بارزاني ينطلق بحكومة الخبرات من رحم التوافق

الجيل الثالث من السياسيين الأكراد يصل إلى الحكم.

ما إن يقع بصر أحدنا، للوهلة الأولى، على قائمة الأسماء لحكومة كُردستان، حتى نشعر إن زمناً جديداً قد حلّ بكُردستان.

القائمة توحي، وتؤشر، كم إنّ ذاك الشاب، والذي يسمى بمسرور بارزاني، قد تعب مع الفرقاء الذين هم من بيئاتٍ مصلحية، أو خطٍ سياسيّ مختلف، حتى استطاع إنجاز حكومة قد نالت رضا الناس، أقصد شارع كُردستان قبل ثقة البرلمان، حتى قبل المهلة الممنوحة له.

قائمة قد تخلو من الوزراء الذين اعتاد عليهم الناس؛ ثمّة أسماءٌ جديدةٌ، وشابة تشي بثقل الخبرة، تظهر على السطح في زمنٍ ظن البعض إنّ زمن كُردستان قد تراجع.

ولا يخفي على أحد العوامل التي مكّنت كاك مسرور من إنجاز قائمة بأسماء من رحم التوافق، فهي أسماء مثقلة بالخبرات، حتى يمكن أن نسميها "حكومة تكنوقراط". هذه العوامل هي:

- الدور الذي لعبه الرئيس مسعود بارزاني، واستثمار ثقله وعلاقاته وتعامله الذي حفه التواضع مع النصر الذي حققه حزب الديمقراطي في المحطتين الديمقراطيتين؛ انتخابات برلمان العراق، حيث كان أولاً على مستوى الأحزاب والتكتلات في العراق، وانتخابات برلمان إقليم كُردستان.

- انطلاق كاك مسرور بارزاني بروحية رجل الدولة المسؤول، وتجاوزه للحساسيات البينية المحليّة والتي قد فرزتها أوضاع العراق وتجاذباته؛ وتعامله المباشر مع الحدث الأبرز وهو تعزيز العمارة الديمقراطية من خلال فلك التوافق والذي هو ضرورة كُردستانية وعراقية وحتى حاجة المنطقة بشكل عام، فضلاً عن إنّ الإسلوب الذي اتخذه بارزاني في مشاوراته مع القوى والأحزاب، وهو إسلوبٌ دبلوماسي تفاوضي جديد، أي التشاور مع حزبه كما هو ليس حزبه وثم مع الشريك الأساس وبين الأمرين تعامله مع الكل القوي الضعيف بميزان الصالح العام.

- العامل الثالث، وهو العامل وإن كان تقنياً وضرورياً للحكم، إلا انّه مهم للغاية: أختيار كاك مسرور لطاقم عمل داخلي، أسميه "جنودا مجهولين". هذا الطاقم البعض منهم معروفٌ بخبرته في العلاقات، والبعض منهم يملك حرفة العلاقات العامة، وثقافة التواصل وأهميته. مدير مكتبه من الشخصيات الإستشارية والعملياتية المهمة، فضلاً إنّ كاك شعبان على وصف البعض على انه يده اليمين إلّا إنّ الرجل ميّسر الزمن ويختصر الصعوبات. اختيار كاك شعبان اعتقد أتى لأجل تحقيق الطموح الكامل في بلورة وتعزيز مكانة الحكم في مجال التكافؤ الفرص الاجتماعي والسير في طريق حلحلة العقْد حيناً، ووضع لبنات للرفاه الاجتماعي في وسط الزحمة حيناً آخر. انّه رجل الدولة بامتياز، هذا فضلاً عن اختيار الزميل وكاك نورالدين ويسي، صاحب الخبرة والمؤسس لحيز الإعلام الحر المستقل، قبل أن يكون مديراً في قناة كُردستان24، كان قد أسس مع زملاءٍ له قناة روداو. هو أكاديمي وخريج أكاديميات بريطانية اختصاص الإعلام والتواصل المجتمعي. وبين كل هذا ترك كندا واستقرّ في كُردستان ليوظّف ما يملكه للصالح العام الكُردستاني.

وبين الشخصين الذين أفنيا جزءاً كبيراً من عمريهما ليكونا قريبين لتطلعات الناس وتطلعاتهم، هناك كوادر أخرى مهمّة.

والحق، وأنا أتابع تطورات بناء الحكم في كُردستان، أرى إنّ ما تم انجازه اليوم، هو لغاية من الأهمية ليس لأنّ الجيل الثالث من القيادة النضالية الكُرديّة بدأ للتو رسم ملامح شعبٍ ذاق المشقات خلال عمرهم، إنّما قيادة، تقل عندهم فرصة العيش في حياة عادية يسخّر كاك مسرور جل وقته لأجل أمن ناسهم وتأمين حياةٍ سعيدةٍ وكريمةٍ بحكم موقعه الوظيفي والتزاماته تجاه جده الراحل وأباه الذي يرى الكُرد فيه مرجعية قومية، وتجاه الكُردستانيين، وأقصد هنا الكل الذي يعيش على أرض كُردستان وعلى ظهر جبالها والتي ما لبثت وتحولت من كونها مقراً للثورات الكُرديّة إلى كونها بيئاتٍ سياحيةٍ تغلب من يرتادها من السواح العرب والكُرد معاً.

بقي القول، إنّ كُردستان مقبلة على مسار الإستقرار، ويبدو إنّ الناس يسيرون على التأسيس لأنفسهم في ظل حكم الشاب الذي فطم على النضال القومي والديمقراطي من عائلة لا مصلحة لها غير الحياة الحرة الكريمة للناس عبر تمتعهم بحقوقهم الطبيعية الموثقة في العهود والمواثيق الأمميّة.

مبروك كاك مسرور، مبروك لناس كُردستان.