"بيست سيلر" يرصد الفصام بين دولتي الكتابة في مصر

سامح فايز يرى أن الحديث عن أي تحولات تشهدها مرحلة ما يجب أن يتوازى مع قراءة أيديولوجية لهذه المرحلة.
الكاتب يرصد أن الرواية رغم ما تحققه من مقروئية عالية نسبيا إلا أن طبعتها لا تتجاوز ألف نسخة، وتنخفض الطبعات في أغلب دور النشر إلى خمسمائة نسخ
الكتاب يحلل الظاهرة موضحا زيف النتائج المترتبة عليها، فالأدباء المنتمون لدولة الأدب الحقيقي قد لا يعرفهم أحد

يرى الكاتب المصري سامح فايز في كتابه "البيست سيلر .. حكايات عن القراءة" الصادر مؤخرا بالقاهرة عن الدار المصرية اللبنانية، أن الحديث عن أي تحولات تشهدها مرحلة ما يجب أن يتوازى مع قراءة أيديولوجية لهذه المرحلة، ويذهب إلى أن ارتباك المشهد المصري بعد ثورة يناير 2011 دفع دور النشر الكبرى إلى تقليص عدد إصداراتها إلى أقل من الثلث، وهو ما أوجد فراغا حاولت أن تملأه دور نشر جديدة كادت تقتصر على النشر للشباب وركزت على أدب الرعب والخيال العلمي، وهو ما وجد إقبالا من القراء الشباب فلمع عدد من الكتاب الجدد، مما دفع دور النشر الكبرى إلى الاتجاه لهم حينما استعادت نشاطها بعدما استقر المشهد المصري نسبيا، وقد حققت أعمالهم مبيعات ضخمة لكن وبحسب الكتّاب "فعلى الرغم من النجاح التجاري الذي حققته كتب البيست سيلر فإن الصحافة تجاهلتهم تماما وكانت تذكرهم عرضا باعتبارهم ظواهر ستنتهي سريعا، لكن الظاهرة التي شاعت مع ارتفاع حجم مستخدمي الإنترنت في مصر أظهرت دولة أخرى للأدب والقراءة خارج الفضاءالرسمي الذي يعتني به النقاد ووسائل الإعلام في حين راهن الكتاب الجدد على قوة السوشيال ميديا”.
هذا التجاهل لم يغير من الأمر شيئا، فما حدث أن تلك الظاهرة أصبحت واقعا لا يمكن تجاوزه، كما يذهب سامح فايز إلى أن الإنترنت والسوشيال ميديا لم تكن المؤثر الوحيد على كتاب هذا الجيال من الشباب، فما اصطلح على تسميته بالصحوة الإسلامية كان مؤثرا آخر لا يقل عن الإنترنت في درجة تأثيره على تكوينهم، فترددت في أحاديثهم مصطلحات مثل الأدب الرسالي ولم يتجاوزوا تابوهات السياسة والجنس والدين، ويُرجع الكاتب تفسير ذلك إلى تمرد طال الأدب كما طال الوطن كله، لكنه تمرد  تصدره شباب لم تتجاوز معارف معظمهم حدود كتب ميكي وأعمال نبيل فاروق وأحمد خالد توفيق.
القارىء كاتبا
يرصد الكاتب أن الرواية رغم ما تحققه من مقروئية عالية نسبيا إلا أن طبعتها لا تتجاوز ألف نسخة، وتنخفض الطبعات في أغلب دور النشر إلى خمسمائة نسخة، فهل تُعبر هذه الأرقام عن حقيقة مشهد القراءة في مصر؟ وهل ما تعانيه صناعة النشر في مصر من ضعف ناجم عن تدني معدلات القراءة؟
الكتاب يؤكد على عدم صحة ذلك، مشيرا إلى نتائج دراسة أجريت عن موقع جود ريدز كشفت عن أن مصر من أكثر دول العالم استخداما للموقع، ومدللا  بأن الإقبال الكبير على إصدارات مكتبة الأسرة التي كانت تنفد آلاف النسخ منها خلال أيام، ويذهب إلى أن عام 2005 كان عاما فارقا في هذا الأمر، فقد شهد تأسيس أول دار نشر في القاهرة بدأت كمنتدى أدبي على شبكة الإنترنت، وحملت نفس اسم الموقع،  وقد حول هذا الموقع والمواقع الشبيهة آلاف القراء إلى كتاب، فقد أتاحت لهم فرصة نشر ما يكتبون فتحولت تلقائيا وربما دون قصد إلى ورش لتعليم الكتابة، وحققت حلم النشر بقدر كبير، فقد كشفت تجربتها عن قدرتها الكبيرة على الترويج، فالكاتب الذي كان يكابد ليصل إلى عشرات القراء أمكنه الوصول من خلال تلك المواقع إلى الملايين، كما أنه خلال العام نفسه وبحسب دراسة أجراها المجلس الأعلى للثقافة وصل عدد المدونات الإلكترونية إلى مائة وخمسين ألف مدونة، لكن هذه الطفرات لم يستفد منها صانع الكتاب الأصلي، فقد تسببت في ظهور سوق مواز اعتمد على تزوير وقرصنة الكتب، فقد أشار تقرير حالة القراءة في مصر إلى طباعة عشرين مليون نسخة من نحو ثلاثين ألف عنوان صدرت في مصر عام 2016، أي بمتوسط كتاب لكل خمسة مواطنين، وهو متوسط لا تعبر عنه مبيعات دور النشر المصرية، وهذا يعني سيطرة السوق الموازي على معدلات البيع.

