"الدبلوماسي" المصرية تنفتح على هموم الكون

من الكورونا إلى التطرف ومن النزاعات المسلحة إلى تعثر مباحثات "سد النهضة" الإثيوبي.
إطلالة على العلاقة الحضارية بين مصر وفرنسا عبر"برج إيفل" و"كوبري دمياط الحديدي"
الوقوع في مستنقع خيانة الوطن يعد جريمة لا تسقط بالتقادم، ولا بالهروب والاحتماء خلف أبواق دعائية مغرضة معادية

مع صدور عدد جديد من مجلة "الدبلوماسي"، تتأكد الحاجة لمثل هذه الصحافة المتخصصة التي يمكن أن توفر زادًا للدبلوماسيين العرب وهم يتعاملون مع الأزمات الدولية والقضايا التي يمكن للدبلوماسية أن تلعب دورًا مهمًا لإبعادها عن ساحة المواجهة العسكرية، بل وتنبه إلى مخاطر الإرهاب وتبعاته السلبية على دول العالم ورعاياها.
وفي افتتاحية العدد الجديد المزدوج "292-293" من هذه المجلة، يتناول رئيس تحريرها السفير رضا الطايفي تحت عنوان "الاختيار.. دروس مستفادة" أهمية التفات الدراما التليفزيونية لمعالجة القضايا الشاغلة للمواطن العربي.
وفيها يتوقف أمام مسلسل "الاختيار"، الذي فرض نفسه بقوة وحاز أعلى نسبة مشاهدة من بين عشرات الأعمال الدرامية، ليس فقط بسبب الأداء المؤثر لأبطاله، بل لأنه يجسد ملحمة حقيقية لواحدة من مئات الملاحم البطولية لرجال القوات المسلحة المصرية ضد العناصر الإرهابية التكفيرية فى شمال سيناء، والذى وصلت الدراما فيه إلى ذروتها بالمقاومة البطولية من قِبل أبطال "كمين البرث" الواقع جنوب "مدينة رفح" بشمال سيناء فى مواجهة الهجوم الإرهابي الذي تعرضت له الكتيبة 103 صاعقة فجر يوم 7 يوليو/ تموز 2017.
وفي المقال يوضح السفير الطايفي كيف أن أحداث هذا المسلسل أكدت أن الوقوع في مستنقع خيانة الوطن يعد جريمة لا تسقط بالتقادم، ولا بالهروب والاحتماء خلف أبواق دعائية مغرضة معادية، وعلى من خان الوطن أن يتحمل نتيجة خيانته.
ويرى رئيس تحرير "الدبلوماسي" أن تناول المسلسل بعض ملامح فكر التطرف والإرهاب وتكفير الآخر، يعد قضية غاية في الخطورة أصبح من الضروري مواجهتها.
وذكر أن حجم التمويل الذي تتلقاه الجماعات الإرهابية، وما تمتلكه من أنواع الأسلحة الخفيفة والثقيلة، يفرض على المجتمع الدولي والمنظمات الدولية ضرورة وضع استراتيجية جماعية لمكافحة الإرهاب تكون قابلة للتنفيذ بما في ذلك فرض عقوبات رادعة ضد الدول التي تمول الإرهاب والتي تسمح بوجود قيادات وعناصر إرهابية على أراضيها والتي تروج لفتاوى وفكر التطرف في أبواقها الإعلامية، على أن تدعم في الوقت ذاته الدول التي تحارب الإرهاب الذي يسعى لنشر الفوضى واستنزاف موارد الدول بصورة تعيق، أو على الأقل، تحد من طموحاتها للتنمية.

مسلسل "الاختيار" يجسد ملحمة حقيقية لواحدة من مئات الملاحم البطولية لرجال القوات المسلحة المصرية ضد العناصر الإرهابية التكفيرية فى شمال سيناء

