"الهلال" تستعيد مرسي جميل عزيز

عباس محمود العقاد عن أغنية "يامه القمر ع الباب": فيها من البلاغة، أضعاف المئات من قصائد الشعر العربي.
ذكريات زيارة بيته قبل عشرين عامًا بصحبة الملحن محمد الموجي
سيد حجاب: كل أغنية له تختلف عن الأخرى، ولم يقم يومًا بعملية استنساخ لأغنية جديدة له من أغنية سابقة
فاروق جويدة: لا يمكن اعتبار أغانيه مثل: "الليالي"، أو "في يوم في شهر في سنة"، أو "بتلوموني ليه"، أغاني عامية. 
محمد زكريا عناني: ما قدمه مرسي جميل عزيز، بتنوعه وقيمته، يفوق ما في كتاب "الأغاني"، لأبي الفرج الأصفهاني

لا يمكن أن أنسى الدعوة التي قدمها لي مجدي مرسي جميل عزيز قبل نحو عشرين عامًا لأحل ضيفًا على بيت والده الشاعر الكبير مرسي جميل عزيز بمحافظة الشرقية في مناسبة الاحتفال بذكرى مولده، ومما ضاعف من سعادتي أن أرافق في هذه المناسبة الملحن الكبير محمد الموجي الذي ظل يمتعنا بأداء كثير من الأغنيات التي لحنها لمرسي جميل عزيز، على عوده ليهدي لوجداننا وذاكرتنا ثروة من المتعة الفنية التي أسهمت في استعادة كلمات مرسي جميل عزيز بصوت ملحنه العبقري الذي آمن بموهبته ولم يبخل عليها بأجمل ألحانه التي لن تموت مهما مرَّ عليها من سنين.
ومن هنا يمكنك عزيزي القارئ أن تدرك مدى سعادتي وأنا ألتقط من بائع الصحف هذا العدد الخاص من مجلة "الهلال" ذات التاريخ العريق، الذي خصصه رئيس تحريرها خالد ناجح هذا الشهر لمرسي جميل عزيز الذي تحل مئوية ميلادة في العام المقبل فهو من مواليد عام 1921.
 سأخرج الآن من المشهد تمامًا لأتولى رسم صورة لما لفتني في هذا العدد الذي يحمل غلافه صورة رائعة للمحتفى به شاعر الألف أغنية أو يزيد.
ولنبدأ بإطلالة على ما قاله عنه المؤرخ الموسيقي الدكتور زين نصار تحت عنوان "شاعر الألف أغنية" فقد قال: يحتل الشاعر المصري الكبير مرسي جميل عزيز (1921-1980) مكانة مهمة في الحياة الموسيقية المصرية والعربية، من خلال كلمات أغانيه التي رسخت في الوجدان العربي عبر سنوات طويلة. وقد شدا بكلماته كبار المطربين والمطربات ومنهم، (أم كلثوم – موسيقار الأجيال محمد عبدالوهاب – محمد عبدالمطلب – محمد قنديل – عبدالعزيز محمود – كارم محمود – فريد الأطرش – عبدالحليم حافظ – محرم فؤاد – شادية – نجاة – وردة – نجاح سلام – حورية حسن – صباح – فايدة كامل – فايزة أحمد – هدى سلطان – شهرزاد – أحلام – عفاف راضي).

خيري شلبي: عزيز.. رائد الأغنية الحديثة، الأغنية المودرن، أغنية الفورم، أو الشكل الفني.. ولم يتفوق عليه أحد في مجالين خطيرين: الشعرية، والتحديث. إنه الشاعر الوحيد الذي يقال عنه، إنه صاحب مشروع شعري متكامل، أتمه في حياته

