علي الجاسم يوثّق بالريشة والقلم 70 مسجداً في العالم

أول باحث كويتي يقوم بمثل هذه المهمة التوثيقية في رصد تطور المساجد المصاحب لتطور المدينة التي فيها، ومدى الاهتمام أو الإهمال المصاحب لكل حقبة تاريخية مرّت ببيوت الله.
عمارة المساجد مرآة لحضارة كل عصر
حلمي تأسيس مركز عالمي لصد الإهمال بالمساجد

دبي - حصيلة جهد سبع سنوات من الكتابة والرسم التشكيلي، نال كتاب "عمائر الإيمان" دعماً مادياً ومعنوياً من قبل مركز البحوث والدراسات الكويتية والمجلس الوطني للثقافة والفنون، وتم تخصيص ريع الكتاب لصالح صندوق إعانة المرضى.
مؤلفه علي حسين الجاسم زار 70 دولة ليوثق بالقلم والريشة المساجد القديمة التي صادفها، ومنها الحرمين الشريفين، وغيرهما الكثير من المساجد في العالم، ليكون بذلك أول كويتي يضطلع بهكذا مهمة توثيقية، رصد خلالها تطور المساجد الذي يعكس على جدرانه تطور المدينة التي فيها، ومدى الاهتمام أو الإهمال المصاحب لكل حقبة تاريخية مرّت بهذه المساجد، بدأ الرحلة بمسجد الرسول، ولا يزال مشواره البحثي مستمراً.
يقول الفنان على حسين الجاسم: "أشعر وأنا في داخل المساجد القديمة بخشوع يسكن قلبي ويأسر عقلي، وأنا أتأمل جمال البناء، وكيف أبدعته أيادي المسلمين الأوائل، فناً وزخرفة وهندسة عكست حبهم الأصيل للفن والجمال. فلم يكن تطور عمارة المسجد عبر التاريخ الإسلامي الطويل من بساطة شكله المربع أو المستطيل الذي كان عليه مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم في المدينة المنورة إلى تلك الصروح العظيمة والطرز الفنية المتنوعة إلا تعبير عن إبداع الإنسان المسلم الذي كان حلقة الاتصال بين عقيدة التوحيد الخالصة ومعطيات علوم وفنون الحضارات السابقة والأمصار التي فتحها المسلمون فازدهرت تلك الأبنية باعتبارها الأمكنة المقدسة الذي اهتم بها المسلمون تقربا إلى الله تعالى وتعبدا. مما دفعني الى عمل كتيبي الأول تحت عنوان 'عمارة المساجد... رؤية في منهج الفن الإسلامي' والتي تمت طباعته في جمهورية مصر العربية عام 2009 من ضمن إصدارات المجلس الأعلى العالمي للدعوة والإغاثة".

عمائر الايمان
مادة تأريخية تثري المكتبة العربية

ويوضح الجاسم أن البداية كانت في رسم مساجد الكويت القديمة في ملحق جريدة القبس الكويتية عام 1987 بزاوية أسبوعية وبعد تحرير الكويت عام 1990 من الاحتلال العراقي زاد الاهتمام بمساجد الكويت القديمة حين تولت الأمانة العامة للأوقاف شأن إعادة ترميم 50 مسجداً تراثياً في مختلف مناطق الكويت تتراوح فترة بنائها بين القرن الثامن عشر والنصف الأول من القرن العشرين ليبدأ مشروع التأهيل بعد عام 1995 لمساجد الكويت القديمة التي صنّفت من أهم الآثار العمرانية التي لم تطلها معاول الهدم وعمليات البناء العمراني الحديث بالتعاون مع منظمة اليونسكو، فخطر ببالي أن أجمع ما رسمته بالألوان المائية عن مساجد الكويت القديمة التراثية في كتيب مع نبذة موجزة عن تاريخ بناء المسجد فكان ماتم حين تبنى امر طباعة الكتيب (مساجدنا الجميلة) عام 2011 مركز البحوث والدراسات الكويتية التابع لمجلس الوزراء، وبعد ذلك تم التعاون مع المركز نفسه بترجمة الكتيب مع التوسع في رسومات المساجد التراثية مع زيادة مساحة الكتابة عنها وعن عمارة المسجد في الإسلام ليتم اصدار الكتاب تحت عنوان "our ".beautiful masajed
ويضيف: "أحببت المساجد الإسلامية، خصوصاً العتيقة منها، وكنت أشد السفر والترحال إليها مهما بعدت المسافة، فزرت الأشهر والأبرز والأجمل منها قاصداً زيارتها والوقوف على جمالها المعماري، وذلك لما وجدت من جمال بنائها وزخرفتها تعزيزاً لقيم الفن والجمال التي أصبحنا بحاجة إليها، خصوصاً عندما صارت بعض المساجد الحديثة قوالب من الإسمنت المسلح الذي يعلو بنيانه دون زينة أو جمال!! واضعاً في نصب عيني أمر تقديمها في موسوعة مصغرة أو سجل تشكيلي بريشة الألوان المائية، فحمدت الله أن أنجزت بعد سنوات كتابي الرابع 'عمائر الايمان' الصادر عام 2016 والذي اجتهدت أن أقدمه في أبهى صورة  ممكنة، حيث كان الكتاب حصيلة جهد سبع سنوات من الكتابة والرسم التشكيلي. نال الكتاب دعم مادي ومعنوي من قبل مركز البحوث والدراسات الكويتية والمجلس الوطني للثقافة والفنون، وتم تخصيص ريع الكتاب  لصالح صندوق إعانة المرضي".
ولمزيد من التوثيق الدقيق، يقول الجاسم: "بتوفيق الله تعالى زرت ما يزيد عن 100 دولة، وكان دافعي لزيارة تلك البلدان الاطلاع على مساجدها العتيقة وكنت أحرص على أخذ المعلومات اللازمة، إلا أنَّ وللأسف الشديد لا توجد في أغلب البلدان التي زرتها إرشادات لازمة، أو معلومات متوفرة لكل سائح يجول بمساجدها، بل العجيب أنه لا يوجد اهتمام بصيانة المساجد أو ترميمها، وهو ما زادني همة إلى إنجاز كتاب عمائر الإيمان ليكون دليلاً نافعاً بحول الله حول تلك المساجد".

