الهمّامي .. شاعر تونسي مأخوذ بهاجس المكان

الشاعر التونسي عبدالعزيز الهمامي يتوج بأفضل ديوان شعر (مناصفةً) ضمن مسابقات مؤسسة عبدالعزيز سعود البابطين الثقافية.
الشاعر لا يرتجي غير استعادة الأمل والقول بالنشيد في نواحه الخافت مثل ناي قديم
ُدّي يَدَيْكِ اِلَيَّ وَانْتَظِرِي/ مِنّي حَدِيثَ المَاءِ لِلشَّجَـرِ/ حَتّى اِذَا جَنَّ المَسَاءُ/ دَعِي عُيُونَكِ تَقْتَفِي أَثَرِي

مسيرة من الشعر مفعمة بالسفر العميق في شواسع الشعر توقا وذوقا وهياما حيث القيروان نبع الحروف وأصولت ناي في شجن محفوف بالنوستالجيا والبهجة الكامنة في التواريخ والأمكنة. وهل ثمة أمكنة خارج عطورها المعنونة بالتواريخ. هكذا هي القصيدة لديه. هو الطفل الحالم البهي الصموت المتأمل القادم من معاني الشعر العالية التي منها البراءة الأولى.
هذا هو شاعرنا الجميل الطيب الوديع والمشغول بالكلمات، في حضرة القيروان وما جاورها من مدن الرفعة والوجع والآفاق المحلوم بها، يكتب شعره لا يرتجي غير استعادة الأمل والقول بالنشيد في نواحه الخافت مثل ناي قديم. 
بعد هذه العقود من الشعر وشؤونه وشجونه يأتي التتويج؛ الشاعر القيرواني التونسي العربي الكوني عبدالعزيز الهمامي يتوج هذه الأيام من خلال فوزه بالمركز الأول عن أفضل ديوان شعر ضمن مسابقات مؤسسة عبدالعزيز البابطين الثقافية وذلك عن ديوانه "هديل الغيمة"، وذلك مناصفة مع الشاعر المصري عبدالله الشوربجي.
يكتب الشاعر عبدالعزيز الهمامي منذ السبعينيات في القرن الماضي، وصدرت له عدة مجموعات شعرية منها "أبجدية الماء والرّمل"، و"مسافات غامضة"، و"هديل الغيمة"، وهو إعلامي كانت له تجربة مهنية مع وكالة تونس إفريقيا للأنباء والصباح والعمل، كما أنه نشر نصوصه ومقالاته وأشعاره بعدد من المنابر منها الصحف والمجلات، ويساهم ضمن أسرة التحرير بمجلة "القوافي" الصادرة عن بيت الشعر بالشارقة.  
ومن نصوصه الجديدة هذا القصيد بعنوان "ضباب على النّافذة" حيث يقول:  
"مُدّي يَدَيْكِ اِلَيَّ وَانْتَظِرِي/ مِنّي حَدِيثَ المَاءِ لِلشَّجَـرِ/ حَتّى اِذَا جَنَّ المَسَاءُ/ دَعِي عُيُونَكِ تَقْتَفِي أَثَرِي/ أَنْتِ البِلاَدُ/ وَأَنْتِ مَنْ أَحْبَبْتُهَا/ وَعَشِقْتُهَا مِنْ أَوَّلِ النَّظَـرِ/ وَرَسَمْتُهَا بِدَفَاتِرِي/ حُلْمًا يَجُولُ بِخَاطِرِ القَمَـرِ/ هَاتِي يَدَيْكِ اِلَى يَدِي/ وَتَنَاثَرِي دِفْئًا/ يُشَكِّلُ بَاقَةَ السَّمَـرِ/ لِلْأَرْضِ رَائِحَةُ الصَّهِيلِ/ وَلِلرِّيَاحِ نَبِيـذُهَا/ وَالجُدْبُ يُولَدُ مِنْ هَشِيمِ الوَقْتِ/ فَازْدَهِرِي عَبَقًا مِنَ الفِرْدَوْسِ/ بَيْنَ مَفَاصِلِ الحَجَـرِ/ هَذَا الرّبِيعُ يَعُودُ ثَانِيَةً/ عَلَى فَمِهِ مَوَاعِيدُ السَّحَابِ وَشَهْـوَةُ المَـطـرِ/ وَأَنَا عَلَى كَفِّ المَسَافَةِ طَائِرٌ/ أَرِثُ النُّجُومَ الخُضْرَ /فِي سَفَـرِي/ وَأَرَى السَّمَاءَ قَصِيـدَةً/ مَأْهُولَةً بالضَّوْءِ وَالصُّوَرِ/ لَكِنَّ طَيْفِي قَدْ يُبَاغِتُنِي/ بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ/ فَلاَ طَيْـرٌ يَشُـقُّ مَـدَايَ/ لاَعَزْفٌ عَلَى وَتَرِي/ حَطَبٌ هِيَ الأَيَّامُ/ فِي زَهْوِي وَفِي ضَجَـرِي/ وَلِعَادِيَاتِ الصُّبْحِ هَذَا القَـفْـرُ فِي زَمَنٍ/ بِلاَ غُصْنٍ وَلاَ ثَـمَـرِ/ كُونِي الدَّلِيـلَ/ لِكَيْ أَضُمَّ البَرْقَ/ بَيْنَ أَصَابِعِـي/ وَأَرَاكِ مِثْلَ المَوْجِ/ فِي مَدّي وَفِي زَجَـرِي(.......) مُرّي بِذَاكِرَةِ النّعِيـمِ/ لِكَيْ أَلُوذَ بِمُبْتَغَايَ/ وَأَرْتَدِي رِيشَ الصّبَاحِ/ وَأَحْتَفِي بِسَعَادَةِ البَشَـرِ ".

