'الفندق' يرجّ العراقيين

مشاهد جريئة وصادمة حول المخدرات والبغاء والاتجار بالبشر في مسلسل عراقي تحرك حفيظة مجلس النواب وهيئات مراقبة المحتوى الإعلامي.

بغداد - أثار المسلسل العراقي "الفندق" موجة من الجدل والانقسام في صفوف الجهور والنخب المثقفة لاحتوائه على مشاهد جريئة وصادمة لم يتعود عليها الجمهور العراقي في السابق.
وتدور قصة المسلسل حول شباب وفتيات يقيمون في فندق يديره صحافي يحب النهج الاستقصائي في عمله.
 ويكتشف الصحافي انتشار عصابات تسوّل ودعارة وبيع مخدرات داخل الفندق كما يتفطن الى وجود جرائم انتحار وقتل داخل نفس المكان.
ويحاول الصحافي سبر أغوار مافيا متشعبة ونافذة تدمر الأرواح والأجساد والعقول.
ويصور المسلسل الجانب الخفي والقاتم لبغداد وينبش في عوام المخدرات و البغاء والاتجار بالبشر وتجارة الأعضاء.

مسلسل
'انتاج جديد برؤية حديثة '

وكانت بغداد ذات يوم عاصمة للعالم الإسلامي، ومدينة تتباهى بفخر بالدراما والشعر والادب، وبتماثيل تروي حقبات من تاريخ عريق وشوارع سُميت بأسماء شعراء مشهورين مثل المتنبي وأبي نواس.
ويركز العمل الجديد على الاتجار بالبشر الذي نشط بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وتصاعدت وتيرته أثناء فترة تنظيم الدولة الاسلامية والإخفاقات الأمنية.
وخلفت مشاهد لفتيات يرقصن في ملاه ليلية، وأخرى لرجال أعمال وصحافيين ومتسولين يحتسون الخمر استياء العائلات التي تواظب مجتمعة على مشاهدة التلفزيون في رمضان.
وصدم مشهد تظهر فيه فتاة وهي تقوم بتدليك رجل نصف عار العديد من العراقيين واعتبروا ان "الفندق" نسخة رديئة لأعمال أجنبية متحررة من كل القيود.
و"الفندق" أول دراما تلفزيونية عراقية يتم تصويرها في بغداد منذ سبع سنوات للكاتب حامد المالكي والمخرج حسن حسني، وبطولة باقة من نجوم الشاشة العراقية، على غرار محمود أبوالعباس وعزيز خيون وسناء عبدالرحمن وعزيز كريم وإيناس طالب.
وانهالت سهام النقد على كاتب العمل الجديد باعتباره وفقا للعديد من رواد مواقع التواصل يشجع على نشر الرذيلة والفسق والمجون ويوجه ضربة كبيرة لأخلاق وتقاليد المجتمع العراقي.
واعتبروا ان صناع "الفندق" لم يكترثوا لقداسة شهر الصيام ولم يراعوا تقاليد وعادات المجتمع العراقي المحافظ.
في حين اعتبر شق آخر ان المسلسل يعري الحقائق ويفضح السلبيات أملا بتداركها وتجاوزها، وبينوا أن الفن الحقيقي ليست وظيفته تجميل الواقع بل نقله كما هو واختراق الخطوط الحمراء والقفز فوق أسلاك المحرمات.
واستدعى الجدل المحموم حول المسلسل تدخل مجلس النواب العراقي وهيئات مراقبة المحتوى الإعلامي. 
واتسم رد لجنة الثقافة البرلمانية بالصرامة والوضوح بإعلانها في بيان وقعه عدد من أعضائها أن "البرامج التي تعرض على القنوات الفضائية مخالفة للذوق العام والقيم والأعراف التي يتصف بها المجتمع العراقي"، مطالبة بإيقافها، لأنها تنافي حرمة شهر رمضان.
وسارعت هيئة الإعلام والاتصالات بالتأكيد على أنها تراقب محتوى المواد المعروضة على القنوات العراقية مهددة باتخاذ إجراءات ضد بعض منها.
وقالت الهيئة إنها رصدت "تجاوزات في محتويات برامج فضائيات خرجت عن سياق حرمة رمضان"، مطالبة "وسائل الإعلام برفع المشاهد التي تخرج عن سياق الحياء والأعراف".
وهددت الهيئة باتخاذ الإجراءات القانونية في حال عدم تدارك الامر.
في حين بررت قناة "الشرقية" التي تعرض المسلسل المثير للجدل اختيارها واعتبرت أن "اللقطات وردت في سياق الأحداث التي بني عليها مسلسل درامي اتّسم بطرحه لمشاكل واقعية".
وأكدت أن "التستر على مشاكل المجتمع قد يكون سببا في تفشيها".
وقال مؤلف المسلسل حامد المالكي إنه يرحب بالنقد بصدر رحب لكن بشرط متابعة العمل من أول مشهد إلى آخره.