وفي ختام افتتاحية المجلة ذكر أن مكافحة الإرهاب أصبحت تقتضي توجيه ضربات استباقية ضد من يقف مع الإرهاب، أو يأوي عناصره ويموله، أيًا من كان، وأينما كان في الداخل أو حتى خارج الحدود، وهو ما يحتاج إلى دعم لوجيستي وتوفير المعلومات الدقيقة.
وعلى سبيل الثوثيق تنشر "الدبلوماسي" كلمة وزير الخارجية المصري سامح شكري التي ألقاها أمام مجلس الأمن قبل أيام حول أزمة سد النهضة الإثيوبي.
و"تشكيل حكومة عراقية جديدة في ظروف صعبة" موضوع مقال السفير رخا أحمد حسن، الذي يقول إن تشكيل الحكومة العراقية الجديدة استغرق نحو خمسة أشهر من التنازع والاختلاف بين الكتل السياسية العراقية المختلفة وبعضها البعض من ناحية، وبين هذه الكتل السياسية والحراك الجماهيري في الشارع العراقي من ناحية أخرى، والاختلاف مرات على الأشخاص المرشحين سواء لرئاسة الحكومة أو المناصب الوزارية، ووصل حد الاختلاف على مدى صلاحيات رئيس الجمهورية لترشيح من يتولى رئاسة الحكومة على اعتبار أن المنصب يختص به البيت الشيعي وله الكلمة في الاختيار، بل لم يسلم البيت الشيعي نفسه من الاختلاف حول الاختيار.
وتحت عنوان "عام الكورونا وما بعده" كتب السفير الفاروق شلباية: "جاء طاعون الكورونا منذ بدايته (خاصة بداية عام 2020) متوحشًا منتشرًا، وبسرعة فائقة استشرى في كافة أرجاء الكرة الأرضية مسببًا الذعر لكافة أفراد الجنس البشري". وحاول الكاتب تأمل أحوال العالم في ظل هذه الجائحة التي وقَّعت بالحروف الأولى من اسمها على جدار هذا العام الحزين الذي لا يزال ينتظر المنقذ.
وعن "إفريقيا والتصدي لجائحة كورونا وتداعياتها في الإطار الدولي" يكتب السفير الدكتور صلاح حليمة: "لقد فوجئ العالم في مطلع 2020 بجائحة مهلكة غير منظورة، سميت بكورونا أو "كوفيد 19"، وتقدير أنها ولدت من رحم فيروس سابق طوَّر نفسه هو "سارس". فكانت مهمتها قتل البشر، وتدمير إقتصاديات الدول، وقهر الشعوب والمجتمعات. 
بينما تساءل السفير دكتور يوسف الشرقاوي في مقاله عن كورونا والحرب الباردة الأميركية الصينية ومتى ستنتهى، ثم قال إن النظام الدولي دخل مرحلة جديدة مفادها تخفيف قيود العزل الصحي والتعايش مع جائحة كورونا المستجد الممتدة في جميع دول العالم مع اتخاذ الإجراءات الوقائية والاحترازية اللازمة في كافة ربوع العالم، وفقًا لرؤية منظمة الصحة العالمية والأنظمة الوطنية لمقاومة ذلك العدو الخفي الخبيث وسط جدل عن حرب جرثومية وخلافات حول منشأ ذلك العدو الخفي وسبل تسريبه.
وعن دبلوماسية مساعدات الصحة العامة فى زمن كوفيد 19 كتب السفير الدكتور عزت سعد موضحًا أنه منذ مارس/آذار الماضي، ومع بدء نجاح الصين في السيطرة على وباء كورونا المستجد واحتوائه، بدأت بكين حملة واسعة لتقديم معونات إغاثة ومساعدات لمختلف دول العالم، استخدمت فيها - ولأول مرة - قواتها المسلحة التي نقلت معدات خارج الحدود لنحو 20 بلدًا على الأقل من مجموع أكثر من 170 دولة وخمس منظمات حصلت على مساعدات صينية من مختلف مناطق العالم، في ظل تغطية إعلامية مكثفة في الداخل والخارج.
في حين رصد السفير هشام الزميتي الخسائر الاقتصادية التي لحقت بمجالات الثقافة والفنون والرياضة بسبب انتشار جائحة "كوفيد 19" وكيف نجحت مبادرة "خليك في البيت، الثقافة بين إيديك" التي أطلقتها وزارة الثقافة المصرية في التواصل الإيجابي مع الجماهير المضطرة للبقاء في منازلها، وذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، إذ بثت على قناة خاصة دشنتها على اليوتيوب عروضًا فنية راقية حازت على الإعجاب.
وفي "بانوراما إفريقيا"، يتناول السفير عبدالفتاح عز الدين احتفال "الاتحاد الإفريقي" يوم 25 مايو/آيار من كل عام بيوم تأسيس "منظمة الوحدة الإفريقية" عام 1963، مشيرًا إلى أن إفريقيا والعالم يمران هذا العام بمشكلات كبيرة على رأسها الإرهاب والأوبئة.

وعن "كنز القارة السمراء" كتبت ميسا جيوسي مشيرة إلى أن الدول الإفريقية تحتفل في الخامس والعشرين من مايو/آيار من كل عام بيوم إفريقيا الذى يعود تاريخ بدء الاحتفاء به للعام 1963.
والآن وبعد مضي ما يقرب من ستين عامًا على هذه الاحتفالية المهمة، نقف لنلقى نظرة متفحصة على مكون رئيس، لا بل مفصلى من أركان القارة السمراء، ألا وهو المرأة. ومن البديهى، رؤية المرأة الأفريقية تشاطر نظيراتها من نساء الكون تحديات لا زلن جميعًا تحاولن تذليلها والتعامل معها فى مجالات الحياة المختلفة.

