تركيا والحنين إلى الماضي الاستعماري

طريف أن يقف بعض العرب على أبواب تركيا طلبا للرضا، في حين تقف أنقرة تنتظر الرضا من الأوروبيين.

تحاول تركيا العودة إلى الشرق حيث محيطها وتاريخها علها تعيد أمجادها "العثمانية" بعد أن رفض الاتحاد الأوروبي قبولها بالانضمام إليه. ترى لماذا يفعل الغرب ذلك؟ لقد وَسَّعَت الدولة العثمانية رُقعة العالَم الإسلامي لأوَّل مرة في تاريخ الإسلام، حيث فتحتْ أقطارًا أوروبيَّة، وأسقطت الإمبراطوريَّة البيزنطية التي كانت لَطمةً كبرى للغرب، واعتبروا هذا الفتحَ الإسلامي للقسطنطينية بدايةَ العصر الحديث، وأحيا العثمانيون عصرَ الفتوحات الإسلامية الكبرى بعدَ تشرذم دام ردحا من الزمن. ومَيْزَة الفتوحات العثمانيَّة أنَّ الذين قاموا بها أتراكٌ مسلِمون، وليسوا عربًا. ما جعل الدول المسيحية تقيم الدنيا ولا تقعدها فرحا وطربا عند وفاة السلطان محمَّد الفاتح العثماني، كما احتفلتِ احتفالاً بليغًا بظُهُور مصطفى كمال أتاتورك، وألَّفتْ في حقه العديد من الكتب. وإمعانا من تركيا الحديثة في الابتعاد عن العرب الذين حكمتهم لما يزيد عن أربعة قرون واستنزفت خيراتهم وبنت أمجادها على حسابهم، تخلت تركيا الحديثة عن الكتابة بالأحرف العربية العام 1928. وهي أول بلد إسلامي يعترف بالكيان الصهيوني وكانت في مقدمة دول العالم التي اعترفت بقيام ذلك الإخطبوط على أرض فلسطين كما أنها كانت الحليف الأقرب للكيان الصهيوني ومن خلفه حلف الناتو وإحدى مرتكزاته في الشرق الأوسط. 

تقدم تركيا أوراق اعتمادها لدى الغرب الذي رفضها في عضويته’ وتحاول لعب دور مهم لها في وطننا العربي وكأنها تقول للغرب نحن هنا، وهذه منطقة نفوذي وتأثيري. والمأساة أن الكثير من شعبنا العربي لا يزال يحلم بدولة الخلافة المزعومة التي كل همها أن تكون عضوا تابعا في الاتحاد الأوروبي. لقد خسرت تركيا ورقة قبرص، وتواجه موقفا ضعيفا من خلال المعارضة الفرنسية والتحفظ الألماني، بخصوص انضمامها للاتحاد الأوروبي، فإن التوجه لدول الجوار أضحى الأبرز، بموازاة مع التقارب على محور أنقرة-واشنطن.

اعتبر الدكتور جون إيف كامو الخبير الدولي والباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، أن تركيا ليست قوة إقليمية ولكنها قوة صاعدة دوليا. وحاليا أضحت أقرب إلى المحور الأميركي وسياسات حلف الناتو، مشيرا إلى أن تصعيد اللهجة التركية مع إسرائيل لا يعتبر قطيعة بقدر ما يعتبر محاولة لإسماع صوتها وإبراز دورها الهام في الترتيبات المقبلة للمنطقة.

يجب ''التأكيد على أن تركيا قوة صاعدة على المستوى الدولي لا الإقليمي فحسب، وتمتلك عدة مزايا ونقاط قوة تجعلها تتموقع مستقبلا، منها قوة اقتصادها الذي يظل صاعدا، واستقرارها السياسي، وبعد أن اقتنعت بأن أوروبا أغلقت الأبواب أمامها، نسجت محاور وتحالفات جديدة ودعمتها''، حيث اقتنعت أنقرة بضرورة التحول إلى الأجنبي القريب.

وأوضح أن ''التغيرات السياسية في العالم العربي وعدم الاستقرار الذي ينجر عنه سيدعم أكثـر موقع تركيا في المنطقة، والشرط الأساسي كان هو تشديد اللهجة وإظهار نوع من التجاذب مع إسرائيل، وهذا لا يعني إحداث قطيعة ما''. ويشير الخبير الدولي في نفس السياق إلى ''تشديد اللهجة ضد إسرائيل يجعل تركيا طرفا فاعلا يسمع له ويؤخذ له حساب، خاصة في أوساط الرأي العام العربي. أما بالنسبة لعلاقات تركيا مع إيران فإنها دائما تتسم بالتعقيد، ولكن يجب التأكيد على أن تركيا لن تغضب الغرب للاصطفاف والتحيز لإيران في أي أزمة قادمة. ترى هل ستصبح كلا من قطر وتركيا يوما ما ملعبا للأحداث؟ أما إيران، على الحدود الشرقية، فهي مستاءة جداً للسماح تركيا بإقامة رادار أميركي على أراضيها، كجزء من نظام الدفاع الصاروخي لحلف شمال الأطلسي. وبدون شك أنه ليس موجها إلى روسيا بل إلى إيران وكل من يحاول أن يتمرد على الغرب وتعطيل مصالحهم."

لقد فقد القوميون العرب بوفاة عبدالناصر خير سند لهم فالرجل حاول جهده في توحيد الأمة لكن الغرب لم يتركه وشأنه فكانت أزمة السويس ومحاولة قتله من قبل الإخوان المسلمين، وظهور الشعوبيين في سوريا ما أدى إلى ضرب أول محاولة لتوحيد الأمة في العصر الحديث وحرب العام 1967 وأخيرا المجازر ضد المقاومين الفلسطينيين في أيلول الأسود والتي أصابت عبدالناصر في مقتله. ومن ذلك الحين لم تقم للعرب قائمة.

إلى متى نستجدي الفرس والترك لتحرير مقدساتنا التي ترزح تحت الاحتلال، أو لم نكن يوما ما أفضل منهم علما وقوة وثروة وشجاعة وحكمة ودهاء؟

إلى متى سنبقى ساحة مفتوحة لصراع الآخرين ومصالحهم على وطننا وأين مصالحنا نحن؟

هل ستكون القضية الفلسطينية هي الشغل الشاغل للثورات العربية بعد استقرارها؟ فهي المحرك للحميّة الإسلامية والمشاعر القومية، وإذا ما أراد الغرب تحقيق احتواء ايجابي يحفظ مصالحه ومواقعه الإستراتيجية بالمنطقة فإن عليه واجب كبح جماح الأطماع الاستيطانية لحليفه الصهيوني في أراضي الضفة الغربية، والتسليم بما أجمع عليه المجتمع الدولي بحق الفلسطينيين في دولة لهم، حدها الأدنى الذي وافق عليه الكل وهو الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967 والقدس عاصمة لها، وإيجاد حلٍّ عادلٍ لقضية اللاجئين الفلسطينيين والخاص بحق العودة.