جماهير كرة القدم التونسية تنتفض بالغناء على الأوضاع المتردية

 أغنيتا 'يا حياتنا' و'كورتاج الموت' لمشجعي النادي الافريقي والنجم الساحلي تكتسحان مواقع التواصل وتتطرقان الى مواضيع آنية وحارقة وقضايا هزت الرأي العام في بلد 'ثورة الياسمين'.

تونس - خطفت أغنية جديدة تحمل اسم "يا حياتنا" أنظار وإعجاب رواد مواقع التواصل الاجتماعي في تونس باعتبارها تطرقت الى مواضيع آنية وحارقة وقضايا هزت الرأي العام في بلد "ثورة الياسمين" مما يسلط الضوء على تأثير الأغاني الرياضية على وجدان الشعوب العربية.ولطالما تصطدم اغاني المشجعين في الملاعب بانتقادات كثيرة  لانها وفقا للبعض سطحية ولا تحمل رسالة.
نشرت مجموعة 'أفريكان وينرز' أغنية جديدة بعنوان "يا حياتنا" لا تتحدث عن كرة القدم فقط بل تحمل أبعادا سياسية واقتصادية واجتماعية.
حققت الأغنية التي حملت توقيع المشجعين للنادي الافريقي التونسي في   يوتيوب وفيسبوك مشاهدات قياسية منذ اليوم الأول لأصدراها وفي اقل من 24 ساعة.
وتحدثت الأغنية عن قضايا وكوراث وفواجع هزت التونسيين في الفترة الأخيرة على غرار غرق الطفلة الصغيرة مها القضقاضي التي جرفتها السيول أثناء عودتها من المدرسة ووفاة مشجع الإفريقي عمر العبيدي وفاجعة حادثة عمدون التي راح ضحيتها 30 شابا وشابة وحوادث وفاة عاملات فلاحيات وغرق الشباب الباحث عن الهجرة في البحار في رحلة الموت.
وتطرقت الأغنية أيضا إلى انتشار الفساد والرشوة والمخدرات في صفوف الفئات المهمشة والفقيرة والعاطلة عن العمل.
ومن كلمات الأغنية "يا جدادنا جينا لحفرة سماوهلنا بلادنا ..حفرة ما نعيشو فيها كيما أندادنا.. نحبو نخليو عيشة هانية لولادنا.. يعيشوا غرامهم في لفيراج كيما اعتدنا.
وحسادنا كمشة جبورة يحبو يجيبوها أسيادنا ..حسدونا في غرامنا وهلكولنا ستادنا.. يحبو يقاومونا و ما عرفوش عنادنا.. فيراج نحاربوا عليه ونفكو بلادنا".
يا حياتنا عيشتنا إلي خترناها هاذي حياتنا.. هاذي دنيتنا إلي فيها حكاياتنا.. هوني لقرحا هوني نحاربوا على خواتنا ..و إلي ماتوا ديما عايشين بيناتنا.
غناياتنا علفريقي والربحة إلي زهاتنا.. عالحرية و البلاد إلي نساتنا ..علمضلومين و الدولة إلي خلاتنا.. عالحق إلي يبقى رقبة بناتنا..
والحالة سرقة وغورة و هوما يحبو لحصانة.. في كل دورة لحاكم رشوة وجعالة.. شحال من حومة عايشة تهميش وبطالة.. ناس مقهورة صارت زطلة وسكارى.