وعن "بصمة الحضارة المصرية في العالم" يُذَكِر الدكتور هانئ محمود النقراشي بالحضارة المصرية التي نشأت في زمن غابر يقدره بعض الخبراء بأنه يرجع إلى أكثر من عشرة آلاف عام، فكان مبتكرو هذه الحضارة هم أول من وجه شعوب العالم إلى ضرورة إعمال العقل والتفكير المنطقي لإيجاد الحلول المناسبة التي تتيح لهم التغلب على تحديات المعيشة، ومن البديهي أنه مع مرور الزمن تتحول هذه الحلول إلى شيء معتاد يلجأ إليه كل من يبحث عن حل لمشكلة تقابله في حياته اليومية، دون أن يسأل نفسه: من كان الرائد الذي هداني إلى هذا الحل؟
وفي مقاله "مصر وتطورات النظام العالمي من الثنائية إلى التعددية القطبية" يذكر السفير الدكتور السيد أمين شلبي أن مصر باعتبار موضعها الإستراتيجي، ومنذ تاريخها، لم تكن بمعزل عن طبيعة النظام الدولي وعلاقات القوى وتنافساتها الاستعمارية، ويبدو هذا من إدراك القوى الكبرى لمشروع "محمد علي" في مصر والنهضة الكبرى والشاملة التي حققها، وامتداد جيوشه بقيادة ابنه إبراهيم باشا إلى "الأناضول". وهو الوضع الذي تكالبت عليه القوى الكبرى في ذلك الوقت، وفرضت عليه اتفاقية عام 1840، هذه الاتفاقية التي حدت من عدد الجيش المصري، وجعلت إرثه لأبنائه لمصر فقط دون باقى أجزاء الإمبراطورية التي بناها، وتسليم الأسطول إلى تركيا.
وهذه شهادة حول "فضل الألف كتاب"، يحررها السفير جمال الدين البيومي في حق مشروع ثقافي نبيل "مشروع الألف كتاب" وقد أتاح لجيله في النصف الثانى من خمسينيات القرن العشرين، ثروة من الكتب الراقية المترجمة التي وفَّرت غذاءً للعقول، ومتعة للقلوب، عندما أتاحت مئات التراجم في مجالات متنوعة. ومن خلالها قرأ كاتب المقال مسرحيات جورج  برنارد شو، وغيرها من أعمال مشاهير كتاب المسرح العالمي.
بينما يتساءل المستشار رجائي عطية: "هل يمكن للاقتصاد أن يغدق فقرًا؟"؛ وهو تساؤل مستوحى من عنوان كتاب اقتصادى بالغ العمق والأهمية، كتبه هورست أفهيلد، أحد كبار العلماء الاقتصاديين الألمان، وترجمه إلى العربية الدكتور عدنان عباس علي، الحاصل على الدكتوراه في الاقتصاد من جامعتي: فرانكفورت ودارمشتات، وقد نشرت الترجمة ضمن سلسلة "عالم المعرفة" الكويتية.
وينفرد السفير الدكتور هادى التونسي بواحة وارفة يتأمل فيها شخصية تنويرية رائدة هي مي زيادة، متسائلًا: هل يمكن لشخصية مثالية رومانسية صافية أن تعيش سعيدة ناجحة في عالم الواقع، حتى وإن كانت نابغة؟ وهل يمكن أن تكون علاقات نادرة آمنة وعميقة وهوايات محبوبة مأوى لتلك الشخصية تعوضها عن عالم رمادي يمور بعلاقات ملتبسة بخيرها وشرها؟
ويحفل هذا العدد الثري المزدوج من مجلة "الدبلوماسي بعديد من المقالات التي تضيق المساحة عن التعريف بها، ومن أهمها مقال ممتع لشيخ الدبلوماسية المصرية السفير عبدلرؤوف الريدي الذي نتعرف منه على تاريخ صرح ثقافي كان له الفضل في تأسيسه في مسقط رأسه؛ وأقصد به "مكتبة مصر العامة" بدمياط، فيقول: "لم يكن ممكنًا أن يذهب خيالنا ونحن نسير أيام الشباب على كوبري دمياط المعدني، متنقلين بين ضفتى النيل، أن هذا الكوبري سينتقل عائمًا فى يوم من الأيام ليرسو على بعد نحو مائة متر قبالة مكتبة مصر العامة بدمياط، ثم يأتي رئيس الجمهورية ليدشن هذا الموقع ويعقد به اجتماعًا يضم كبار رجال الدولة وأعيان دمياط، وليصبح هذا الكوبري جسرًا بين حضارة أوروبا التي صنعت الكوبري (وقت تشييد برج معدنى يسمى برج إيفل) ليقام على ضفاف نهر السين بباريس، وحضارة مصر التي أعادت توظيف الكوبري المصري في لحظة عبقرية من تاريخ المحروسة.