'العربي' تطرح سؤال هل يمكن للمرء أن يقاوم دون لجوء إلى العنف؟
أشار الشاعر الدكتور علاء عبدالهادي، الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب في افتتاحية العدد الجديد من دورية "الكاتب العربي" التي يرأس تحريرها إلى أن الاتحاد يواصل إصدار دوريته الفصلية "الكاتب العربي" بانتظام، ويستمر في طرح ملف القصة القصيرة في الوطن العربي بوصفها نوعًا أدبيًّا مهمًّا في عصر السرعة المعلوماتية وتفشي آليات التلقي السريع والمباشر الذي يرجع إلى شيوع استخدام الكمبيوتر ووسائط التواصل الاجتماعي الذي يتسم محتواها بالقصر، والمباشرة.
وأشار إلى أنه كان قد استحدث بابًا جديدًا في نهاية كل عدد يهتم بالترجمة، وتحديد المفهومات على نحو دقيق، ومن ذلك حصر العديد من أنواع القصة القصيرة في العالم والتعريف بها، وقد قدمت هذا الباب المترجمة وأستاذة الأدب الإنجليزي أحلام عثمان التي تستكمل في هذا العدد طرح الأنواع الشعرية المختلفة وتنوعاتها من أكثر من مصدر.
وأضاف الدكتور علاء عبد الهادي أنه بعد اهتمامه في العدد السابق بمشهد القصة القصيرة وتاريخها في كل من: مصر والجزائر وفلسطين وتونس واليمن والأردن والكويت، نضيف في هذا العدد ملفًا عن القصة القصيرة في المغرب نقدم فيه نماذج وازنة منها، وملفًا آخر نقدم فيه نماذج عن القصة القصيرة في البحرين.
أما دُرَّة هذا العدد فهي ملف عن القصة القصيرة المكتوبة باللغة العربية في الغرب الإفريقي، بالإضافة إلى ملف آخر عن القصة القصيرة المكتوبة باللغة العربية لدى عدد من أدباء إرتريا الشقيقة التي انسلخ نظامها السياسي من عروبته إهمالاً منا من جهة، وتدخلاً وتدبيرًا من الأنظمة السياسية الخارجية من جهة أخرى!
وهذه هي المرة الأولى في الدوريات العربية - على حد علمنا - التي تقدم فيها دورية عربية هذا التناول.
يبدأ باب الدراسات في هذا العدد بمحاور ترتبط بفكرة المقاومة، فضلاً عما هو مرتبط بالثقافة ومفهوماتها، وحروبها، الدراسة الأولى للناقد البريطاني العلم تيري إيجلتون أحد رواد النقد ما بعد الماركسي عن حروب الثقافة التي رصد فيها ستة تطورات مؤثرة تاريخيًّا شهدها العصر الحديث وضعت فكرة الثقافة في مقدمة الأعمال التي تستوجب الالتفات إليها، والدراسة الثانية للناقد الأسترالي بيل آشكروفت رائد مدرسة ما بعد الكولونيالية في النقد الأدبي المعاصر، وهي دراسة عن فكرة المقاومة التي عالج فيها أسئلة مهمة مثل: هل يمكن للمرء أن يُقاوم‘ دون لجوء إلى العنف؟ وهل يمكن للمرء أن يقاوم من غير أن ’يعارض‘ بوضوح؟
ويذكر عبدالهادي أن هاتين الدراستين تعدان مقدمتين نظريتين لموضوع المقاومة وحروب الثقافات، أما دراسة أحمد راوي أستاذ الأدب العبري في جامعة حلوان، فتأتي وكأنها صدى للتناولات النظرية للناقدين الكبيرين، وهي دراسة مهمة تناول فيها بالدليل، تاريخ سطو الكيان الصهيوني على تراثنا وثقافتنا العربية في فلسطين المحتلة.
تأتي هذه الاختيارات في الوقت الذي تقاوم فيه غزة المناضلة كيانًا إرهابيا نقيضًا في أشنع جرائم حرب وتطهير عرقي وعقاب جماعي تقوم به آلة الحرب الصهيونية ضد أهلنا الفلسطينيين في التاريخ الحديث، وفي التفاتة كريمة يتناول يوسف نوفل في قراءة سريعة ومحبة منهج أستاذنا العلم «شكري عياد»، وطريقته في تأويل النص، وأن عماد نظرة شكري عياد التأويلية يكْمن في حرصه على التأويل المنهجي، في تحليل النصوص، وردّ الأمور إلى مصادرها، وعدم الانسياق إلى ظواهر الأشياء، أو الانخداع بالفروع عن الأصول.
