الشعب في خدمتهم، وهم في خدمة مصالحهم

لا يمكن للسياسيين العراقيين تحقيق قطيعة مع ماضي احتكار السلطة عبر امعانهم في احتكار الفساد.

رؤساؤنا، ووزارؤنا، ونوابنا، ومسؤولينا الكبار، كلهم – وبلا إستثناء- أتوا من قعر القاع، وكلهم وبلا إستثناء فقراء مدقعون، لا يملكون شروى نقير، وهم عرضة للمبتزين، والفاسدين وقطاع الطرق، ولا يمكن أن يواجهوا مصيرهم حفاة عراة، لذا قرر نظامنا الموقر، النظام الديمقراطي العادل، ولغرض حماية كرامة العراق والعراقيين قررت القيادة الآتية من وراء البحار:

1- تخصيص قصور الدولة سكناً للقادة الذين هم فقراء الحال، وبلا دار سكن، على أن يتمتعوا بها هم وعوائلهم، ومن إنتسب لهم، طيلة مدة تحملهم ثقل المسؤلية، وما بعد إنقضاء خدمتهم، وحيث أن القصور لا تكفي لإسكان القادة الذين يتكاثرون تكاثر الجراد، فقد تقرر منح مخصصات سكن لمن لم يتسن لهم الحصول على قصر أو مربع أمني، ومن أجل تحقيق العدالة، فقد تقرر أن لا يزيد بدل السكن عن أربعة أمثال الراتب الشهري للأستاذ "مربي الأجيال".

2- ولأنهم فقراء الحال لا يملكون سيارة خاصة يمكنهم ان يستعملوها لقضاء حاجياتهم لذا تقرر تخصيص عدد من الجيسكارات، يتناسب مع حجم المسؤولية الملقاة على عاتقهم، على أن تتكفل الدولة بنفقات السواق، والصيانة والوقود، ومن أجل كرامة العراق، والوظيف الحكومي فقد قررنا قطع الطرق عند مرور موكب المسؤول.

3- ولأنهم بلا حول ولا قوة، وبلا عزوة، أو حزب، أو تنظيم يحميهم، وكيلا يصبحوا عرضة للتحرش أو الإختطاف، أو إبتزاز الفاسدين في الأرض، فقد تقرر تخصيص حماية يتناسب حجمها مع حجم المسؤولية، على أن تجهز الحماية بأحدث الأسلحة وأفضل السيارات المصفحة، ولا بأس أن تكون الحمايات من إخوان وأقارب المسؤول، فهم أحرص على لحمهم من الأغراب، ويمنح المسؤول ميزانية يصرفها هو على من يختارهم لحمايته، أما نفقات الحماية الأخرى، من أسلحة وذخيرة ووقود فتتكفل الدولة بها حصراً.

4- وحيث أن المسؤل بمختلف مواقعه يحتاج إلى التواصل مع الناس، ويحتاج أحياناً إلى تمشية بعض إمورهم، وبالأخص المادية، فقد تقرر تخصيص بضعة ملايين من الدولارات شهرياً، كمنافع أو خدمات يصرفها وفق مشيئته، ومن دون تقديم فواتير حفاظاً على كرامة المستفيدين منها، وهم غالباً من المتعففين، ثم أن أغلبية المسؤولين هم من الذين حرمهم النظام الديكتاتوري البائد من التواصل مع الناس، لذا فإن إطلاق يد المسؤول في الصرف سيجلب له العديد من المريدين والمؤيدين، وبالتالي يتمكن من خلق قاعدة إنتخابية له، تجعله يعود كل مرة إلى المناصب القيادية، من دون أن يفارق مصدر القرار، وبهذا تتم الديمومة والإستمراية للنظام الديمقراطي، الحر، الأبي، المستقل.

5- وحيث أن تطبيق الديمقراطية في نظام تعود على الأنظمة الديكتاتورية سيتعرض لهزات، وربما لغضب بعض قصيري النظر، والذين لا يستطيعون إدراك الإمور على حقيقتها، مما يدفعهم للتعبير عن الغضب بهذا الشكل أو ذاك، لذا تقرر مصادرة الإحتجاجات والغضب، وجعلها تحت السيطرة بحيث تكون تحت هيمنة وإشراف القوى السياسية ذاتها، فعلى الكل أن يكون معارضة وحكم في آن واحد، ضد الفساد وفاسد في نفس الوقت، ضد إهدار المال العام وممن يهدرونه بلا حساب، مع أميركا وضدها، مع إيران وضدها، يغازل السعودية والخليج وضدهما.