واعتبر حامد المالكي أن "الفندق" انتاج جديد برؤية حديثة تختلف عن السابق.
ويقر المالكي أن المواضيع التي يطرحها المسلسل ستصدم المشاهدين، لكنه قال ان مسؤولية الدراما التلفزيونية اثارة النقاش حول المواضيع المثيرة للجدل.
وشدد المالكي على أن من أهم مهام الفنون مواجهة الإيديولوجيات التي تغذي التطرف.
وقال إن الثقافة وحدها هي التي ستنتصر على تفكير تنظيم الدولة الإسلامية، لأنها تمثل الحياة في مواجهة الموت.
واعتبر الكاتب المعروف أن الدراما العراقية لها دور كبير في إعادة البناء الفكري للمجتمع، وتحصينه من الأفكار القاتمة والضلامية بعد القضاء على داعش.
وقالت الممثلة ايناس طالب المشاركة في مسلسل "الفندق" ان الانتصار على تنظيم الدولة الاسلامية جعل الشعب العراقي يعود الى شغفه وولعه بالحياة، والفنان جزء من نبض الشعب، لذلك فإن الأعمال الفنية العراقية التي سيراها المشاهد العربي ستكون حدا فاصلا بين مرحلتي ما قبل وبعد داعش".

وأفاد المخرج حسين حسني انه بعد سنة 2014 توقفت تقريبا عجلة صناعة الدراما بالعراق، والمطلوب الآن ضخ دماء جديدة فيها بأفكار مبتكرة ومختلفة عن السائد.
وطالب نجم الدراما التلفزيونية في التسعينيات الذي عاد من الخارج لإخراج مسلسل "الفندق" الجهات المشرفة على قطاع الفن بمنح الشباب فرصة لتقديم دراما عراقية جديدة ومختلفة بإمكانها منافسة نظيرتها على الساحة العربية. 
وقال الممثل غيث أحمد أن "المشاهد العراقي تعوّد خلال السنوات العشر الأخيرة على مشاهدة المواضيع المكررة، والتركيز على القضايا الاجتماعية والحرب، وبين أن "الفندق" ينبش في موضوعات لم تكن مطروحة خلال الفترات الماضية مثل المتاجرة بالأعضاء البشرية والمخدرات وتدخل السياسيين في أعمال المافيا.
ودخلت الدراما العراقية خلال السنوات السبع الماضية في سبات بسبب عدم تحمس الحكومة لانتاج الأفلام والمسلسلات المحلية وانشغالها بالمشكلات السياسية والأمنية والاقتصادية.
ورأى نقاد أن الدراما العراقية ما زالت تدور في الحلقة نفسها مما دفع المتلقي العراقي للاتجاه إلى الشاشات العربية.
في حين اعتبر مناصرو التغيير والتجديد أن صناع الدراما العراقية يحاولون الارتقاء بها من حيث الشكل والمضمون لتكون قادرة على منافسة الأعمال العربية الضخمة.