دولة المخابرات تضطر إلى نبذ عقيدة التخفي عن الجزائريين

الجنرالات المحاطون بالغموض والحكايات والاساطير احيانا، بدأوا بالظهور علنا في تطور يبشر بخروجهم من القلاع الحصينة الى الفضاء العام.
المخابرات بدأت بـ"المالغ" الذي يحارب الفرنسيين ثم تعلمت من "كي جي بي" وانتهت الى صناعة الرؤساء

ستحتفظ الذاكرة البصرية للجزائريين لأول مرة إن لم نقل بأندر ظهور، صورة وشكلا، لقائدين ساميين بجهاز الإستخبارات الخاصة بالمؤسسة العسكرية في حفل انتظم بمناسبة تنصيبهما على رأس كل من مديرية الأمن الداخلي والخارجي، اللوائين عبد الغني راشدي وجمال كحال، وقبله بأيام وأثناء حفل تقليد الرتب العسكرية نقله التلفزيون الجزائري كاملا، تعرف الرأي العام على أحد أهم الضباط الكبار حداد عبد القادر، طبقت سمعته الآفاق، وجلجلت شدته وهو يتقدم صفوف القتال والنار والحديد والظلام حتى لقب بـ "ناصر الجن"، لشراسته وقوته وهو يحارب الإرهاب.. ستبقى تلك اللقطات راسخة ومحفورة كلحظة تاريخية، ولفتة، وسنة جديدة بدأ العسكر في تقديم ملامحها ولو بحسابات تراعي الدقة في إختيار المناسبات، وبخطوات بطيئة محسوبة بذكاء قد تتحول مع الأيام إلى أمر جد عادي، فهؤلاء القادة هم في النهاية بشر من لحم ودم وعظم، ولهم صوت وصورة وعائلة وأصدقاء ومحن وأحزان وأفراح وحتى معنى لوجودهم، وليس كما يقال ويشاع أنهم أشباح ووحوش كاسرة وشداد غلاظ.
بعد عقود من التخفي والظلال والتواري، ظهر هؤلاء أمام الرأي العام والخاص وبانت سحناتهم، ووضعوا حدا للبحث المضني والشقي عن صور ولو قديمة للقادة السامين للأمن الجزائري وبالأخص العسكري منه، حيث تعج وتتدفق في الوسائط سواء في الإعلام المرئي وفي شبكات التواصل الإجتماعي وفي غيرها، يتدفق كمّ هائل من الصور الملفقة والمغشوشة والمزورة والمركبة والبعيدة كل البعد عن الحقيقة، كما هو الحال مع الصورة التي كان يضعها لسنوات طويلة أحد الضباط المفصولين من السلك العسكري لإفشاءه  ما يقال أنها أسرار خاصة وهو حاليا متواجد بالخارج، قلت كان يظهر في تسجيلاته الحية صورة مفبركة مؤكدا دوما أنها لأحد القادة الكبار الذين تمت ترقيتهم مؤخرا، وهي في الحقيقة صورة لإطار يشتغل في وزارة الشؤون الدينية، وقد عانى هذا الأخير الكثير من الإحراج ليس فقط في محيط عمله بل حتى في محيط أسرته ومعارفه، وعمد هذا الضابط مرة أخرى وتمادى في غيه وإفتراءاته وكذبه وبهتانه وتلفيقاته، ففي تسجيل له، زعم أن مدير الأمن الخارجي الجديد عبد الغني راشدي أتصل به عن طريق أحد معاونيه ليعرض عليه حلفا أو ما يشبهه في مقابل التركيز وتوجيه سهامه إلى أحد الضباط الكبار، والأدهى فيما قاله أن هذه الجهة زودته بصور هذا الأخير، وبالرجوع إلى حقيقتها فهي مجتزأة من تغطية خاصة قام بها التلفزيون الجزائري لأحد المراسيم والأنشطة العسكرية، وهي ليست صور هذا الضابط إطلاقا، وقد كان لكاتب هذه السطور فرصة الجلوس إلى هذه الشخصية والتعرف عليه عن قرب قبل حوالي شهر أو أكثر.

