رمزية الأرقام والشخصيات في روايات وجدي الأهدل

روايتا 'أرض المؤامرات السعيدة' و'بلاد بلا سماء' لوجدي الأهدل تسلطان الضوء على تحولات يشهدها المجتمع اليمني وتحيلان الى مشاهد التسلط والرشوة والاغتصاب والخطف والموت.

الطفلة جليلة وهي شخصية رئيسية في رواية (أرض المؤامرات السعيدة) التي تدور الأحداث عنها وعن حياتها في الحديدة المحافظة اليمنية التي تشرف على البحر الأحمر والتي تشتهر ببساطة أهلها وطيبتهم والذين يميلون إلى السلم وحب الحياة ويشتغل أهلها في الزراعة وصيد السمك وكذلك تربية المواشي ورعيها في الجبال.
 فمن عادات أهل اليمن أن النساء هن من يقمن برعاية الأغنام والتنقل بها بين الأودية والجبال خلاف بعض البلدان العربية نجد أن الرجل هو من يقوم برعي الأغنام ونجد هذا في الحجاز وفي شمال الجزيرة العربية وهذا يعيدنا إلى حياة الرسول محمد عندما كان يرعى الاغنام في جبال مكة. 
واحتلت الغنم مكانة في حياة البشرية، وقد ذكر الغنم في القرآن في عدة مواضع نذكر منها قوله تعالى: وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين (الأنبياء: 78)، وقوله عز وجل: وما تلك بيمينك يا موسى، قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى (طه: 17 18).
واستحضار الغنم في رواية (أرض المؤامرات السعيدة) ليس حدثا اعتياديا او عابرا بل كان من الأحداث المهولة التي حركت رجال السلطة وكذلك الصحافة من أجل تقصي الحقيقة والبعض منها لتمطس الحقيقة وتحويرها بعد أن حكت جليلة ما قد حدث لها وهي ترعي بالاغنام في جبال تهامة "وخرجت أرعى أغنامنا، عددها ثلاثة وثلاثون، توجهت بها إلى الوادي لتشرب".
 ثلاثة وثلاثون غنمة كل ما تملكه الجليلة بل كل ما ورثته في حياتها. فعدد الغنمات ترمز إلى زمن السلطة التي تحكم اليمن لهذه الفترة الطويلة، وقد نالت السنوات برمزيتها في الرواية من حياة جليلة وقد تعرضت للاغتصاب من قبل شيخ قبلي له نفوذ في السلطة وتحميه أقلام صحفية مأجورة وخلفه طابور من رجال السلطة يقفون ضد كل من أراد النيل منه. 
فكان الدفاع عن الشيخ القبلي من قبل الصحفي مطهر فضل الذي لا يحمل من اسمه صفات الطاهرة ولا الفضل فقد نصب نفسه وقلمه للدفاع عن السلطة ورجال السلطة التي تدفع المال لمن يقف مع رجالها. 
فرمزية الأرقام والشخصيات هي لعبة وجدي الأهدل ومن خلالها نقرأ الوجوه وقد نعرف بعضها في الحياة الحقيقية ونصادفهم في الشارع ونصافحهم وكأن الأمر أصبح معتاداً. 
فأحداث رواية (أرض المؤامرات السعيدة) تعيدنا إلى أحداث رواية (بلاد بلا سماء) وهي نفس البلاد والأرض التي تدور فيها الأحداث والاغتصاب والاختلاف ولكن الأمكنة مختلفة والزمن هو نفس الزمن. 
فسماء هي شخصية رئيسية في الرواية تتعرض للتحرش الجنسي ومن ثم الاختطاف ولا أحد يعرف مصيرها فقبل خطفها تعرضت لكل انواع القمع عن طريق التحرش. 
ففي أعمال وجدي الأهدل نجد الرجل أكثر تسلطاً وقسوة على الأنثى وتظهر هذه الهيمنة الذكورية في أعماله بصورة واضحة وجلية بحيث يتضح لنا أن سبب مشاكل (أرض المؤامرات السعيدة) أو في (بلاد بلا سماء) سببها الرجال والأنثى الأكثر جمالا وحكمة. 
فشخصة الشائب صاحب البقالة الحاج سلطان في رواية (بلاد بلا سماء) وهو يتحرش بسماء بحركات موحية للجنس، وكذلك الرجال الذين يتبولون في الشارع وهم واقفين ويرفعون خراطيمهم ويظهرونها عمداً أثناء مرور النساء بلا خجل.
 وكذلك الدكتور عقلان الأستاذ الجامعي الذي يهدد طلابه وطالباته بالرسوب في مادته في حالة عدم الخضوع لعملياته الجنسية التي أعتاد أن يقوم بها لبعض الفتيات في حرم الجامعة بشكل مخالف للقانون. 
وسماء واحدة من ضحايا هذا الأستاذ الجامعي قبل أن تكون ضحية عدد من المجتمع وقد رسب الأستاذ الجامعي سماء في مادته ووعدها بالنجاح إذا سمحت له بدق (البردقوش). فرمزية الشخصيات وكذلك الأرقام في روايات وجدي الأهدل تعيدنا إلى رموز السلطة الذين لهم اليد الطولى في مجرى الحياة التي تدور في أرض الواقع ولكن مهارة الروائي الأهدل جعلتها شخصيات لها رمزية خاصة في الرواية.
 ولا يدرك هذه الشخصيات إلا المثقف المدرك بتحولات المجتمع اليمني وكذلك العارف برموز السلطة الذين يديرون بعض مشاهد الرعب بالخفاء وهي مشاهد التسلط، والرشوة، والاغتصاب وكذلك الخطف والموت.