حين تسكننا الموسيقى

إيناس جلال الدين تواصل نشر سلسلة كتبها عن أعلام الموسيقى العربية والغناء.
أستاذ آلة الكمان كان يوزع الموسيقي التي يؤلفها الموسيقار محمد عبدالوهاب وسواه من الملحنين في العصر الحديث
الظاهري اهتم بتعلم الموسيقى والعزف على آلة الكمان. ودرس التأليف الموسيقي على يد أستاذ بولندي

تواصل الدكتورة إيناس جلال الدين نشر سلسلة كتبها عن أعلام الموسيقى العربية والغناء في مصر، فبعد أن نشرت كتابها الأول في هذه السلسة عن الموسيقار علي إسماعيل تصدر عن دار النشر ذاتها التي تحمل اسم "يسطرون" كتابها الثاني عن الموزع الموسيقي الأشهر فؤاد الظاهري الذي جمع بين روح الشرق وعلم الغرب في معادلة كان لها أثرها في تطوير الموسيقى العربية، سواء في التوزيع الموسيقي أو في التلحين للأغاني أو في المقطوعات الموسيقية التي كان يؤلفها الموسيقار محمد عبدالوهاب وسواه من الملحنين في العصر الحديث.
وفؤاد الظاهري من مواليد القاهرة، وهو ابن "حي الظاهر" الشهير في عام 1916، درس في مدرسة "الفرير" حتى نال شهادة الكفاءة، وتعرف في هذه المدرسة على أستاذ الكورال قسطندي الخوري، الذي كان له أكبر الأثر في احتضان موهبته الفنية وتنميتها.
وفؤاد الظاهري اسمه الحقيقي فؤاد كرايبت باتوسيان، وهو من أصل أرميني، وأمه من أصل مصري لبناني. وهكذا ترى أن الظاهري جمع بين ثلاث جنسيات في شخصه.
 وقد اهتم بتعلم الموسيقى والعزف على آلة الكمان. ودرس التأليف الموسيقي على يد أستاذ بولندي هو ألكسندر كونتروفيتشي، ودرس أصول الهارموني والكونتربوينت على يد الأستاذ كوستاكي، ونبغ في الثقافة الموسيقية إلى درجة أنه ترجم موسوعة فنسان دندي التي تتناول أسرار الموسيقي العالمية، وتحلل أعمال كبار مؤلفي الموسيقى في العالم. 
وقد بدأ الظاهري نشاطه الموسيقي منذ العام 1940 مازجًا بين العمل والدراسة حتى عام 1952 حيث تفرغ للعمل مع الفرق الموسيقية المختلفة. 
وتدرج في العمل المرتبط بالموسيقى والغناء منذ العام 1946، فكان أستاذًا للغناء الجماعي بالمعهد العالي للفنون المسرحية. وفي 1947 قاد الأوركسترا وسجل ستًا وثلاثين قطعة موسيقية من الألحان العالمية الراقصة لتُغنى باللغة العربية في إذاعة الشرق الأدنى، فكان من أوائل الموسيقيين الذين أسهموا في تعريب الأوبريتات العالمية.

المؤلفة جمعت بين التعريف بالمؤلف الموسيقي وتحليل بعض الأعمال التي أنتجها تحليلًا علميًا، وقد أضافت في مؤخرة الكتاب ملحقًا قدمت فيه نموذج لصفحات من النوتة الموسيقية لفؤاد الظاهري، بغرض إفادة دارسي الموسيقى مما قدمه هذا الفنان الراحل