وفي دراسة حول حدود الاقتباس والتأثير والتأثر يقدم وجيه فانوس دراسته عن الناقد السوري «جبر ضومط» في كتابه «فلسفة البلاغة»، وهي دراسة مترجمة عن أطروحته للدكتوراه طلبناها منه لأهمية موضوعها، وترجمها وأعدها قبل وفاته رحمه الله لأحد أعداد الكاتب العربي. وُلد ضومط سنة 1859 في بلدة «صافيتا»، في شمالي سوريا؛ وانتقل في سن مبكرة من عمره إلى «بيروت»، حيث تابع تحصيله العلمي. ويشير فانوس في دراسته الماتعة إلى التشابه الكبير الذي يزيد على محض التأثر، بين ضومط وسبنسر، وأنَّ أفكار سبنسر وموضوعاته بتفاصيلها الدقيقة، تدخل في صلب المادَّة المَعرِفيةِ الأساس لكتابِ «فلسفة البلاغة»!
بعد ذلك يقدم الناقد العراقي خزعل الماجدي رؤيته التجديدية عن الأساطير القديمة والوسطية! وهي دراسة من دفق كامل من الأعمال للناقد المؤرخ خزعل الماجدي يعيد فيه طرح الأسئلة في تصوراته الجديدة عن الأساطير، والتاريخ القديم، مشيرًا إلى كيف سيطر جدل النظام والفوضى على مسيرة الحضارات والأديان والأساطير القديمة التي استمرت لما يقرب من 3500 عام، فقد ظهرت في الشرق حضارات الإنسان الأولى وكانت الأديان والأساطير جزءًا حيويًّا منها، لكن هذه الحضارات كانت بعمر محدد تنمو وتزدهر ثم تزول.
وحين ننتقل إلى الشعر، يقدم الناقد والروائي نضال الصالح دراسته ما بعد- النقدية التي يحاول فيها استقراء ثلاثة من الجهود النقدية السورية الخاصة بإبداع (عمر أبو ريشة) الشعري، ويطمح الكاتب إلى اكتشاف أبرز السمات المميّزة لكل منها، ولاسيّما: متونها، ومرجعياتها النقدية، وأدواتها الإجرائية، ومصطلحاتها، وكيف مثّلت تجربة (عمر أبو ريشة) الشعرية واحدة من أبرز التجارب الإبداعية العربية طوال الفترة الممتدة ما بين منتصف العشرينيات ونهاية الثمانينيات من القرن الماضي.
ويعتني الناقد التونسي وأستاذ السيميائية العادل خضر بالقسم الأخير من رسالة حيّ بن يقظان للفيلسوف الأندلسيّ أبي بكر محمّد بن طفيل، وهو ما يوافق في مجرى القصّة نهاية تجربة الوحدة الّتي دامت من عمر البطل سبعة أسابيع، والأسبوع لدى البطل يساوي سبع سنوات، يتناول فيها العادل خضر "الغريب والطعام وسؤال الضيافة" في هذا النص.
وتتناول الناقدة والعازفة الموسيقية لارا خالد طبيعة التّناغم في عمليّة التّأثّر والتّأثير المتبادلة بين الأدب والموسيقى تطبيقًا على الأخوين رحباني، وتشير إلى أن هذا التناغم موجود منذ القدم، ولا يزال يقاوم ريح الزّمن والحضارة، وخصوصًا أنّ عمليّة التّبادل بين أجناس الفنون والعلوم بأنواعها المختلفة قد انتشرت في عصرنا. فلا عجب في تكامل فنّي الموسيقى والأدب، فلا معرفة ولا أدب ولا فلسفة، بل لا حضارة من دون اللّغة، ولا عجب أن يكون النّشاط اللغويّ ملتقًى للنّشاطات الفكريّة على اتّجاهاتها، ومحطّة من محطّات اهتمامنا. بات عصرنا يشهد تداخلًا بين الفنون على مختلف أنواعها.
