'العاصوف' يجتث الفكر الهدام في حادثة الحرم المكي 1979

الجزء الثاني من المسلسل السعودي للنجم ناصر القصبي يسلط الضوء على معركة تطهير الحرم المقدس من جماعة جهيمان العتيبي.

الرياض - استرجع الجزء الثاني من المسلسل السعودي "العاصوف" لنجم التلفزيون والمسرح ناصر القصبي والمعروف بقيامه ببطولة أدوار جريئة تحمل قضايا هامة ومفصلية حادثة الحرم المكي التي وقعت في العام 1979 وهزت العالم الإسلامي وقتها.
والعمل الجديد بطولة ناصر القصبي، الذي اشتهر في "طاش ما طاش" وبعدها في "سيلفي".
وناصر القصبي معروف بانتقاده للتيارات الدينية المتشددة.
ومسلسل "العاصوف" من تأليف الكاتب السعودي الراحل عبدالرحمن الوايلي وإخراج السوري المثنى صبح، وبطولة كوكبة من نجوم الفن السعودي، مثل ريم عبدالله وعبدالله السناني وحبيب الحبيب.
ويتطرق المسلسل في الجزء الثاني الى التحولات الاجتماعية والاقتصادية التي طرأت على المجتمع السعودي.
ويتحدث "العاصوف" عن حقبة مفصلية في تاريخ السعودية، وسطوة رجال الدين على الحياة الاجتماعية في البلاد.
وتدور أحداث الجزء الثاني في فترة الثمانينيات بعدما انتقلت عائلات من بيوت الطين والطراز العربي إلى منازل الإسمنت والعمران الحديثة.
ويعرض المسلسل في الجزء الثاني قصة اقتحام جماعة جهيمان العتيبي للحرم المكي، وإرهاصات ما عرف بـ"الصحوة"، ودور التنظيمات المتطرفة في تأزيم حياة المجتمع السعودي، وتحريف تعاليم دينه. 
ووقعت حادثة اقتحام الحرم المكي يوم 20  نوفمبر/تشرين الثاني 1979 إذ اقتحم نحو 200 رجل يقودهم جهيمان العتيبي ومحمد القحطاني المنتميان للجماعة السلفية المحتسبة، الحرم المكي فجرًا وسيطروا عليه بقوة السلاح، معلنين عن ظهور "المهدي المنتظر".
ودخلوا إلى الحرم واصطحبوا معهم أسلحة فردية في نُعوش أتوا بها بذريعة الصلاة على الموتى.
ونجحت السلطات السعودية، بعد نحو أسبوعين في السيطرة على الوضع في الحرم الذي احتجز فيه آلاف المصلين، لتنتهي الواقعة الأليمة والمفجعة في تاريخ المملكة بسقوط قتلى ومصابين في صفوف رجال الأمن والمصلين ولكن أيضا بمقتل غالبية المهاجمين والقبض على الباقين منهم ومن ثم إعدامهم.
وكتب القائمون على المسلسل في الملصقة الدعائية للعمل "احتلوا الكعبة المشرفة مُتخذين دعاية دينية لأسباب سياسية، كما هي عادة المستبدين".
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي بالسعودية، نقاشات واسعة في أعقاب بث حلقات المسلسل الخاصة باقتحام الحرم، وتم تداول صور ومقاطع فيديو وتسجيلات صوتية توثق تفاصيل الاقتحام ومن شاركوا فيه، بجانب صور فندق يعد شاهدًا على تلك الحادثة الدامية.
واستغرب العديد من الأردنيين عدم ذكر الراحل اللواء الركن بالجيش الأردني، أحمد علاء الدين أرسلان الشيشاني، والذي طالما ارتبط اسمه ببطولة "تحرير الحرم المكي" 

وأكد متابعون بأن الدور الأردني في حادثة حصار الكعبة يجب أن لا يُهمش تاريخياً، خصوصاً بأن المسلسل السعودي  يحظى بنسبة مشاهدات عالية بين الدول العربية.
وكتبت الناشطة هيا الدعجة على تويتر مرفقة مع التغريدة صورة اللواء أحمد علاء الدين: "وإن أنكروا.. يبقى الأردن مصنعاً للرجال".
وكتب الناشط محمد شطناوي: "لماذا تم تغييب دور الأردن والقوات المسلحة الأردنية والقائد البطل أحمد علاء الدين (محرر الحرم) من سرد تاريخ حادثة الحرم المكي".
وأحمد علاء الدين أرسلان توفي في 2014، حصل على رتبة اللواء في الجيش الأردني، وكان الضابط الوحيد الذي نال "وسام الإقدام العسكري" مرتين، واشتهر بالرد على الهجوم الإرهابي الذي وقع على فندق عمان إنتركونتيننتال.
وقام علاء الدين بتحرير رهائن في الفندق عام 1976 عندما اقتحم مدخنة مطبخ الفندق وقتل محتجزيهم.
وشغل الجنرال مناصب عدة منها قائد القوات الخاصة والمفتش العام للقوات المسلحة الأردنية وعمل مساعدا لرئيس هيئة الأركان الاردنية.
وتوفي علاء الدين وهو في طريقه لتلقي العلاج الطبي في ألمانيا. 
وغرد محمد زعاترة: "نطالب الإعلام الأردني بتوثيق بسالة الجيش الأردني في حادثة تحرير الحرم المكي الشريف 1980 للرد على مخرج ومنتج مسلسل العاصوف وإعطاء الأردن حقه.
ونشرت صحيفة "سرايا" الالكترونية الاردنية تقريراً بعنوان "ضجة بعد تجاهل مسلسل العاصوف لدور اللواء الشيشاني".
في حين اعتبر البعض الآخر إن القوات الخاصة الأردنية لم تشارك بتحرير الحرم عام 1979.
ونقل موقع "عمون" الأردني عن رئيس الديوان الملكي الأسبق، ووزير الإعلام في تلك الفترة، عدنان أبوعودة، قوله إن القوات الأردنية لم تشارك في العملية إطلاقا.

