الراب يتصدر شارات المسلسلات التونسية في سابقة فنية

جنجون وسولكينغ وسانفارا وكلاي بي بي جي ونوردو يغنون في مشهد غير مألوف شارات أغلب المسلسلات الرمضانية، والراب في تونس يزيح الفن الطربي عن عليائه.

فرض فن الراب نفسه في المشهد الفني التونسي واستطاع ان يزيح الموسيقى الوتيرة عن عرشها وينزلها من عليائها ليحتل الصدارة في مجتمع يتخبط في أزمات اجتماعية ومشاكل اقتصادية ويعاني من صراع خفي تارة وعلني تارة اخرى بين الاحزاب السياسية المنشغلة بتحقيق مصالح ضيقة.
وتفجر فن الراب في السنوات الاخيرة وخرج من اطاره الضيق الذي كان تأثيره يقتصر على مجموعة من الشباب المتمردين على الواقع ليصبح نبض الشارع وصوته بما انه ينقل بلغة بسيطة وعامية مشاكل جزء كبير من الشعب التونسي.
وتصدر الراب المشهد الموسيقي في تونس في غفلة من الفن الكلاسيكي الذي خفت وهجه وبريقه، واكتسح "الفن الثائر" أغلب الحفلات الفنية والسهرات الخاصة ومنصات التواصل الاجتماعي لينجح في مشهد غير مألوف في غزو الدراما التونسية سواء عبر دخول نجومه في عالم التمثيل او قيامهم بغناء شارات مسلسلات رمضانية.

ويعتبر بلطي والجنرال وكافون وكلاي بيبيجي وكاسترو من الأسماء المؤسسة لفن الراب في تونس وقد ظهرت اسماء اخرى من بينها علاء وسانفرا وسمارا وجنجون ونوردو لتضيف حيوية وديناميكة اكثر لموسيقى كانت منبوذة وتحمل "وصمة عار" لارتباطها الوثيق بمواضيع تتعلق بالإجرام والمخدرات والبلطجة والسجن. 
واستفاد مغنّو الراب في تونس من مناخ حرية التعبير فتفتقت قرائحهم بموسيقى العصر، كما استغلوا تطور وسائل التواصل الاجتماعي للانتشار بسرعة قياسية جعلتهم يترفعون في بعض الاحيان عن الحضور في برامج تلفزيونية لا تحقق لهم الشهرة والإضافة مثل فنان الراب التونسي ذائع الصيت "بلطي" الذي زهد في استوديوهات التلفزيون بعد ان تمكن من غزو العالم العربي بأغنيته الشهيرة "يا ليلي" التي حققت مئات الملايين من المشاهدات على منصات التواصل وتطبيقات الموسيقى الرقمية في سابقة فنية في هذا المجال.
وتعزف شركات الإنتاج المحدودة التي شارفت على الاندثار في تونس على تبني الأغاني الوترية والطربية لتكاليفها الباهظة وقلة عشاقها ومريديها، في حين لا تكلف أغنية الراب صاحبها كثيراً من الأموال اذ انه بوسعه نشر أغنية غلى مواقع التواصل او انشاء قنوات خاصة له على فيسبوك وتويتر مثلا ليحقق نسبة مشاهدة عالية في وقت وجيز.
وتحولت موازين القوة في عالم فني متغير الى الراب في حين تراجعت الاغاني الوترية والكلاسيكية الى الوراء واستنجدت فيه الاغاني الشعبية في كثير من الاحيان بالراب لضمان بقائها واستمراريتها. 
وقد خفت بريق الفن الطربي في تونس بعد مقتل النجمة العربية ذكرى وتركيز نجوم الصف الأول في تونس على غرار لطيفة عرفاوي وصابر الرباعي على الغناء في "هوليوود الشرق" والخليج أو لبنان واكتفاء كل من الديفا أمينة فاخت والمطربة صوفيا صادق بالغناء في المهرجانات التونسية الدولية دون إنتاج اغان جديدة.
ولم تتمكن الاصوات الطربية الشابة والواعدة رغم المامها بمقامات الفن وأصوله وأنواعه وامتلاكها لأصوات جوهرية من تعبئة الفراغ في ظل خشية أغلبهم من خوض مغامرة انتاج اعمال جديدة واكتفائهم باعادة اغنيات عمالقة الفن الطربي.
على الجانب الاخر تمكن الراب من اعتلاء الصدراة في المشهد التونسي لانه يترجم بالفن قضايا اجتماعية حارقة مثل الفقر والتهميش والهجرة غير الشرعية واستهلاك المخدرات وأصبح الموضة الفنية الرائجة حيث تسابقت الاعمال الرمضانية على استقطاب نجومه لغناء مقدّمات المسلسلات او المشاركة في التمثيل في سابقة فنية. 
وقد أدّى مغنّي الراب "جنجون" جينيريك مسلسل "الفوندو" المعروض على قناة الحوار "التونسي" بالاشتراك مع العازف مهدي المولهي، لتتجاوز عدد مشاهدات الأغنية على اليوتيوب ملايين المشاهدات.

 ويعدّ جنجون واحدًا من أكثر حاصدي المشاهدات مؤخّرًا على اليوتيوب بعد نجاح أغنيته "حيالة" التي تجاوزت 41 مليون مشاهدة.
وغنى الفنان الكبير لطفي بوشناق رفقة فنان الراب علاء A.L.A جينيرك السلسلة الكوميدية "كان يا ما كانش" المعروضة على قناة "الوطنية".
 وقد أدّى فنان الراب الجزائري سولكينغ شارة مسلسل "المليونير" المعروض على قناتي "النهار" الجزائرية و"حنبعل التونسية"، وكان من نصيب فنان الراب التونسي سانفارا غناء شارة النهاية.
واختار مسلسل "الجاسوس" المعروض على قناة "التاسعة" الخاصة مغنّي الراب كلاي بي بي جي ليؤدّي شارة العمل بصوته رفقة بطل العمل الممثل الكوميدي لطفي العبدلي. 
ونجح فنان الراب الشاب نوردو في لفت الانظار اليه بعد خوضه تجربة التمثيل في مسلسل "الفوندو"، كما قام بغناء شارة السلسلة الكوميدية "ابن خلدون".
وجذبت أغاني نوردو خصوصًا "عربوش" و"يا دنيا" في المدة الاخيرة الكبار والصغار على حد السواء بتحقيقها أكثر من 130 مليون مشاهدة على اليوتيوب.  
واقتحم فنان الراب كافون تجربة جديدة في عالم التمثيل من خلال مسلسل "كان يا مكانش" ولعب دور "حبق" واضطر الى اقتلاع أسنانه حتى يتناسب مظهره مع الشخصية التي يقدمها.
ويرى نقاد فنيون أن الراب أحدث ثورة على الموروث الموسيقي الكلاسيكي، وبات منافسا جديا للأنماط التقليدية المعروفة في الغناء رغم محدودية الإمكانيات المادية لهؤلاء المغنين الذين ينحدر معظمهم من الأحياء الشعبية والفقيرة.
وفي حين تتسابق الاجيال الجديدة على حفظ اغاني الراب وإجادة حركات نجومه وتقليد ملابسهم العصرية والتي تبدو غريبة وخارجة عن المألوف في كثير من الاحيان، يحذر المختصون في مجال الفن من اندثار الهوية الفنية التونسية وجمود الارث الموسيقي الطربي ومرواحته مكانه في ظل غياب أسماء ترفع المشعل وتكمل طريق الفن "الراقي" المداعب للقلوب والأحاسيس المرهفة والبعيد عن ضوضاء الحياة وصخبها.