لو قُدر وتحولت بعض بطولات المخابرات ايام الاستعمار الى دراما لنسينا تماما مسلسل رأفت الهجان

تعود حكاية رجال الخفاء إلى فترة الثورة، فعندما أندلعت، رأى قادتها أنه من الضروري إنشاء جهاز سري يرافقها، عرف إختصارا بالمالغ أي وزارة التسليح والاتصالات العامة، يتقصى ويجمع ويفرز المعلومات صغيرة وكبيرة، وعهد بالأمر إلى المجاهد الراحل عبدالحفيظ بوصوف الذي كون جيلا من رجال ونساء داخل هذا الكيان، أخفى حقيقة بعضهم، وأرسل بعضهم إلى التدريب والتكوين والتعليم، ووضع آخرين في قلب المواجهة مع الإستعمار الفرنسي، خلق بهم ومعهم درعا قويا أستندت إليه الثورة ومكنّها من الإنتصار وإحراز العديد من البطولات في خضم القتال والصراع، بفضل ما كان يقدم لها وتتلقاه من معلومات في الحين والآن، طازجة، وقيمة، ودقيقة عن العدو سواء عند الفرنسيين أو عند الموالين لها من الجزائريين. 
كانت إنتصارات جهاز المخابرات في تلك الفترة حبيسة الكتمان والسر والعهود المقدسة بعدم إفشاء تفاصيل العمل الجبار الذي قام به رجاله، كتب القليل منها، وبعضها ما زال مغلف بالصمت ومعلب ومحفوظ في الأرشيف القابع في مكاتب وزارة الدفاع، حتى أن السيناتور الحالي دحو ولد قابلية أحد عناصر الجهاز سابقا ورئيس جمعية قدماء المالغ، صرح في العديد من المرات أن ما فعله رجال المخابرات يفوق بكثير الخيال والواقع، ولو قدر وتحول بعض تلك البطولات إلى أفلام أو مسلسلات - والكلام دائما له - "لنسينا" تماما الجاسوس المصري الشهير رأفت الهجان.
حافظ الجهاز على خط واضح في تلك الفترة، لم يتم مراجعة أو محاسبة ما كان يقوم به، فالأوضاع آنذاك لم تكن تسمح إلا بما هو محدد كأهداف ومرامي لبلوغ الإستقلال حتى ولو لف الغموض والأسرار الكثير من الأحداث والوقائع.
بعد التحرر، كان يجب على الدولة والمؤسسة العسكرية ومعها الجهاز، أن يباشروا سلسلة تغيرات جذرية وعميقة في الأساليب والمناهج والطرق، فما كان يصلح أثناء الإستعمار لم يعد كذلك في فترة الإستقلال وبعده، أنصبت رؤية صانعي الجهاز حينها وارتبطت بخيارات الدولة التي انضوت تحت راية المعسكر الشرقي، وهو الإنضواء الذي جرّ المخابرات الجزائرية إلى الإرتماء في أحضان مدرسة الـ"كا جي بي" القاسية الشبيهة كما قال أحد كوادرها بــ"الوحش"، مخيفة وصارمة ومنضبطة، ويمكن عد رجالها أكثر الرجال غموضا وسرية في العالم، كانوا يفضلون العمل في الظلام حيث لا علاقة لهم بالأضواء الساطعة.
أنحبست ذهنية الجهاز، والذي عرف إختصارا بعد الإستقلال بإسم SM (الأمن العسكري)، في عرين ودهاليز مدرسة الـ "كا جي بي" وربى رجال الـ SM، شخصية قاسية، شديدة باردة ومرعبة، فمجرد ذكر إسم الجهاز أو اسم قائده الأبرز آنذاك قاصدي مرباح يسيل عرقا باردا إن لم نقل قاتلا لكل من تسول له نفسه معارضة النظام ولو بكلمة أو نهمة أو إشارة، وقد نسبت إليه العديد من الإغتيالات والتصفيات التي حدثت سواء في الداخل أو الخارج، وأسهمت هذه الأفعال في مد الجهاز بقوة ردع لا حدود لها وسيطر سيطرة مطلقة على البلاد.
منذ هاتيك اللحظات حمــّـل نفسه أو حملته أقدار التاريخ وصروفه، إلى ملعب كبير لعب فيه أدوارا كبرت وتعالت، وتموضع قويا ووحيدا يبني ويصنع بيديه القرارات المصيرية للبلاد أكانت خاطئة أو صائبة، وليس أدل على ذلك كما هو معروف فرض كل رؤساء الجزائر بدءا من بن بلة إلى بومدين إلى الشاذلي بن جديد إلى الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، ومهما أجتهدت الآراء والتحليلات في نزع صفة المقرر الفعلي عن العسكر والمخابرات، فإنها لا تغدو أن تكون مجرد ذر الرماد في العيون، فكل هؤلاء الرؤساء خرجوا من معطف العسكر أو بمباركة منهم.

