تشكيل الوعي بمخاطبة اللاوعي طريق نجاة مجتمعاتنا العربية

تحتاج المجتمعات العربية أن تعود إلى أيقاعها الهادئ لتلتقط أنفاسها بعد سنوات ومن الاضطراب.

ما بين الوعي واللاوعي مسافة هي نفسها التي بين اليقظة والنوم، أو الغفلة، وفق الاستخدام، سواء النفسي أو المجتمعي أو السياسي، لاختيار طريقة علاج للمشكلات المستهدفة بالبحث للعلاج والحل.

لجوء علماء النفس إلى مخاطبة اللاوعي لتشكيل وعي حقيقي للإنسان، غيَّر الكثير من نظريات العلاج النفسي لدى أطباء الميدان العلاجي، فاستطاعوا علاج كثير من مرضى الفصام. فاستخدام التنويم المغناطيسي هو عملية مخاطبة اللاوعي لدى المريض للتأثير في وعيه الحقيقي. وسياسيًا أيضًا يمكن إسقاط هذه النظرية على الإنسان لعلاج الفصام السياسي الذي يعيشه المواطن العربي منذ نحو عقدين، وزاده "الربيع العبري". فالمواطن العربي يتعامل مع مشكلاته اليومية على طريقة مشجعي فرق كرة القدم، بالمكايدة اللا عقلية، وليس التفكير وفق معطيات الموضوع.

وبالطريقة نفسها، وجدنا من خلال المشاهدة أنَّ الأنظمة الأكثر وعيًا هي التي تشجع القوى الناعمة لبث فنونها إلى اللاوعي العام لشعوبها، فكانت مسارح الشارع، والعروض الشعبية الجماهيرية التي تتواصل مع الناس مباشرة، لإتاحة فرجة نفسية لديهم، فتخرج كل الطاقات السلبية خلال العرض، فيشعر الناس بالسلام النفسي الداخلي فيكون الشارع آمنًا.

وكذلك الأمر نفسه سواء في دور العبادة أو المسرح، فالأماكن التي يتفاعل معها الإنسان سواء بالبكاء أو الضحك، يصل من خلالها إلى حالة من الطهر النفسي ومن ثم السلوك الفطري السوي الخالي من العنف.

كثير من طرق العلاج السياسي للمشكلات المجتمعية يكون بمخاطبة اللاوعي لدى الشعوب، وهنا تكون الطريقة الأكثر سلمية، والأنفع على المدى الطويل لتكوين وعي أجيال متتابعة تعيد تشكيل المشهد الاجتماعي.

الحكومات التي تختار مسرح الشارع والترفيه لشعوبها تجنب نفسها مواجهة كثير من المشكلات التي يكون من الصعب علاج جذورها المعلومة، لكن لأن الجذور تكون قد تشعبت وتشكلت شجرًا كثيفًا.

في المجتمع المصري مثلاً، كانت الخريطة الإذاعية التي تبدأ في إذاعة القاهرة، تبدأ في السادسة صباحًا بالقرآن الكريم لمدة نصف ساعة، وبعده خمس دقائق من التفسير بصوت أحد العلماء الهادئين، وبعده، وبعده، وبعده، إلى أن تصل إلى وقت خروج أغلب الموظفين والعاملين من بيوتهم على أغنية "بالسلامة يا حبيبي بالسلامة..."، وتتواصل البرامج التي شكلت وجدان الشعب المصري على مدى عقود، وحَّدت هذا الوجدان، ولم تطفُ المشكلات على السطح إلا حينما تغيرات الخريطة الإذاعية والدرامية، وظهرت أفلام البلطجة والعنف واستخدام الأسلحة البيضاء، وذلك كان مواكبة لما يمكن أن يطلق عليه "الربيع العبري"، الذي واجهته مصر وعدد من البلدان العربية، ولا تزال تدفع ثمنًا باهظًا من أمنها واستقرارها وسلامها المجتمعي والنفسي حتى الآن.

من هنا، كان اختيار المملكة العربية السعودية استحداث هيئة للترفيه، واستقدام القوى الناعمة التي تشكل وجدان شعبها في الآن وتهيئته للمستقبل أيضًا، هذا الترفيه المدروس هو الذي يمتص نمط العنف الشعبي الذي نراه في المجتمعات التي تم تغييب الفنون والقوى الناعمة الراقية عنها عمدًا، لأن لا أحد عاقل يتجاهل أنماط القوى الناعمة تمامًا، لأنها صمام الأمان لأي دولة تعي تمامًا أن مخاطبة اللاوعي هو منتهى الوعي، الذي من خلاله تنشأ أجيال من دون عنف.