كنت أشد السفر والترحال إليها مهما بعدت المسافة، فزرت الأشهر والأبرز والأجمل منها قاصداً زيارتها والوقوف على جمالها المعماري

يضيف الجاسم عن الصعوبات التي صادفته خلال إعداد الكتاب: "لقد واجهت صعوبة في الكتابة عن المساجد، فإلى جانب ندرة الكتاب العربي حول المساجد التاريخية، أيضاً عملية التوثيق، كما بينت انفا ليست بذلك الطموح وهو ما أخر الكتاب عن وقت صدوره فكان اغلب الوقت اقضيه لرصد كل معلومة سواء كانت بكتاب او بجريدة او بموقع واحيانا أقوم بترجمة ما كتب الى العربي للاستفادة بشكل اكبر وهذا ما ميز الكتاب بفضل الله تعالى ان مراجعه ومصادره كانت عديدة".
جاء الاهتمام برسم المساجد الإسلامية والكتابة عنها من منطلق أن التاريخ لم يحظ للأسف برعاية تامة من قبل المسلمين أنفسهم، فأغلب ما كان يتم توثيقه عن المسجد في العهود الإسلامية إلى حين منتصف عهد الدولة العثمانية يتعلق بأمر وقف المسجد دون ذكر تفاصيل بناء المسجد وأسس عمارته.. والتغييرات التي تمت على شكله المعماري عبر التاريخ. 
ويقول الجاسم: "العجيب أن الدكتور حسين مؤنس حينما طلب مني الكتابة عن المساجد الإسلامية ذكر في مقدمة كتابه الصادر من المجلس الوطني للثقافة والفنون بدولة الكويت أن المراجع الإسلامية في شأن تاريخ المساجد قليلة جداً، وأنه استند إلى ما كتب عن المساجد ما وثقته الحملة الفرنسية عن مساجد مصر. الأمر الذي زادني حماسة إلى توثيق مساجد العالم الإسلامي في زمن هدمت حروبنا الحديثة (سوريا، العراق، اليمن، لبنان، فلسطين) بكافة معطياتها وأسبابها إلى تدمير المساجد التاريخية وهو ما زاد  الأمر نكبة وحسرة حين هدمت المساجد، إما بجهل أبناء المسلمين أو بغيظ أعدائهم في ظل تفرج العالم الذي لم يتحرك لنجدة التراث الإنساني. الامر الذي يدعونا جميعاً إلى حماية مساجدنا من العبث والتدمير والتدنيس والتزوير، باعتبارها سجلاً قائماً لتاريخ حضارتنا الإسلامية، آمل  بكل حب ورجاء أن أنشئ يوماً مركزاً عالمياً للمساجد يكون من أهدافه العديدة الحفاظ على المساجد كحقيقة تاريخية وكمعلومة ثقافية تقدم للأجيال القادمة فن العمارة الإسلامية، سائلا الله تعالى التوفيق والسداد".