وجذب المسلسل الذي يستقطب نسب مشاهدة كبيرة في السعودية والعالم العربي، جيلًا من السعوديين لم يعايش تلك المرحلة، ويجهل الكثير من تفاصيلها، بما في ذلك إنشاء فندق يحمل اسم فندق "الشهداء" في إشارة إلى من لقوا حتفهم في حادثة الاقتحام المروعة.
وكانت السلطات السعودية قد أنشأت وقفًا خيريًا بعد حادثة الاعتداء باسم "مؤسسة شهداء الحرم" وقام القائمون عليها بشراء أرض قريبة من الحرم وبناء الفندق تكريمًا لشهداء الحادثة الإرهابية.
وحظي فندق "الشهداء" بشعبية وزيادة في الحجوزات بعد ورود اسمه في حلقات المسلسل.
وتناول الجزء الأول من "العاصوف" الذي عرض في شهر رمضان الماضي التغيرات الاجتماعية والدينية والفكرية التي طرأت على مدينة الرياض خلال خمسة عقود من الزمان. 
وتحدث المسلسل في جزئه الأول عن حقبة مفصلية في تاريخ السعودية، وهي حقبة ظهر في نهايتها نشاط لافت للتيار الديني في ما يعرف بالصحوة الدينية التي فرضت سطوة لرجال الدين على الحياة في البلاد.
وتمكن "العاصوف" ومعناه الرياح القوية والشديدة من شد انتباه الجمهور العربي لمراهنته على مواضيع جادة ولضمة نخبة التمثيل في السعودية على غرار ناصر القصبي.
وناصر القصبي يعتبر من أهم ممثلي الكوميديا في الخليج والوطن العربي.
وخلع القصبي في "العاصوف" عباءة الكوميديا التي تألق فيها في مسلسله السابق "سيلفي" الذي عرض في رمضان 2016.
وتعرض بطل "سيلفي" وقتها الى تهديدات بالقتل في عهد تنظيم الدولة الاسلامية.
وكان أعضاء من تنظيم الدولة الاسلامية هددوا الفنان السعودي بقطع رأسه، وتعرض حسابه لسيل من التهديدات والشتائم على خلفية انتقاده للتنظيم الارهابي.
وظفر العمل الفني الضخم بعلامات الاعجاب والاستحسان وتم وصفه بأنه جزء من جهود الإصلاح في السعودية خاصة الإصلاح الديني لكنه نال أيضا انتقادات كثيرة وهاجم نقاد بعض مشاهده بسبب تناوله مواضيع جريئة وصادمة وغير مألوفة في الدراما السعودية كالبغاء والخيانة الزوجية.

وطالب البعض من مناصري الأفكار المتشددة بمقاطعة مشاهدة العمل حتى قبل عرضه.
وظهر على تويتر هاشتاغ #قاطعوا_عاصوف_MBC. واتهم مغردون المتطرفين بالوقوف وراء الهاشتاغ لأنه يعري فكرهم الظلامي والضبابي.
وغرد أحدهم هاشتاغ #قاطعوا_عاصوف_MBC أكيد وراءه تيار الصحوة الإرهابي المجرم… لأن هذا العام #العاصوف يتكلم عن الحادثة الإرهابية الخبيثة (حادثة الحرم) التي قامت بها مجموعة من الإرهابيين وهي بداية الفكر الصحوي التخريبي.
وغرد ناشط أخر #قاطعوا_عاصوف_MBC وش عندهم الصحويين (ما الذي عند الصحويين)؟ ربما يخشون أن يعرف جيل اليوم بدايات صحوتهم التي يتبرأون منها اليوم!
لكن العديد من الكتاب والنقاد السعوديين اصطفوا للدفاع عن العمل الفني.
واعتبر الصحافي فاضل العماني أن "ما أحدثه هذا العمل الدرامي من تموجات وجدالات وصراعات، منذ حلقاته الأولى، بين مختلف شرائح وفئات وتعبيرات المجتمع السعودي، يتناغم مع متطلبات المرحلة الجديدة التي يمر بها الوطن الذي يشهد تحولاً هائلاً في كل التفاصيل وعلى كل المستويات".
وأضاف العماني "كثيرة وكبيرة، هي الأصداء والرؤى حول هذا المسلسل العاصف، ولكنها رغم حدتها تُمثّل نقلة نوعية في فكر ومزاج هذا المجتمع الذي يخرج من صندوقه المغلق لعدة عقود".
وكتب الصحافي سطام المقرن "لقد حرّك "العاصوف" المياه الراكدة، وحرّك الجمود الفكري تجاه المشاكل والقضايا الاجتماعية الغامضة والمجهولة".
وأشاد متابعون بالمسلسل وتصميمه على اجتثاث الفكر التكفيري والهدام.
وتعرف السعودية انفتاحا غير مسبوق على الصعيد الاجتماعي ترجم عبر عدة قوانين لعل أبرزها القانون الذي سمح للمرأة بقيادة السيارة.