وفي 1948 عمل بمعهد الموسيقى العربية أستاذًا لآلة الكمان، وقام بتدريس الغناء والعزف الجماعي.
 وفي عام 1950 عمل مدربًا للأصوات الجديدة في الإذاعة المصرية، وكانت من تلاميذه المطربة نجاة الصغيرة. ثم انتدب للعمل بدار الأوبرا في عام 1952 في اللجنة الموسيقية العليا التي أسسها أحمد شفيق أبو عوف.
وكان للإذاعة دور مهم في حياة فؤاد الظاهري، فقد أعطته الفرصة لقيادة الأوركسترا، والتأليف لأول فرقة موسيقية من خريجي المعاهد الموسيقية وكان اسمها "فرقة الفجر" التي كانت تقدم الموسيقي العربية التقليدية.
وحينما أصبح الفنان محمد حسن الشجاعي مراقبًا للموسيقى والغناء في الإذاعة المصرية عام 1953، وهو المعروف بتشجيعه للموسيقيين الجدد والدارسين، فقد أتاح الفرصة لفؤاد الظاهري لتقديم العديد من أعماله، ومنها: "فانتازيا القانون"، و"أوركسترا" وهو عمل عزفه الفنان عبدالفتاح منسي، ويتألف من حركتين.
وفي 1964 أكمل الحركة الثالثة وقام بعزفها الفنان سيد رجب، ثم كتب أعمالًا منها: "صورة موسيقية"، "أصداء موسيقية"، "9 متتاليات مصرية" بناها على ألحان شعبية، "نداء الحرية"، "أسطورة وفاء النيل"، "أسطورة إيزيس وأوزيريس"، "تحطيم الأغلال"، "الأرض الثائرة".
ومن أهم الموسيقيين الذين وزَّع لهم الظاهري بعض ألحانهم نذكر: محمد عبدالوهاب، الذي وزع له لحن "القمح الليلة"، ومحمد القصبجي، الذي وزع له "أنا قلبي دليلي"، وفريد الأطرش، ووزع له لحن "حبيب العمر"، ومحمد فوزي، ووزع له لحن "يوم سعيد". 
وكذلك قام بتوزيع ألحان للشيخ سيد درويش في مختارات من "أوبريت شهرزاد" و"أوبريت كليوباترا"، ولداود حسني وزع: "الحلو نام"، و"يا ليلة بيضا"، والشيخ زكريا أحمد الذي وزع له "يا حلاوة الدنيا".
كما وزع "موسيقى المماليك" و"موكب النور" و"حبيبي الأسمر" لمحمد عبدالوهاب، ولأحمد صدقي وزع أوبريت "ليلة من ألف ليلة"، كما وزع اللحن المميز لإذاعة صوت العرب "أمجاد يا عرب أمجاد"، ولبليغ حمدي وزع أغنية "تخنوه" التي غناها عبدالحليم حافظ، ووزع لرياض السنباطي أغنية "لحن الوفاء"، كما كتب موسيقى مسرحية "سليمان الحلبي" التي مثلت على خشبة المسرح القومي من إخراج عبدالرحيم الزرقاني، وكان له دور كبير في توزيع موسيقى كثير من الأفلام السينمائية، كما كتب الموسيقى للكثير من الأفلام الروائية المصرية. 
وله أكثر من ثلاثين عملًا موسيقيًا بين الأوبريت والمتتابعات الموسيقية والأغاني.
وقد تميز أسلوب فؤاد الظاهري بقدرته على دمج جمال وحلاوة وأسرار الموسيقى العربية مع أساليب وتقنيات الموسيقى الغربية من خلال دراسته للفنون وعلم الموسيقى على يد الأساتذة المتخصصين. 
ومن أفلامه الأخيرة "طائر الليل الحزين" الذي أخرجه يحيى العلمي، وحصل على جائزة عن موسيقاه لهذا الفيلم من جمعية نقاد السينما عام 1977، كما حصل على جائزة عن موسيقاه لفيلم "الرجل الذي فقد ذاكرته مرتين" عام 1983، وقبل ذلك حصل على جائزة عن موسيقاه لفيلم "رد قلبي" إخراج عزالدين ذو الفقار سنة 1959. وحصل أيضًا على جائزة عن موسيقاه لفيلم "الزوجة الثانية" من إخراج صلاح أبو سيف، وعلى جائزة "نقاد الصحافة والسينما" عن الموسيقى التصويرية للفيلم التسجيلي "الصدى"، بينما نال أيضًا جائزة وزارة الثقافة عن موسيقاه لفيلم "وفاء النيل" في مجال التأليف الموسيقي البحت.

أعلام الموسيقى
نداء الحرية

ومن أهم الموسيقيين الذين درسوا على يد فؤاد الظاهري: عبدالحليم نويرة، إبراهيم حجاج، رفعت جرانة، عطية شرارة، كمال الطويل، عبدالعظيم عبدالحق، نجاة الصغيرة، أميرة كامل، عبدالعظيم محمد.
وقد غادر الدنيا في في أول أكتوبر/تشرين الأول من عام 1988، مخلفًا وراءه تراثًا موسيقيًا ضخمًا يذكره من يهتم بفنون المسرح والسينما والموسيقى.
وتحرص الدكتورة إيناس جلال الدين على أن تقدم لقراء هذا الكتاب تحليلًا لعدد من الأفلام التي كتب موسيقاها ووزعها فؤاد الظاهري ومنها: "القاهرة 30" بطولة سعاد حسني وأحمد مظهر وحمدي أحمد إنتاج 1966 عن قصة نجيب محفوظ، وقد تضمن عملها تحليل موسيقى "تتر" الفيلم ومكونات أجزاء العمل في التتر، ثم تحليل النسيج الموسيقي للفيلم والتلوين الأوركسترالي والتوظيف الآلي للعمل في استخدام الآلات الوترية من تشيللو وكونترباص وآلات النفخ الخشبية من فلوت وأوبوا وكلارينت، وآلات النفخ النحاسية والآلات الإيقاعية، حتى تصل إلى النتائج التي تستخلصها من التحليل. 
كما تناولت فيلم "الحب الضائع" عن قصة الدكتور طه حسين وإخراج هنري بركات وبطولة: رشدي أباظة وسعاد حسني وزبيدة ثروت، وهو من إنتاج 1970.
وهكذا جمعت المؤلفة بين التعريف بالمؤلف الموسيقي وتحليل بعض الأعمال التي أنتجها تحليلًا علميًا، وقد أضافت في مؤخرة الكتاب ملحقًا قدمت فيه نموذج لصفحات من النوتة الموسيقية لفؤاد الظاهري، بغرض إفادة دارسي الموسيقى مما قدمه هذا الفنان الراحل.