لقد اهتم النقاد والأعلام بشعر الهمامي، ومن ذلك ما جاء في دراسة عن ديوانه للباحث والناقد والأديب رياض خليف حيث يقول "... يواصل عبدالعزيز الهمامي رحلته الشعرية، حاملا ميلا وانتصارا للقصيدة العمودية التي تمثل النسبة الأكبر من رصيده الشعري مشرعا قصائده على مصراعيها على القيروان، متخذا منها قطب شعره مهووسا بها مثل عشرات الشعراء القيروانيين المنخرطين في كتابة ديوانها المفتوح، لذلك كنت متأكدا قبل تسلم الكتاب والاطلاع عليه أن القيروان لن تغيب عنه؛ وهو ما لاح من خلال تتبع السمة الأبرز في هذا العمل، وهي سمة المكان التي تكمن في عتبات الكتاب وفي قصائده…"
... كذلك "... تكشف عتبات الكتاب في مجملها أن الشاعر مأخوذ في هذا العمل بهاجس المكان، وتوحي بأن قصائده ستدور في هذا الفلك. وهذا ليس غريبا عن الشعر الوجداني الذي يحافظ على الصلة بين النص والواقع ويهيم في مجالات على صلة بالذات الشاعرة وعواطفها، ويحلق بين الشخوص والأماكن التي تجمعه بها عاطفة خاصة. ولعل فحص هذه العتبات يمضي بنا أكثر في القول بأن هاجس المكان يستبد بالشاعر، فالعنوان الرئيسي يحمل لفظة مسافات الواردة في صيغة الجمع التي تنتمي إلى معجم المكان، وهي تحيل إلى الطول والشساعة والتشعب، ولعل النعت الذي ألحق بها يجعل علاقة الشاعر بالمكان يكتنفها الغموض والتوتر والحيرة، فالعنوان يحمل سمات علاقة مشقة ومعاناة بين الشاعر والمكان…".
شاعر ومسيرة وتتويج ودرب في عوالم الشعر برؤية وتصور ونظرة الهمامي الشاعر والإنسان.