مثلث صناعة النجم
يلمح الكاتب إلى ظاهرة أخرى مستشرية تتمثل في وجود دولتين للأدباء، واحدة رسمية يعرفها النقاد ويؤطرون لها، والثانية لا يعرفها النقاد لكن القراء الجدد يعرفونها جيدا، وصنعوا من كتابها نجوما، وهي صناعة أجادها البعض وتعتمد على ثلاثة أشياء أولها قوائم البيست سيلر أو الأكثر مبيعا، وهي قوائم غالبا غير حقيقية، فدور النشر تتلاعب بها وتضع فيها عناوينَ لم يشترها أحد، كما تتلاعب بعض دور النشر بأعداد الطبعات، فإذا طبعت من الكتاب مائة نسخة في كل طبعة، فإن مائة طبعة تعني إصدار عشرة آلاف نسخة وهو ما كان يصدر سابقا في طبعتين فقط، وثانيها "أولتراس الأدباء" أو الجروبات التي أتاحها الفيس بوك، ولعبت دورا كبيرا في الترويج للكتاب بما يعكس علاقاتهم في السوشيال ميديا وليس القيمة الحقيقية لما يكتبون، وثالث أضلاع المثلث يتمثل في تزوير الكتب، فعندما تصيب الشهرة كاتبا ما تسارع بعض دور النشر الصغيرة إلى طباعة كتبه بشكل غير شرعي، وكأن تزوير الكتاب دليلا على نجاحه لكن البعض استغلها للترويج لنفسه، فامتلأت الأرصفة بكتب مزورة لأدباء مغمورين لكن طرحها كذلك قد يخدع فئة من القراء فيقبلون عليها باعتبار صاحبها مشهورا.
هكذا يحلل الكتاب الظاهرة موضحا زيف النتائج المترتبة عليها، فالأدباء المنتمون لدولة الأدب الحقيقي قد لا يعرفهم أحد، بينما من يجيدون فن صناعة النجم يحققون شهرة ومقروئية، بل يمتد تأثيرهم إلى ما هو أكثر من ذلك بأن يكتب قراؤهم بنفس طريقتهم، فيخرج من رحمهم كتاب يشبهونهم خرجوا من رحم ثقافة مغايرة تنتمي إلى الدعاة الجدد وسطوة الصحوة الدينية التي برزت في الربع الأخير من القرن العشرين، فنصبح إزاء موج قادم سوف يزيح ما يعترض سبيله ليؤسس دولته، فما شهدته سوق النشر في مصر منذ عام 2011 ليس بعيدا عن تراكمات العقود الأربعة الأخيرة.
ويستمر الكتاب في رصد حالة الفصام بين دولتي الكتابة في مصر فيشير لرواج كتب السيرة الذاتية في نفس الوقت الذي يجد فيه أدب الرعب إقبالا كبيرا، وقد فسر البعض رواج أدب الرعب بأن الكاتب والقارىء يقهران مخاوفهما على الورق، بالهروب لواقع أكثر ألما فيخفف وطأة ما يواجهونه يوميا، تماما كما حدث في الولايات المتحدة عقب الكساد الكبير في ثلاثينيات القرن العشرين. (وكالة الصحافة العربية)