القوة الناعمة التركية تتغلغل في'مشاعر'

بعد اكتساح الدراما التركية المدبلجة البيوت العربية وتأثيرها على العقول والقلوب، طاقم تقني من أنقرة يصور مسلسلا تونسيا جزائريا.

 تونس - تمتزج الروح المغاربية بالخبرات التركية في المسلسل التونسي الجزائري "مشاعر" الذي تبثه قناة تونسية ناشئة.
وحصد المسلسل المشترك نسبة نجاح كبيرة لكنه أثار الكثير من النقد ونقاط الاستفهام حول جدوى الاستعانة بخبرات تركية في أعمال عربية والحال أن الدراما المغاربية على سبيل المثال طورت نفسها وتمكنت من الارتقاء بجودة الصورة والمضمون في أعمالها الأخيرة. 
واعتبر نقاد أن تصدير أنقرة الدراما التركية سواء على مستوى الشكل أو المضمون الى الدول العربية الهدف منه منح الثقافة التركية نفوذا أكبر.
واعتبروا ان تركيا تسعى الى نشر "ثقافتها الناعمة" في كل مكان وبكل الطرق والاستفادة منها لتلميع صورتها وسمعتها.
في سابقة أولى من نوعها في المغرب العربي استعانت "قناة قرطاج+" التلفزيون التونسي الخاصّ الحديث الولادة بفريق تركي متكامل (سيناريست ومدير تصوير ومدير إضاءة ومهندس ديكور وخبير تجميل) سبق له المشاركة في صناعة أقوى المسلسلات التركيّة على غرار "حبّ أعمى" و"زهرة القصر" إضافة إلى المخرج الألماني التركي محمد الجوك لإنجاز المسلسل الدرامي الرومانسي الجديد.
ومحمد الجوك صاحب خبرة طويلة في ميدان الإخراج وقدّم أعمالا في كل من ألمانيا وروسيا وبلغاريا وأذربيجان وتركيا والجزائر، وله في رصيده أكثر من 20 مسلسلا، لعل أشهرها "زهرة القصر" التركي.