عمار سعيداني كسر حاجز الصمت حول اقوى قادة المخابرات الفريق توفيق
عمار سعيداني كسر حاجز الصمت حول اقوى قادة المخابرات الفريق توفيق

ترنح الجهاز بين زمنين، زمن SM الأمن العسكري وقائده المخيف العقيد قاصدي مرباح، وزمن DRS دائرة الإستعلامات والأمن ورئيسها الأسطوري الفريق محمد مدين الملقب بتوفيق، لم تتغير أشياء جوهرية في بنية الجهاز ولا في وظائفه ولا في ذهنية رجاله، ظلت الصورة هي هي، صامتة مغلقة ومتوارية أكثر وأكثر خلف الستائر والحجب، وتكاد تجمع كل القراءات والتحاليل أن الجهاز في مرحلة هذا الأخير أستقل تماما عن الإطار العام للنظام والدولة، وأصبح يتصرف كأنه دولة وحده قائمة بذاتها أو كما علقت عبارة المشهورة: "دولة داخل دولة" في رؤوس العارفين والمطلعين ولم تعد تخفى على أحد، ونسي أو تناسى الفريق توفيق في لحظة فارقة أنه ينتمي للجيش مثله مثل أي ضابط كبير أو جندي ملزم بضوابط وأطر مسطرة بأحرف واضحة في القوانين والشرائع والنظام العسكري، ضربت على صورته هالة أسطورية لا تلمس أو يقترب منها، فبقدر ما كانت صورة قاصدي مرباح مرعبة لأسباب وسياقات مبررة ومعقولة ومفهومة آنذاك، فإن العكس حدث مع توفيق فقد قاربت صورته اللامعقول والخرافة ونسجت حوله الحكايا والروايات، وأي محاولة لفهم ما كان يدور برأسه ستستعصي ولا تصمد، فمن منع تداول صوره حيث تقلب الدنيا بمجرد أن يظهر طيفه على شاشة التلفزيون بل بلغ الأمر أن ألتقطت فقط صور لقفازه وبعض أوراقه ومحفظته أثناء إحدى الإجتماعات العليا لمجلس الأمن برئاسة الرئيس الراحل بوتفليقة، ناهيك عن إنزال كبير لقوى الأمن في إحدى دورات المعرض الدولي للكتاب لحجز كل النسخ المعروضة لمذكرات رئيس جهاز المخابرات الأميركية جورج تينيت يحكي فيها سنوات عمله، أورد فيها اسم توفيق عابرا، لا يتعدى ما قاله عنه السطرين.

إشارة عابرة الى الفريق توفيق لا تتعدى سطرين احتاجت إنزالا كبيرا لقوى الأمن في إحدى دورات معرض الكتاب

