خالد نصار يتجاوز المكان إلى الإنسان

خالد نصار من الأسماء المهمة في المشهد التشكيلي الفلسطيني والتي ظهرت في السنوات الأخيرة، بل قد يكون من أهمها.
صوت الفنان الذاتي ينبثق من سيرورة التاريخ الوطني
العلاقة ما بين الفنان ومنجزه كعلاقته بقضيته من داخل خطوط التماس

خالد نصار من الأسماء المهمة في المشهد التشكيلي الفلسطيني والتي ظهرت في السنوات الأخيرة، بل قد يكون من أهمها، فرغم أن ولادته فنياً كانت صدفة فإنه استطاع أن يخط لنفسه مساراً رسمه بيده في فترة وجيزة نسبياً، فتراءى له جسارة السلالة الإبداعية من خلال حديث أمه له بأنه سيصل، لا بد أن يصل، فنراه منذ البدء يوظف الهم الوطني الفلسطيني في جلّ أعماله دون أي اغتراب عن روح المكان.
صوت خالد الذاتي ينبثق من سيرورة التاريخ الوطني، فتكاد أعماله تكون لسان حال الآخر الغارق في تجربته بملامح تتبلور في مناخاته، باستعادة الإنتباه إلى ما هو مهمش كشهادة حية تؤطر حياة الذاكرة العامة لتكشف شروط إنعاش الآمال بقصد تسمية الأشياء بأسمائها، ولهذا الإقتراب من تجربة نصار سالك ويمنحك المفاتيح الكثيرة بلمسة حميمية، فنصار بداية يضع التمرد جانباً ولا يمارسه إلا عند اللزوم، ولهذا يكسر الصمت عبر محاكاته الإيجابية، فيبتدع مجالاً قد يكون جديداً في جانب ما، فيحرر عليها لغته التي هي بسعة الحياة والتي هي حصيلة قبضه لطموحاته الكثيرة على صعيد محاورته لتأملاته تلك الملتصقة بوجود الإنسان، فضلاً أنه يدغدغ أفقا كونيا كإسهامه في بلورة صيانة حرية الإنسان مع استكشافه لأبعاد موغلة في التاريخ. 

هذا يجعله يتجاوز المكان إلى الإنسان، وبالتالي يجعله ينهض واعياً ويستقي أشكاله من التجريب كجزء من عملية البحث عن عمل مغاير عن السائد، عمل ينطق بالمنظومة المعرفية للفنان مما يجعله يطرق باب - إن لم نقل أبواب - التجريب بتقنيات تنفتح في مستويات الزمن دون أن يقيد نصار نفسه بمرحلة معينة، وبذلك يوفر لنفسه القدرة العالية في السعي نحو إنتاج أعمال ستكون أمثلة لإدراك الشروط القاسية التي ستقفز به إلى خلف الحدود، فمما لا شك فيه أنه يحقق مساراً متأنقاً فيه تتحول دعوة الخروج لديه من صمت إلى فعل يتناوب في إقامة حكاياته التي تنزوي في كل ركن من أركان البلاد.
نصار يستخدم ميزة تخصيص الإيقاع وفق نبضه الآني، فقد يكون بطيئاً في بعض الأعمال وقد يكون متسارعاً في بعضها الآخر، فهو يمضي بحقيقة آماله التي تسيطر على ذاكرته والتي هي جزء من الذاكرة الشعبية دون أي لبس، يمضي بآماله تلك إلى الخريطة الفنية التي رسمها الفنان لنفسه في اتجاهاتها المختلفة، فهو فيها يقارب - وبموضوعية - أبعاد العلاقة ما بين الإنسان والأرض، فلا غرابة أن يحفل مجمل أعمال نصار بنوافذ مفتوحة على الذاكرة الوطنية بمفهومها الواسع، ولهذا - ولكي لا يقع في المباشرة في بعض الأحيان - يتجاهل كثيراً من المفاهيم الدارجة، وبحذر جميل يكتفي بالإقتراب من الفلسفة الجمعية دون أن يتجاهل فلسفته الخاصة والتي تشكل بؤرة عملية الخلق لديه.

ومن الواضح جداً أن العلاقة ما بين نصار ومنجزه هي كعلاقته بقضيته من داخل خطوط التماس، ولهذا لا يحتاج إلى مشاركة أية مبادرة أخرى فهو الذي يخلق صورة حقيقية لبلاده في ذاكرة أعماله، ولهذا من المفيد أن نأخذ في الإعتبار بأن نصار يملك زمام خلق سياق لتفعيل الذاكرة وتفجيرها بغضب لا بيأس، وهنا ولسوء حظ نصار ومجايليه بأن الأسماء تتيه في زحمة البراكين الكثيرة المتفجرة في كل خطوط الشرق.