وقد لحَّن كلماته كبار الملحنين مثل: (محمد عبدالوهاب – كارم محمود – عبدالعزيز محمود – أحمد صدقي – فريد الأطرش – محمد فوزي – منير مراد – كمال الطويل – محمد الموجي – بليغ حمدي – سيد إسماعيل).
ولد مرسي جميل عزيز في التاسع من يونيو/حزيران 1921، بمدينة الزقازيق بمحافظة الشرقية، وكان والده من كبار التجار، وقد شجعه على الاستمرار في كتابة الشعر بعد أن ظهرت مواهبه في هذا المجال في سن مبكرة.
وبعد أن أنهى دراسته الثانوية التحق بكلية الحقوق. وفي 1939 كتب ميلاده الفني عندما غنى له عبدالعزيز محمود من تلحينه، أغنية "يا مزوق يا ورد في عوده" وبعدها انطلق مرسي جميل عزيز من نجاح إلى نجاح.
أما الشاعر إبراهيم داود، رئيس تحرير مجلة "إبداع" فقد كتب عنه تحت عنوان "حارس الأشواق القديمة": مرسي جميل عزيز موضوع كبير، ليس فقط بسبب غزارة إنتاجه وتنوعه، (أكثر من 1000 أغنية)، ولكن بسبب فراسته وموهبته في الوصول إلى قلبك من أقصر طريق، وبنعومة ومودة شخص قريب منك، شخص ميسور الحال أهله يتاجرون في الفاكهة، درس القانون، ومهموم بالتصوير الفوتوغرافي وتعترف بموهبته فيه مجلات دولية، يعرف الإنجليزية والفرنسية، ويتعلم فن كتابة السيناريو بعد تجاوزه الأربعين من عمره، ويكتب في الصحافة، ويكتب الصورة الغنائية والقصة القصيرة.
اكتشف الملحنون نهرًا عذبًا رائقًا رقراقًا جاء مع شاب قدم من الزقازيق محملًا بأشواق منطقة جغرافية تجمع بين طراوة وخضرة ريف الدلتا، ورحابة وصفاء الصحراء المتاخمة، من الصعب رصد كل إنتاجه، ولكن لا تخطئ الأذن كلماته، بدون تفكير ستعرف أن "الحلوة داير شباكها شجرة فاكهة ولا في البساتين"، ليس لأن له علاقة بالفاكهة، ولكن بسبب طريقة القنص التي يفاجئ بها المتلقي.
ويقول خالد ناجح في افتتاحية هذا العدد الخاص: واجهتنا معضلة غزارة الإنتاج، وحياته الثرية، فـلفارس الكلمة إنتاج غنائي يفوق ألف أغنية، أما عن القصائد الشعرية فحدث ولا حرج، هذا غير الأوبريت الغنائي، والأعمال السينمائية من سيناريو إلى دراما حية جسدها بكلماته التي عجز من جاءوا بعده أن يأتوا بمثلها، أو حتى تراكيبه الفنية والتصويرية، وبالطبع كان الطابع الشعبي لدى مرسي جميل عزيز متميزًا سواء في أغانيه أو أزجاله أو أوبريتاته مثل: "المولد".
ونحن نستطيع أن نخلص إلى أن الكلمات عند مرسى جميل عزيز كانت كالصلصال في يده يستطيع أن يشكلها كما يريد، أو بمعنى أدق حسب خياله المتقد بأفكار وصور متجددة.
ومما لفتني في هذا العدد عن مرسي جميل عزيز تلك "البراويز" المتناثرة عبر صفحات "الهلال" التي تضم شهادات كتاب وشعراء وملحنين ونقاد في فن مرسي جميل عزيز، ومنها نقرأ كلمات صلاح عبدالصبور، بلدياته، الشرقاوي أيضًا: إلى جانب موهبته الفذة، ملك مرسي جميل عزيز، ذكاء حادًا، وذهنًا متقدًا، وتميزت روحه بالتحدي، فجاء إنتاجه بهذا الثراء. أما بيته الذي كنت أتردد عليه كثيرًا فقد شكل ملتقى لأصدقائه، نتحاور، وكل يعرض ما يكتبه.. وفيه قدمته لعبدالحليم حافظ، لكى يكتب له، ويدفعه فى طريق النجاح والشهرة.
أما الدكتور أحمد هيكل فقال: بيته بيت كرم، وحجرة مكتبه المتسعة والمستقلة بباب خارجي، أصبحت صالونًا أدبيًا لنا، أصدقائه أبناء بلده من الشعراء. والأغنية العاطفية عنده، لا تعبر عن عاطفة هائمة، بل عن عاطفة محددة، يتناولها بعمق، وتختلف كل منها عن الأخرى.