كل هذا جعل الكثيرين يعتقدون أن المخابرات أو DRS وقائدها ليسا جزء من الجيش، فحتى داخل هذا الأخير لا يعرف حجم المساحة التي يحتلها، ولا أحد بمقدروه تلمس ردة فعل قيادة الأركان حيال الأمر.. هل كان تصرف الجهاز تحت نظرهم أم خارج أسوارهم وقناعاتهم ورؤاهم؟.. هل كان توفيق حقا يملك كل هذه القوة والنفوذ لدرجة أنه سيطر على عقول كبار الضباط حتى ممن هم أكفأ منه وأذكى وأقدم خبرة وحتى أقوى منه بالمعنى العملي والكلاسيكي؟
المؤكد أن الحال لم يدم طويلا، وأتضح أن هذا الجدار السميك الذي أحاط بالفريق توفيق أو صنع له يمكن أن يتزعزع ويسقط وينهار ككتلة الرمل، وهو ما حصل بالفعل حيث جاءته الضربات من حيث لا أحد كان يتوقع أن تأتي، فمجرد إنسان بسيط كان يعمل في محطة بنزين، ويقال أنه كان طبالا في إحدى الفرق الموسيقية وتدرج في الهوامش والكواليس إلى أن تولى قيادة أكبر الأحزاب السياسية في البلاد.. اسمه عمار سعيداني، أمكنه في غفلة من الزمن أن يوجه سهاما قاتلة إلى من أعتبر لوقت طويل شخص لن يمس إطلاقا  ولا يرى، وتلك أيضا من صروف الأقدار الغريبة التي تصنع رجلا يطلع من المجهول والهامش، ويسقط من السماء، ويلعب دورا لافتا في مسار الأحداث يغيرها بدرجات، وإن أجمعت الآراء على أن سعيداني هذا لم يتحرك بدون ضمانات وحماية قصوى تكفل بها رجل بدأ يشق طريقه نحو البروز المتعاظم والذي سيمسك البلاد بيد من حديد وعلى كل شيء ومفصل وقع عليه في الجيش والدولة والنظام ونعني به الفريق قايد صالح.
لقد كان الهجوم المنسق لسعيداني على توفيق أشبه بالحلم المستحيل الذي يتحقق بعد عذاب وألم، فلا أحد على الأقل حتى تلك الفترة كان يصدق أن ينكشف في ساحة مفتوحة للعيان، وتنزع منه تلك القداسة التي حوطته وأبدته في علياء الحكم والقرار، ولا أحد كان يصدق أن يأتي اليوم الذي سيتعرض فيه إلى إنتقاد كاسح وتوجه إليه التهم وتلصق به.

الفريق قايد صالح كان يخطط لقصقصة الكثير من أجنحة الجنرال توفيق، وتتبع كل كبائره وصغائره
الفريق قايد صالح كان يخطط لقصقصة الكثير من أجنحة الجنرال توفيق، وتتبع كل كبائره وصغائره

في خضم هذا، كان الفريق قايد صالح يخطط لقصقصة الكثير من أجنحته، وتتبع كل كبائره وصغائره.. كان يتربص، ويقتنص الفرص وينفخ في أذن الرئيس الراحل بوتفليقة في جلسات خاصة، ينفخ في أذنيه ما اعتبره مناكر وأفعال يقترفها توفيق ومحيطه، ووصلت حربه العسيرة ضده إلى إسداء آوامر بغلق القاعة التي كان يمارس فيها الرياضة، إلى أن تم إسقاطه وإنهاء مهامه، أنتهت إلى سجنه لأسباب ما زالت حبيسة الأسرار والغموض، ثم إطلاق سراحه وعودته إلى بيته يترقب ويتابع.
حفل الجهاز في فترة الفريق توفيق بالكثير الكثير مما لا يمكن حصره من أفعال ومواقف، تدخل في كل شيء، تلونت سردياته بالمتناقضات والمفارقات والأخطاء والإنتصارات والإنكسارات، تراكمت حوله الإشارات والهمهمات والأقاويل والشائعات بعضها صحيح وبعضها مغرض وملفق ومقلق، وكبرت ككرة الثلج وتدحرجت حتى وصلت مــرّة في حلق شارع أنتفض عبر حراك مفاجئ عفوي ساخط يطالب برحيل النظام بكل مكوناته، وأستقرت الشعارات مناهضة له وتعددت، وعلّت الأصوات كل الأصوات ضده، وكان من بينها صوت خفوت بدا لأول مرة محتشما وكأنه يخرج من قمقم مرمي في هوة سحيقة، كان يردد "المخابرات إرهابية"، ثم ما لبث أن تصاعدت نبرته وحدته ضد الجهاز ورجالاته طوال أسابيع من عمر الحراك ليتعالى مرتفعا أكثر وأكثر، بلا هوادة أو خوف.
تلك الأصوات أو تلك الشعارات المرفوعة ضد المخابرات ما كان لها أن تكون بالأساس لو كان هناك في رأس قادتها شيء من الخيال يساعد على الحفر في أسباب السخط المتنامي عليها.. علاتها وخلفياتها، ومن يقف وراءها حقيقة؟ في إعتقادي أرتكن هؤلاء إلى حالة من الإطمئنان السعيد في قلاعهم المحصنة، كانوا ربما يرددون دعها تمر وأسكت عنها، ففي أيدينا كل شيء، ونحن من يصنع كل شيء: السلطة، الحياة اليومية، الأزمات، الحلول، عندما تبدأ البدايات وتنتهي النهايات، وهو ما عكسه الفريق توفيق طوال فترة ترؤسه للجهاز التي دامت أكثر من عشرين سنة ثبتت في إطار وحيد موحد، لم تتغير فيه حركاته وسكناته ونظراته، ولم تعرف خطواته المكررة وجهة أخرى غير نفس الممر الذي يؤدي دوما إلى مكتبه، ولم يغير فيه الهاتف الذي يعطي منه الآوامر النافذة.