ولاقت "يا حياتنا" صدى كبيرا بين جماهير الافريقي وبقية الاندية داخل وخارج تونس الى درجة أن البعض اعتبرها ستحقق نجاحا قياسيا وستهدد عرش أغنية الرجاء البيضاوي "في بلادي ظلموني".
وتتمتع الأغنية المغربية "في بلادي ظلموني" بشعبية جارفة في دول المغرب العربي وقد قامت مجموعة من الفنانين التونسيين بإعادة غنائها وتوزيعها ليتم ترديدها بكثافة في الملاعب التونسية.
و"يا حياتنا" ليست الأغنية الوحيدة التي سلطت الضوء على هموم وأوجاع التونسيين بل سبقتها أغنية "كورتاج الموت" لجماهير النجم الساحلي التي اكتسحت بدورها تونس والعالم العربي.
وتساءل متابعون "هل هي انتفاضة جديدة تنطلق من جماهير كرة القدم التونسية هذه المرة بسبب الاوضاع المتردية"؟ وقال بعضهم بنبرة تهكمية "الرياضة لم تعد أفيون الشعوب".
وتفاقم حجم الفقر في تونس وازدادت حدّته بالرغم من محاولات الحكومات المتعاقبة الحدّ من تغوله ومكافحة أسبابه العميقة، إلا أن عدد الفقراء في البلاد في تزايد متواصل، إذ تجاوز مليونا وسبعة مائة ألف تونسي، بحسب الإحصائيات الرسمية.
وأفادت وزارة الشؤون الاجتماعية أن نسبة الفقر في تونس تقدّر حاليّا بـ15.2 بالمائة.
تحتل محافظة القيروان، وسط البلاد، بحسب نتائج الإحصاء، المرتبة الأولى في نسبة الفقر بـ34.9 بالمائة ونسبة الفقر المدقع بـ10.3 بالمائة، فيما تأتي محافظة القصرين في المرتبة الثانية بنسبة الفقر بـ32.8 بالمائة وبـ10.2 بالمائة نسبة الفقر المدقع.
أما محافظة سيدي بوزيد، مهد الثورة، فاحتلت المرتبة السابعة بـ31.7 بالمائة من نسبة الفقر وبـ4.1 بالمائة بالنسبة للفقر المدقع.
وتعدّ محافظات تونس العاصمة وأريانة شمالها الأقل فقراً والأفضل حالاً، وتعدّ المحافظات الساحلية شمال البلاد ووسطها أفضل من حيث المؤشرات مقارنة بالمحافظات الداخلية وجنوب البلاد.
على خلاف ما كان ينتظره التونسيون من ثورة كانت أهدافها تحقيق توازن اجتماعي وتنمية عادلة، يزداد الفقراء فقرا والأغنياء غنى.
ويعدّ الفقر والعوز أحد أبرز العناوين التي قامت ضدها الثورة التونسية التي طالبت النظام القائم زمن حكم بن علي بالشغل والحرية والكرامة، لتخرج جحافل المتظاهرين من رحم محافظات تعاني من الفقر والتهميش والبطالة وانعدام التنمية مطالبة بإسقاط النظام وقتها وبحقها في التنمية والعدالة الاجتماعية.
وحذرت دراسات من اتساع رقعة الفوارق الاجتماعية في تونس خلال السنوات الماضية وزيادة نسبة ثراء طبقة معينة مقابل ارتفاع معدل الفقر والبطالة لعموم الشعب التونسي.
وأصبح التوازن الاجتماعي والاقتصادي حبرا على ورق مع تشكل وضع جديد على انقاض مفهوم الطبقة الوسطى التي راهنت عليها دولة الاستقلال منذ ستينات القرن الماضي.
وعكست احتجاجات اجتماعية شهدتها تونس في السنوات الأخيرة حالة من الغضب الشعبي جراء غياب العدالة الاجتماعية وتباين توزيع التنمية في الجهات وانتشار مناطق واحياء فقيرة تحولت الى جيوب للفقر والتهميش.
ونخر الفساد معظم القطاعات الحيوية في تونس، وتحول التهريب والاقتصاد الموازي والتهرب الضريبي الى كوابيس تؤرق الحكومات المتعاقبة ولا تجد مخرجا لها.
وخلال السنوات الماضية بدت تونس مفتوحة على مشهد اقتصادي مشوه يقفز على اي التزام قانوني وأخلاقي.
 يشدد خبراء التنمية الاجتماعية على ضرورة إرساء سياسات اجتماعية عادلة بين الجهات وبين الفئات تقوم على أساس منوال تنموي جديد يقطع مع الاقتصاد الموازي والانفلات الضريبي ويركز على المشاريع الصغرى التي تحقق طموحات الشباب الفئة المحورية والهامة في المجتمع التونسي.