وعنه قال حسن إمام عمر: مرسي جميل عزيز، هو مَنْ جعل لهذه المهنة - كتابة الأغاني – قيمة أدبية، ومادية.
ولخصه عباس محمود العقاد في أن في أغنيته "يامه القمر ع الباب"، من البلاغة، أضعاف المئات من قصائد الشعر العربي.
واعترف زميله الشاعر حسين السيد بأنه كان يمتاز عنه، بأنه يقرأ كثيرًا.
وقال الناقد الدكتور رفيق الصبان: إن قصائده وأغانيه، خليط رائع من فنون الشعر، والدراما، والسينما.
وقال الشاعر محمد حمزة: ما زلت أحتفظ في أوراقي بصحيفة ضمت حديثًا معه، قال فيه رأيًا مشجعًا وداعمًا لي.
وأقر الشاعر مأمون الشناوي بأن كلمات مرسي جميل عزيز مثل الذهب المرصع بالألماس.
وقال مصطفى الضمراني: كما أن نجيب محفوظ، هو بطل الرواية العربية، فإن مرسي جميل عزيز، هو بطل الأغنية العربية وفارسها.
وكشف نادر أبوالفتوح عن أنه عندما كان مرسي جميل عزيز، وهو في حياته.. يفرح أو يحزن.. يرضى أو يرفض.. يقترب أو يبتعد.. كان ذلك يؤثر على مسار الأغنية في بلدنا.
ورأى الإذاعي وجدي الحكيم أن أغانيه، هي أشهر أغاني المواسم الغنائية؛ تبدأ بها وتنتهي.. الأغنية بشكلها الفني الجميل، التي تشبع المستمع.
وقال السيناريست أحمد صالح إني أرى في أغانيه، صورة، وحركة، و"ميزانسين".. إني أرى في أغانيه سينما.
وقال سيد حجاب: كل أغنية له تختلف عن الأخرى، ولم يقم يومًا بعملية استنساخ لأغنية جديدة له من أغنية سابقة. مرسي جميل عزيز، هو النقلة التالية في الحداثة بعد أمير الشعراء أحمد شوقي.
وعنه قال عبدالرحمن الأبنودي: إنه حالة خاصة مستقلة بذاتها.. إنه الشاعر الذي يطلق عليه وبحق لقب "الشاعر الغنائي".
ورآه يحيي حقي شديد الالتصاق بالشعب.. وفي شعره ملامح فولكلوريه كثيرة. ومن الظلم ألا يدرس مرسي جميل عزيز، كشاعر مرهف الحس، بارع الإشارات، حلو العبارة.
وقال عبدالوهاب محمد: من يريد تعلم كتابة الأغنية، عليه بالاستماع إلى أغاني مرسي جميل عزيز ودراستها.
أما الناقد الدكتور محمد زكريا عناني فقال: إن ما قدمه مرسي جميل عزيز، بتنوعه وقيمته، يفوق ما في كتاب "الأغاني"، لأبي الفرج الأصفهاني.
وقال خيري شلبي: عزيز.. رائد الأغنية الحديثة"، الأغنية "المودرن"، أغنية "الفورم"، أو الشكل الفني.. ولم يتفوق عليه أحد في مجالين خطيرين: الشعرية، والتحديث. إنه الشاعر الوحيد الذي يقال عنه، إنه صاحب مشروع شعري متكامل، أتمه في حياته.
ويقول فاروق جويدة: لا يمكن اعتبار أغانيه مثل: "الليالي"، أو "في يوم في شهر في سنة"، أو "بتلوموني ليه"، أغاني عامية. مرسي جميل عزيز، شاعر فصحى له قدراته الكبيرة، وفي أغانيه نجد أنه ارتقى بالعامية، إلى مصاف الفصحى.
ونختتم بصلاح فايز القائل بأنه لو لم يظهر مرسي جميل عزيز في حياتنا، لخسرنا ثلث، بل أكثر من ثلث تراثنا الغنائي.