ويتشارك بطولة العمل الجديد باقة من النجوم من تونس على غرار هشام رستم وسامية رحيّم ومريم بن شعبان وأحمد الأندلسي وريم بن مسعود ومعز الغديري ومحمد مراد ومن الجزائر حسّان قشاش وسارّة لعلامة ونبيل عسلي وعادل شيخ.
وصور المسلسل في العديد من المدن التونسية، ويحكي قصة اجتماعية عاطفية تدور حول امرأة مصابة بالسرطان يعترض الحب طريقها فيقلب حياتها.
ومع كثافة القنوات التلفزيونية والانفتاح الإعلامي الذي عرفته تونس إثر ثورة 14 يناير 2011، شهدت الدراما التلفزيونية طفرة نوعية وكمّية إلى حد ما، إلاّ أن إنتاجها ظل حكرا على شهر رمضان، وهو ما أرادت قناة "قرطاج+" خرقه عبر إنتاج أعمال درامية تعرض على مدار السنة.
وقال منتج ومدير القناة الخاصة سعد خذر أنه يسعى لتطوير صناعة الدراما التونسية من خلال الاستعانة بكبار النجوم من تونس والجزائر والوطن العربي، مؤكدا أن قصة المسلسل تمس الكثير من الشعوب العربية بتوليفة تركية في ثوب تونسي جزائري وبجودة سينمائية.
وأكّد لسعد خذر في برنامج ''رمضان شو'' على اذاعة موزاييك الخاصة أنّ القناة كانت تسعى منذ البداية لإنتاج عمل درامي يمكن تسويقه الى الخارج ولا يكون موجها للسوق المحلية فقط. 
وبيّن أنّ بلدان الخليج أصبحت ترفض اقتناء الأعمال التركية ما يضمن وجود سوق جديدة يمكن استغلالها لإنتاج وتسويق أعمال مغاربيّة مدبلجة. 
واوقفت "إم.بي.سي" أكبر مجموعة بث تلفزيوني وإذاعي خاصة في العالم العربي بث الدراما التلفزيونية التركية.
وقال المتحدث باسم إم.بي.سي مازن حايك إن القرار يمكن أن يكون حافزا للمنتجين العرب لصنع دراما عربية عالية المستوى يمكن أن تكون بديلا جيدا لتلك التي تم منع عرضها.
وقال المنتج التونسي سعد خذر إنّ الدراما والسينما الأميركية هي الأولى عالميا تليها التركية وهي قريبة منا ويمكن التعاون مع المخرجين الأتراك بمبالغ مقبولة. 
وأضاف "تركيا تصدر أعمالها لأكثر من 80 دولة وتقوم بالدبلجة وتبيعها حتى أنّها غزت جنوب أميركا في سنوات قليلة رغم تاريخ الدراما المكسيكية والبرازيلية". 
 وأوضح المنتج التونسي أنّ مسلسل "مشاعر" يبث في أربع قنوات هي "قرطاج+" و"الحوار التونسي" و"الوسط الليبية" و"النهار الجزائرية" وبصدد دبلجته إلى السورية.
وقال الإعلامي الجزائري المختص في السينما، فيصل مطاوي، إن "اللمسة التركية واضحة في الدراما الجزائرية الرمضانية، عبر مسلسلي مشاعر والرايس قورصو".
واعتبر مطاوي أن "المشاركة التركية في الأعمال المغاربية مهمة، وستشجع صناعة المسلسلات التلفزيونية في الجزائر وتونس".
وشدد على "ضرورة الاستفادة من التجربة التركية على الصعيدين التقني والفني في مجالي الدراما والكوميديا".
وقال الممثل الجزائري وبطل مسلسل "مشاعر" حسان كشاش أنه خلافا لا يتم تداوله فإن سيناريو المسلسل جديد لا يحاكي أي مسلسل تركي.
وقال الكاتب والمدون الجزائري الطيب صياد أن الاعتماد على التقنية التركية في صناعة الدراما، يندرج ضمن خانة التقليد، ولكنه تقليد إيجابي".
في حين اعتبر الناقد والممثل التونسي أنور العياشي أن "مشاعر" عمل ناجح، وأنه لا يعارض فكرة العمل مع كفاءات من خارج تونس لكن لا يجب أن يساهم هذا التوجه على حساب الطاقات التونسية.
وأضاف العياشي أن الأولوية يجب أن تكون دومًا للطاقات البشرية التونسية، مؤكدًا أنّ طريقة العمل في تصوير المسلسلات شهدت تطورًا هامًا في تونس خلال السنوات الأخيرة.
واعتبر نقاد أن تصوير أعمال عربية برؤية فنية تركية بمثابة منفذ جديد لمزيد ترسيخ سطوة الدراما التركية على السوق العربية.
وقد اجتاحت المسلسلات التركية المدبلجة الفضائيات العربية وسيطرت قصصها وأبطالها على سلوك الأسرة، كما طغت على الأعمال الدرامية التي يتم إنتاجها في الوطن العربي.
وشكلت المسلسلات التركية منافسا قويا لقطاع الإنتاج العربي وذلك لأنها كما يبدو أكثر حيوية ومتنوعة الأماكن ولا تعتمد على الاستوديوهات الثابتة كما أن بعض مناطق التصوير هي أماكن سياحية جميلة وخلابة.
كما تميزت الدراما التركية بطرح قضايا تمس عاطفة المتلقي كالمواضيع الرومانسية.
وبلغت حصيلة بيع المسلسلات التركية 3 ملايين دولار سنويا، ويتم عرضها في مصر والإمارات وسوريا والعراق والأردن ولبنان بالإضافة الى اليونان وإيران ودول أخرى.
ويشن معلقون عرب حملات على وسائل التواصل الاجتماعي ضد ما يعتبرونه تغلغلا للثقافة التركية في المنازل العربية عبر الدراما المدبلجة عادة بلهجات عربية مختلفة.
ويصف بعض المتابعين موجة المسلسلات التركية المدبلجة للعربية بأنها مسألة تجارية بحتة، إلا أن مهتمّين بالساحة الثقافية العربية أبدوا استياءهم مما أسموه غزواً فكرياً ممنهجاً.
ويرون أن انتشار المسلسلات التركية في العالم العربي ناتج عن تخصيص ميزانيات هائلة للترويج لها، واستغلال الأتراك للاتفاقيات السياسية والاقتصادية مع هذه الدول للترويج لما يسمى "السلطنة العثمانية الجديدة".
وتكمن عناصر رواج الدراما التركية وجاذبيتها عربياً في التركيز على جمال الطبيعة وتقديم أنماط حياة مرفهة للمجتمع المخملي النخبوي في تركيا فضلاً عن وسامة الممثلين وجمال الممثلات الحسناوات، ما يعني طغيان الجوانب الشكلية وقشور المظاهر على المحتوى والمضمون.
وأصبح المشاهد العربي يعاني من تخمة المسلسلات التركية المتشابهة حد التطابق
وتركز أنقرة على الدراما الاجتماعية والتاريخية في محاولة منها لإعادة إنتاج السلطنة العثمانية والتغني بـ"أمجادها" متناسية أن وقودها كان شعوب المنطقة من أرمن وكرد.
واعتبر نقاد أن الدراما العربية لها تاريخ وباع طويل، فلم لا تتاح الفرصة لإعادة تنشيطها وتفعيلها بدلاً من تحول الممثلين العرب إلى مجرد مدبلجين للدراما التركية.