الخبل المقدس
لا، ما كان لنا أن نتوجه لشخص الفقيه الشيعي الحاكم بولاية الفقيه ونعيبه لأنه لا يشرب الشاي بعد وجبة الغداء، أو لأنه يُكثر من الدجاج ولا يحبذ لحم الخراف، أو لكونه يُفرّق بين اولاده، ولا لأي سبب وتصرف وطبع شخصي. فالولي الفقيه يُنقد لأنه الولي الفقيه، وهو بوجه النقد والاعتراض والاحتجاج والطعن لأنه يقول بولاية شاملة تحكم كل نواح الحياة وتهيمن على كل الدولة وتتحكم بكل ما للناس من مصالح وعواطف وأفكار. ونحن نقول أن انسانًا واحد لا يمكن له حيازة كل الصفات الكمالية وبالتالي فلا قدسية لأي شخص مهما بلغ من علم، والولي الفقيه ليس بعالم لأن الفقه رأي والرأي لا يوفر العلوم الضرورية لدنيا البشر.
نعترض على ولاية الفقيه لأنها حكومة الفقه، والفقه ليس باختصاص دقيق يتناول جانبًا من الجوانب المهمة في حياة البشر، ولنفترض أن كل الأطباء أختفوا عن وجه الأرض غدًا عند الساعة السابعة صباحًا، ولنفترض بالمقابل أن كل الفقهاء اختفوا غدًا صباحًا في تمام الساعة السابعة، فأيها سيكون اختفاءه مؤثرًا وخطرًا على حياة الناس؟
أيهما سيكون اختفاءه مؤثرًا وخطرًا في حياة البشر؟
هل من جواب؟
بهذه العقلية العصرية تُقاس أهمية العلوم والتخصصات والمعارف والفلسفات وأشكال المنطق، فأنا أرى أن علم السياسة ليس بأهمية علم الاجتماع، وعلم الاجتماع يحتاج لعلم الأنساب الجيني، وأرى أن الفلسفة كانت نزعة عقلية تُعبّر عن احتياج الإنسان للتقنيات إذ انطلق يتفحص الطبيعة ونفسه والكون بغية اكتشافها ولم يكن يملك التقنيات الضرورية للاكتشاف، أي أن الفلسفة اندفاع عقلي بشري يُعبّر عن نقص في التطور التقني العلمي الذي يُمكّن الإنسان من اكتشاف جسده والطبيعة والكون فلما توفرت التقنيات أندفع الإنسان بآلات تقنية يستكشف اعماق البحار والكون وجسده ويجمع الاكتشافات، والفقه لا يفعل ذلك، الفقه لا يُعبّر عن اندفاع فلسفي، ولا هو علم مدعوم بتقنيات، والأنكى أن ولاية الفقيه طورت المجال الفقهي وربطته بالعقائد الشيعية وانشأت دولة ترفع عقيدة عجيبة؛ التمهيد لدولة رجل من نسل النبي محمد هو آخر حلقات التطور البشري!
سنختبر رؤويتنا:
إذا ما تتبعنا الخط الديني الذي بدأ بـ "وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً" مرورًا بـ"هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ" وينتهي بـ "اللّهُمَّ إِنَّا نَرْغَبُ إِلَيْكَ فِي دَوْلَةٍ كَريمَةٍ تُعِزُّ بـِها الإِسْلامَ وَأهْلَهُ" لن نمر بخط علمي بعينه. فالقرآن ودعاء الافتتاح المروي عن السيّد ابن طاووس بإسناده إلى أبي محمّد هارون بن موسى التلعكبري بإسناده إلى إمام الشيعة الصادق مجرد نصوص لا دلائل علمية تخصصية تدعمها موازية لها تركها لنا السلف للتأكد علميًا وبقوة التخصص من دعواهم، ورغم ذلك فالخلف يدعونا لقراءة هذه النصوص وعند الانتهاء من قراءتها يوجبون علينا أن نقول: وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين!
من هو ذاك الخليفة الأول الذي جعله رب القرآن في الأرض وجادلت الملائكة في شأنه، لا نعلم.
ما هي مميزات النبي الخارقة والتي جعلته سيد البشر، لا نعلم.
ما إمكانيات الإمام المهدي الخارقة وما هو شكل نظام حكمه الخارق ودولته الكاملة، لا ندري.
لِمَ لا يُعلِن الولي الفقيه عن المخفي من هذا الخط التطوري البشري المنصوص عليه دينيًا ويُقدِّم الأدلة العلمية الدامغة ليُسكت كل علماء الأرض ويُقيم الدليل التام؟!
إذن؛ وقبل أن يُقيم الولي الفقيه الدليل العلمي الدامغ والتام للبرهنة على مصاديق الخط التطوري البشري الديني ويُثبت بما لا يقبل الطعن والتشكيك وجود هذا الخط وأنه معجزة الله للبشر؛ لِمَ يُطالب ويدعو كل البشر لتصديق دعواه واعتناق إيمانه والاعتقاد بالنصوص التي يعتقد بها؟!
هل يحق لي أن أطرح عنوانًا لربما يكون جديدًا أصف به عقيدة الولي الفقيه، هو: الخبل المقدس...