحروب، والمضي قدما في وسائل الفتك لدرجة فناء البشرية، واستعمال هذه الوسائل المستجدة في مسارات لا متناهية، ما تشكل مخاطر مرعبة على مستوى الإنساني، وجوهر وجوده واستمراره.
وعلى الرغم من دخول التطور التكنولوجي في صميم العمل العسكري والاستخباري وصناعات وسائله منذ فترة لا بأس بها، الا ان التطور المتسارع في النصف الثاني من القرن العشرين، جعل من قضايا الحروب ومستلزماتها امرا فاصلا في تداعياتها ومساراتها ونتائجها، الى ان انفصل التطور التكنولوجي عن مسارات ربطه بأمور أخرى، وباتت الحروب التكنولوجية والسيبرانية جزءا رئيسا من استراتيجيات الدول في رسم السياسات الدفاعية وبرامجها.
وما يميز هذا الامر اليوم، شدة خطورته ووسائل دمجه في أساليب الحروب، بحيث باتت الحروب السيبرانية استراتيجية متكاملة في سياسات الدول، وفي بعض الحالات تعتبر صفة لتميز قوة الدول وقدراتها وامكاناتها، ومرتعا للتباهي والتفاخر بها، باعتبارها عنصرا للتفوق الاستراتيجي الذي يصعب اللحاق به وكسره او مواجهته.
ومن ميزة الحروب الأمنية والاستخبارية المدمجة بالتطور التكنولوجي وبخاصة الذكاء الاصطناعي، سرعة الاستفادة من الفرص المتاحة، علاوة على دقة النتائج المتناهية، وسرعة التنفيذ، والعمل على ملايين الملفات في أوقات متوازية دون أخطاء تذكر، وبالتالي تغيير المعادلات وكسر التوازنات، وبالتالي ارغام الخصم على سرعة التسليم بالنتائج الحاصلة والاستسلام ودفع الاثمان المطلوبة، والاغرب من ذلك كله، انجاز النصر الحاسم دون اطلاق رصاصة واحدة في بعض الحالات.
ان مراجعة تاريخ هذه الحروب ونتائجها وتداعياتها، تبرز خصائص مشتركة فيما بينها، منها سرعة اخضاع الخصم، وترك آثار سلبية شاملة من السياسي الى الاقتصادي والاجتماعي والسلوكي، مع تسجيل ميزة الاطالة الزمنية لهذه الآثار وعدم القدرة على تخطيها وتجاوزها بسهولة، والاهم من ذلك عدم القدرة على اكتشاف سبل المواجهة بشكل يسير وبطرق مضمونة النتائج في وقت يكون فيه الوضع شديد الحساسية ويتطلب قرارات وآليات تنفيذية عالية الفعالية.
ان آخر ما جرى من حروب استخبارية امنية مدمجة باستعمال الذكاء الاصطناعي والتطور التكنولوجي ما جرى في لبنان مؤخرا، بعد تفجير البيجر واللاسلكي الذي ذهب ضحيتها ما يقارب الأربعة آلاف بين جريح وقتيل، والتي اعتبرت سابقة لجهة الاسلوب والنوع والكم المستهدف في الأساس والدي يبلغ حوالي السبعة آلاف.
لقد بات هذا النوع من الحروب، من اشد الحروب خطورة، بخاصة ما يشاع عن إمكانية ابتداع أنواع جديدة من الوسائل القابلة للاستعمال كوسائل اغتيال وقتل جماعي، فما المانع من ان يشمل ذلك اجهزة الهواتف الذكية، وحتى أي جهاز الكتروني يستعمل في البيوت، وبالتالي امتداد وتوسع الوسائل القابلة للاستعمال، الامر الذي سيشكل سوابق توصف بالابادة الجماعية، الامر الذي سيشيع الفوضى العالمية.
ان هكذا سيناريوهات سيؤدي بالتأكيد الى تهديد الامن والسلم الدوليين، وهو وضع يستلزم التحرك دوليا لترتيب التعامل مع أي وضع مستجد، وهو امر يوصف اقله بأزمة دولية ذات مخاطر رفيعة، يستدعي سبل المواجهة، قانونيا وعمليا من قبل المجتمع الدولي.
بداية نقترح، البدء في تكوين بيئة قانونية عبر مجلس الامن الدولي، بالتوصل الى اتفاقيات شارعة على المستوى الدولي، يحرم بشكل قاطع استعمال التكنولوجيا وتحديدا الذكاء الاصطناعي في الوسائل القتالية الأمنية والاستخبارية، والقيام بعمليات اغتيال جماعي.
ان مخاطر استغلال التكنولوجيات المتطورة في القيام بعمليات اغتيال وقتل جماعي، هي كثيرة وغير محددة التداعيات، وهو امر لا يقل خطورة عن الاعمال الإرهابية التي نظمت الأمم المتحدة العديد من الآليات التنفيذية لعمليات المواجهة والقضاء عليه، كما لا يقل هذا الموضوع خطرا عن الفيروسات القاتلة التي انتشرت مؤخرا كفايروس كورونا ومشتقاته، وجميعها مخاطر ذات طبيعة ممتدة تستدعي جهودا استثنائية.