رمضانيّة الدراما التونسيّة

المجال الدرامي التونسي يبقى نطاقا للتجريب، في غياب رؤية واضحة من الدولة والخواص.
الدراما التونسية مازالت تحبو في المطاف المحلي بعيدا عن المشاهد العربي
تقييمات مسبقة حول مسلسلات، منذ حلقة واحدة 

مع مفتتح شهر رمضان انطلق السّباق الدرامي التونسي، وانطلقت معه ردود الأفعال حول الأعمال المبرمجة، مشهد مكرّر مع كلّ برمجة. نقاش وقتي ينتهي بمجرّد زوال الشهر المبارك. لئن كان هذا محمودا، من ناحية الزخم وتنوّع الأطباق الدراميّة والفكاهيّة، إلّا أن وقتيّة النقاش وارتباطه بمعطى استهلاكي وتسويقي لن يضيف شيئا في سلّم تطوير العمليّة الإبداعيّة وهيكلتها وتنظيمها. 
المتابع للحراك الإنتاجي التونسي يقف على غياب النقد الحقيقي واحتكار القنوات والإذاعات لهذا التفاعل؛ بمعنى إشهاري للأعمال وليس تقييما موضوعيّا احترافيّا. منطق المنافسة المفتوحة شرّع الباب ليصبح التفاعل حول المنجز نوعا دعائيا أو بصورة معاكسة لمنتج منافس؛ بحيث صارت لكلّ قناة تنتج أعمالا واجهة برامجيّة إشهارية عبر استضافة الممثّلين ومختلف أطراف الأعمال بصورة سطحيّة عبر بعد دعائي لا أكثر. 
النقاش أصبح بيد أي كان ومفتوحا على مواقع التواصل الاجتماعي. تجد تقييمات مسبقة حول مسلسلات، منذ حلقة واحدة تجد تقييمات شتى وحاسمة، المسلسل يصبح مدار تقييم يوميّ بمنطق "ضدّ أو مع" نسق ساهم فيه انفلات الخطاب وفتحه على الجميع؛ بحيث نجد كلّ الآراء فقط لا نجد خطابا نقديا واضحا أو فلسفة قرائيّة عمليّة. 
أكيد من يحكم على عمل درامي من حلقة واحدة لا يمكن أن يصنّف في إطار عمليّ، لكن – للأسف - هذا المعطى يصبح نافذا ومحوريّا في المعادلة التونسيّة باعتبار نسق الأرقام والمتابعة ونسب المشاهدة، من هناك يقع تحديد تراتبيّة الأعمال. لئن كان هذا مفهوما في ظلّ منطق السوق، والجمهور جماهير كما يقال. لكن أن يصبح هذا هو كلّ المشهد، هنا يكمن خطر فشل التطوّر الفنّي وخضوعه لمنطق التهريج والتسويق الإشهاري، بدل التركيز الجمالي والمعطى التقني والكتابة وكلّ المحاور الفنيّة عموما.

دراما
دراما تونسية 2021

بعد الثورة، ما يحسب للمعطى الدرامي هو الكمّ الإنتاجي الذي تضاعف مقارنة مع السابق، كانت التلفزة الرسميّة بقناتيها 1و2 تحتكر الإنتاج، والأعمال لا تتجاوز 15 حلقة لكلّ مسلسل، مع قناة حنبعل الخاصة. لكن بعد الثورة شهدت الأعمال طفرة مع تعدّد القنوات الخاصة (التاسعة، الحوار التونسي، قرطاج، نسمة) مشهد جعل الذائقة تتسع ونوّع في الخيارات، ومكّن من فتح أبواب إضافيّة للممثلين وكلّ المساهمين في العملية الدراميّة. 
أصبحنا نتحدّث عن شبه سوق إبداعيّة. العمليّة بقيت قاصرة عن تحويل المائدة الدراميّة لمجال إنتاجي طوال السنة، بقي المنجز مقتصرا على شهر رمضان بصفة استهلاكية دعائية. هذا نطاق نقاش، يجب أن يخاض كي يحوّل فعليّا الدراما التونسيّة لمشروع حقيقي: هيكليّا، قانونيا، تنظيميّا وفنيّا. المشهد اليوم موكول للتداخل والسطحيّة على مستوى الإنتاج، في غياب تعاريف ورؤى واضحة. يعدّ الفنّان الحلقة الأضعف، الذي في كثير من الأحيان يبقى يلهث وراء حقوقه... قنوات تسعى إلى التحصيل الإشهاري من وراء المسلسلات. دون محمل حقيقي وناضج التوجهات، منها الفنيّة والمنهجيّة.
الدراما التونسيّة لا تشك من الموارد البشريّة، فنية أو تقنية وغيرها، بالعكس تزخر الساحة بأسماء معروفة لها تجارِب، لكن المشكل في غياب رؤية واضحة على المستويين: القريب والبعيد، وغياب رؤية إنتاجيّة شاملة وقانونيّة واضحة. مع غياب هذا التوجّه يبقى المنجز قائما على قدرات القنوات والتداخل والصيغ الربحية والاستهلاكية، بعيدا عن تطوير الرؤى الفنيّة ومعايير السوق الشاملة.
من ناحية الأعمال، في السنوات الأخيرة نلاحظ تشابها في المواضيع المطروحة؛ التي تكون في الغالب بمنطق الإثارة لا أكثر. لا توجد أعمال تعالج مشكلات معيّنة بموضوعية وتعمّق. هذا مع وجود مشكل ثابت، وهو غياب كتّاب السيناريو الحقيقيّين. مع ابتعاد السيناريست علي اللواتي شهدت مجمل الأعمال محاولات لم ترتق لصيغ الإجادة الحقيقيّة. ثم أن الانفلات شهد صعود أسماء في التمثيل من خارج المعادلة الإبداعية، حيث نجد أسماء من "الأنستغرام" ومواقع التواصل الاجتماعي  منحت لهم ولهنّ أدوار، في حين بقي الممثّل الحقيقي خارجا. 
يبقى المجال الدرامي التونسي نطاقا للتجريب، في غياب رؤية واضحة من الدولة والخواص تخرج المنجز من المعطى الاستهلاكي إلى مدار الوعي والتشغيل الفني الحقيقي، عبر توفير الضمانات الإستراتيجيّة والقانونية والفنية والماديّة.
مازالت الدراما التونسية تحبو في المطاف المحلي بعيدا عن المشاهد العربي.