لن تكون المخابرات مجرد كيان هلامي متخف بل سيكون متحررا من عبودية الأوهام وقواه الغامضة التي يحكم بها ويعتقد أنها تصلح ولا تصاب بالفشل

يمكن القول وبدون خلفيات مسبقة أن الجهاز كان في تلك الفترة أحد مكونات "الدولة العميقة" بكل إرثها الخفي ومخزونها المبني على الفساد والظلم والنهب وغيرها مما انكشف وبان خلال التحقيقات والمحاكمات، وأن إطلالة القائدين برأسيهما علنا هو رسالة قطع واضحة وفك إرتباط مأمول مع هذه الممارسات السابقة التي شكلت النظام، وأسهمت في بناء أعباء ثقيلة أستقرت على كاهل الجهاز ومن ورائه المؤسسة العسكرية، وهي أيضا إشارة قوية على الجاهزية القصوى لكوادر ونخب الجيش في وجه التهديدات المشتعلة على الحدود، وسوف لن تكون المخابرات مجرد كيان هلامي متخف يجهد الكل لمعرفة كيف هو شكل رجاله بل سيتقدمون الصفوف ويعبدون الطرق والمسارات إلى مستقبل واعد يكون فيه الجهاز متحرر من عبودية الأوهام وقواه الغامضة التي يحكم بها ويعتقد أنها تصلح ولا تصاب بالفشل والأعطاب، فالعالم متغير وسريع ومتقلب مربك لكل عقل ثابت متزمت تقليدي ومجمد. 
فهل ستمثل تلك اللقطات المتتالية للتلفزيون حيث ألقى الفريق أول شنقريحة كلمة أمام إطارات المخابرات.. هل ستمثل علامات مكثفة، ولحظات ستشق وتمحو بعض غبار متراكم على أبواب ونوافذ الجهاز، هل ستعطي الأمل لكوادره لكي يكونوا جنودا يفتخرون بالإنتماء إلى جهاز قوي ملك للشعب وحده وليس حكرا على عصب وجهات وقوى وأذرع، محترف، مهيب، متعدد، نافع، مثمر، يبتعد عن التفاهات المتصارعة والتجاذبات المريبة السخيفة بين كتل النظام والأحزاب موالية أو معارضة، ويلتحم بمجتمع يهفو إلى وقت تخرج بلاده من العتمات والتخلف وضياع الفرص والإنغلاق وغيرها من المظاهر المؤسفة؟ هل سينفتح أكثر على خيرة الكفاءات والنخب العالية المستوى في أي موقع ومكان، رجالا أو نساء.
أعتقد أن هذا ليس مستحيلا،  فصور عدسة الكاميرا وهي تلف وتدور بين الحاضرين أثناء مراسم تنصيب مدير الأمن الداخلي للإستخبارات اللواء جمال كحال، ألتقطت امرأة برتبة جنرال ترى وتستمع بإنتباه وتسجل ما يقوله قائدها الأعلى الفريق أول شنقريحة، وفي هذا دليل حي وحيوي على إمكانية تحقق هذا المستحيل والمضي إلى أبعد من ذلك. إلى رمزية عالية يجب أن تقال وتكتب وتثمن وتثرى وتزدحم بأكثر الأحلام الصعبة والآمال الذاهبة بخطى واثقة نحو المستقبل.
لا ندري هل تكلمت تلك السيدة/الجنرال وأعطت رأيها أم لا، ولكن المؤكد أن شيئا ما تغلغل في هذه الرمزية واحتواها، وهو لا محالة قادم يمكنه أن يغير تماما صورة الجهاز وعقيدته، ومعه صورة رجاله.