6- وحيث إننا وضعناكم قادة للعراق، فمهمتكم التي ينبغي أن لا تنسونها هي الإنفاق، لا تسألوا ما جدوى الإنفاق، فالشعب الذي عانى الحصار وظلم الديكتاتورية التي حرمته من كل شيء، عليكم أن توفروا له كل شيء، كل ما ينتجه الآخرون، ولا تخدعكم السياسة الإحمائية فما هي سوى عودة للنظم الشمولية، دعوا الحرية الكاملة للسوق، حتى إذا إقتضى الأمر غلق مصانعكم، المهم توفير البضاعة الرخيصة للمشتري، ولا يهم مصدرها، وحتى نوعها. إقتصاد السوق عملية صعبة، ومكلفة، لكنه في نهاية المطاف سيمنح الناس ما يحتاجونه.

ولأجل هذا عليكم، عملياً تسخيف ما اعتاد الناس على سماعة، كالوطنية، والإستقلال والسيادة الوطنية، والتنمية، والقطاع العام، وحتى المختلط، ولا تنسوا التشكيك بالقضية المركزية التي كانت وسيلة الديكتاتوريات في الهيمنة على مقدرات الشعب، فلا قضية مركزية ومقدسة سوى مصالحكم، وتطمين هذه المصالح.

الطريق إلى الأقصاد الحر، صعب ووعر، فقد عودت الأنظمة الشمولية الناس على الإتكال بحجة أن نفط الشعب للشعب، في حين أن النفط مصلحة كونية، لكل شعوب الأرض، فأنت لا تستخرج النفط لتشربه، بل لتبيعه لمن يحتاج إليه، ومن يشتري النفط منك يبيعك المنتجات التي تحتاجها، وعليكم تسهيل مهمة التبادل هذه، وجعلها سهلة، مرنة، ميسرة، ولا يتم هذا إلا بالقطيعة مع قيم الماضي الخاطئة والكاذبة، والمختلقة، وبالأخص قوانينه الاقتصادية.

7- إذا تميزت ميزانيتكم بالعجز، والتي ينبغي أن تكون تشغيلية في المراحل الأولى، كي لا يكون العجز ثقيلاً، فإننا سنوعز لبنك الإعمار الدولي بسد العجز، بفوائد ميسرة، وشروط هي في مصلحة البلد بالمقام الأول، تلك الشروط تعود الناس على الإعتماد على أنفسهم وترك الإتكالية، فالدولة ليست مؤسسة خيرية توزع المكاسب بالمجان، لا دعم للغذاء والدواء، ولا دراسة مجانية، ولا طب مجاني، ولا دعم للمنتج الوطني، فهؤلاء التنابلة "الصناعيون المحليون" يسرقون الشعب، ثم يقدمون له بضاعة رديئة.

ستتحولون، مثلما حدث لغيركم، إلى دولة تستقطب الأجانب، سنوزع المجمعات السياحية في طول البلد وعرضها، لكن هذا يستوجب قوانين إستثمار تطمن المستثمر الأجنبي، فرأس المال جبان، وهو لا يغامر، وعليكم فتح الطريق أمامه، وكلما توسعت الأنشطة الاقتصادية المعروضة على الإستثمار كلما كان هذا أحسن وأنجح، وأكثر جذبا للمستثمر.

كل هذا يستوجب القطيعة مع الماضي، وقطع جذور التخلف، والإنفتاح على العالم، كل العالم، بلا إستثناء، إنغمسوا فيما يرضي الناس من ممارسات، كونوا في الصدارة، كي يشعروا بأنكم منهم، ولكن إعملوا لتحقيق ما ذكر إعلاه، وعندها سيبدأ عصر جديد لكم ولبلدكم..

تصبحون قدوة، ويصبح العراق إنموذج العهد الأميركي الجديد.