وكان من الطّبيعيّ، نتيجةً لهذا التّداخل، أن ينشأ من جديد ما يجمع بين حاستي البصر والسمع، فينسجم، على سبيل المثال، الأدب والموسيقى في فنّ المسرح.
ويقدم الناقد مصطفى رمضاني في دراسته "مدخل إلى المقاربة الدراماتورجية" وجهة نظر خاصة لما يسمى المقاربة الدراماتورجية للعملية المسرحية؛ وهي مقاربة تنطلق من النص المسرحي بالأساس، بحثا عن العرض المتخيل، أو العرض الممكن، خصوصًا في حالة غياب تحقق العرض المسرحي بصريا أمام المتلقي. واستأنس ببعض الاجتهادات المتداولة في الساحة النقدية.
ويحتفي عبدالرحيم العلام رئيس اتحاد كتاب المغرب في دراسته بالناقد المصري جابر عصفور في قراءة كاشفة لمنهجه وإسهاماته، مشيرًا إلى أن من بين المشاريع النقدية والأدبية الرائدة، والأكثر هيمنة وحضورًا في اهتمامات الدكتور جابر عصفور النقدية، فأشار إلى ذلك المشروع النقدي المهم، كما بلوره الدكتور طه حسين، وإلى المشروع الروائي كما شيده الأديب نجيب محفوظ، على مدى فترات زمنية من حضورهما وتأثيرهما، الأدبي والنقدي، في الدكتور جابر عصفور، وفي أجيال متعاقبة من النقاد والأدباء العرب.
وتناول محمد معتصم في دراسته كيف تم تجاوز مفهوم السيرة الذاتية، فضلاً عن الإشكالات التي أحاطت بها، وكان بعضها مرتبطًا بالسيرة الذاتية، والتي ارتبط بعضها الآخر بما هو خارج النص، كصدق الكاتب في ما يرويه عن ذاته وما يرويه عن الحوادث التي عايشها أو زامن لحظة وقوعها، ثم الإشكال الأهم؛ هل السيرة الذاتية، التي يكتبها الأديب والسياسي والقادة وغيرهم كثر ومن مواقع اجتماعية وثقافية متنوعة، يمكن أن نعتبرها أدبا؟ وأين تتجلى أدبيتها، ما دام التخييل فيها يراوح الدرجة "صفر"، وما دام الصدق فيها معيارًا لواقعية الأحداث المرويّةِ؟ فاستبدل مفهوم "السيرة الذاتية" بمفهوم أوسع، يشمل أشكالًا من صيغ خطاب السيرة الذاتية "خطاب الذات"، وهو "كتابة الذات".
أما دراسة الناقد المغربي صدوق نور الدين التي أتت بعنوان: الكتابة والتأويل، فقد اتخذ فيها من القصة القصيرة نموذجًا لدراسته لأعلام كتابها في الوطن العربي مثل: يوسف إدريس، ومحمد زفزاف، ملقيًا الضوء على ما قد يكون مغلقًا في صعوبات الفهم والتلقي.
وفي دراسة "الحرب ضد الجمال" لأحمد عزت سليم، تناول الباحث رؤيته ذاهبًا إلى أن الجمال الإنساني مازال مقاومًا لكل هذه التصرفات الإجرامية ضده، فالحياة مهما كانت ستظل ملأى بالجمال رغم الحروب التي يشهدها العالم.
وفي دراسة رشا الفوال سعي لتقديم قراءة لمجموعة "واد غير ذي بوح"، الفائزة بجائزة الشارقة لإبداع المرأة الخليجية عام 2018، وإلى فهم الشاعرة بدرية البدري على ضوء علم النفس، مع التعويل على البُعد الاجتماعي ودوره في إدراك العلاقات التي منحت القصائد خصوصيتها.
وفي ملف الشعر نقرأ عن الشاعر المغربي عبدالكريم الطبال، ومختارات من أعمال الشاعر مع سيرة ذاتية مختصرة له. قدم لهذه المختارات عبدالحق بن رحمون.
ثم نقرأ أشكالاً شعرية متنوعة من الشعر العمودي وشعر التفعيلة وقصيدة النثر للشعراء: أمجد ريان، ومحمد عبدالستار الدش، وعبدالحميد محمود، والشاعر السوري نزار بريك والشاعرة الجزائرية حبيبة محمدي، والشاعر الموريتاني محمد عينين.