روائي آخر الأسبوع

كيف تصبح روائيًا في 52 أسبوعًا؟ الإجابة تجدها في كتاب نائل النقراشي!
هذه النوعية من التأليف تتسبب في أن تقتحم الحالة الإبداعية والابتكارية الصرف، آليات الصناعة التي صارت شائعة إلى حد بعيد بسبب ظهور الحواسب
إذا كان الأمر كذلك، فلماذا يُجهد الطلاب أنفسهم، ويدرسون في معاهد السينما، أو الفنون المسرحية، أو الكونسرفاتوار ومعاهد الرقص، بل وكليات الآداب وغيرها؟

أسهم في تأليف هذا الكتاب كل من: روبرت ج. راي، وبريت نوريس، وترجمه إلى العربية نائل النقراشي، وصدرت هذه الترجمة عن "نور المعارف للنشر والتوزيع" بالقاهرة. وهذا الكتاب -الذي يحمل عنوان "روائي آخر الأسبوع" - تمتع بمنحة الترجمة من "صندوق الشارقة للترجمة". وله عنوان آخر تفسيري هو: "كيف تصبح روائيًا في 52 أسبوعًا؟". وهو يحدد هذه الأسابيع مقسمة على أجزاء الكتاب السبعة لتتم عملية التدريب على صنع نص روائي لكاتب لم يسبق له خوض غمار هذه التجربة من قبل، ولم يفطر موهوبًا في الكتابة السردية.
ففي الأسابيع السبعة الأولى يُعلمك هذا الكتاب كيف تبدأ؟ وكيف تخطط حبكة روايتك؟ بعد أن يعطيك فكرة عن أنواع التخطيط؛ سواء كان على خط مستقيم، أو على خط منحنٍ.
 ثم يطلعك على سبل غزل أحداث روايتك على امتداد الصفحات.
وفي سبعة الأسابيع التالية يتعرض هذا الكتاب لكيفية نحت شخصيات الرواية؛ أي رسم الشخصية وتفصيلها، ثم وضع الخلفية الدرامية لها، وبعد ذلك تزيين الشخصية كما تقول ترجمة نائل النقراشي للكتاب.
وفي خمسة الأسابيع التالية يعلمك كيفية تخطيط الحبكة لاستخدام أشياء ذات قوة عظيمة (على حد تعبير المترجم أيضًا)، أو التخطيط لصنع أكثر من بطل.
وفي سبعة الأسابيع التالية يتحدث مؤلفا الكتاب عن بناء المشاهد وترتيبها، وكيفية كتابة مشهد اللقاء الأول، ثم التصاعد الدرامي نحو ذروة تأزم الأحداث، ثم سبل المضي بالأحداث بعد ذلك.
وفي العشرين أسبوعًا التالية يتحدث المؤلفان عن كتابة المسودة على نمط هذه الأجزاء الثلاثة؛ التمهيد والحدث الصاعد نحو التأزم، فالوصول إلى المنتصف والذروة، ثم الحدث الهابط أو النازل، ثم النهاية أو خاتمة الرواية.
وفي الأسابيع الثلاثة الأخيرة يتحدث الكتاب عن كيفية منح القصة قوتها، وكيف تُعيد كتابة الرواية. بل وكيف تكتب النص السينمائي.. وما إلى ذلك.
وفي تقديري أن هذه النوعية من التأليف تتسبب في أن تقتحم الحالة الإبداعية والابتكارية الصرف، آليات الصناعة التي صارت شائعة إلى حد بعيد بسبب ظهور الحواسب، وتقدم فنون البرمجة، وسهولة التعامل مع البيانات واستخلاص ما تريد منها. وربما هذا هو الذي شجَّع على انتشار هذا النمط من الكتب في الغرب، قبل أن نعرفها نحن، وتسببها في تحول الفن إلى متاهات الصنعة في المقام الأول، وتحول الإبداع إلى آلية ميكانيكية.
وعلى الرغم من وجود نوعيات أخرى من هذه الكتب في جميع عصور التأليف، ومنها مثلًا كتب مثل: "فن كتابة القصة"، و"فن القصص"، و"فن القصة القصيرة"، وكثير من مثل هذه الكتب، فأنها في الحقيقة تكتسب قيمتها من كونها تعد تحليلًا لتجارب كتّاب سبقوا إلى هذا الميدان، وأرادوا أن يكتبوا كنوع من الاعتراف بفنيتهم في الكتابة، فربما تفيد منها أجيال الكتّاب اللاحقين عليهم.

إن لم تكن موهوبًا ومثقفًا تفهم قواعد الفنون وأصولها التي درستها وتستطيع أن تكتسب ذائقتها الفنية التي تمكنك من الحكم على العمل أو استحسان ما فيه من حسن، واستقباح ما فيه من قبح، فلن تصبح كاتبا قديرا

ولعل كل من حاول أن يكتب قد خطرت بباله في بداياته مع الكتابة أسئلة كثيرة من نوع: "كيف لي أن أعبر عن فكرة تمر بذهني؟"، أو "كيف أنتقل من فكرة إلى فكرة؟"، و"ما الروابط التي أستخدمها لتحقيق ذلك؟"، و"هل أستخدم حروف العطف.. أم بعض أدوات الوصل، أم غيرها من العبارات التي تثير انتباه من يقرأ؟"، و"كيف أختم العمل؟"، أو "كيف أختار الاسلوب المناسب؟". فهذه الافكار مرت  بكل كاتب، وهو بعد يبدأ طريقه مع الإبداع.
وقد كانت النصيحة التي يسمعها شباب الكتّاب من أساتذة الكتابة هي نصيحة واحدة: "اقرأوا كثيرًا، وثقّفوا أنفسكم في مجال اهتماماتكم الأدبية، بل وخارج اهتماماتكم الأدبية ليكون لديكم عُمق ثقافي تناقشوا به القضايا التي يمر بها أبطال أعمالكم وشخصياتها سواء إن كانت شخصيات رئيسة محورية، أم شخصيات ثانوية هامشية، فيجب أن يجيد الكاتب التعبير عن سلوك جميع الشخصيات التي ترد في عمله، مهما كانت عظمتها أو ضآلتها".
وهذا الكتاب - الذي أرى أن الاطلاع عليه ضرورة لمن يبدأ - بساير الموضة السائدة في هذه الأيام في أغلب وسائل التواصل الاجتماعي، مثل: "كيف تُنقص وزنك خمسة عشر كيلو جرامات في أسبوع؟" و"كيف تعالج الغضروف؟"، و"كيف تتغلب على آلام الركبة؟".. إلى آخر هذه العناوين المثيرة لاهتمام الناس.
ولكي تكتمل الفائدة من الكتاب الذي بين أيدينا فيجب أن نفهم عدة أمور منها أن نضوب القدرة الفنية (الموهبة)، وجفاف ملكة التخيل، وفقدان الأحاسيس أمور لا يمكن للإنسان معها أن يكنب عملًا أدبيًا جميلًا كتلك الأعمال التي كتب لها الخلود وطبعت منها الطبعات تلو الطبعات، بل وتمت ترجمتها إلى أغلب اللغات الحية التي يفهمها البشر.
لأن الكتابة سواء إن كانت شعرًا أو نثرًا، مقالًا أم قصة قصيرة أو رواية، أو نصًا مسرحيًا أو سينمائيًا، إنما تقوم على الفرد الإنسان صاحب الموهبة والقدرة، أما الكتابة عبر الورش، التي انتشرت كثيرًا على أرض الواقع، أو من خلال الواقع الافتراضي، فبإمكانها أن تصنع لك جسدًا يُشبه العرائس، أو الصور الـ 3D التي هي كالدُمى، ولكن لا حياة فيها ولا إحساس، وهي تنقل إليك بحركة آلية مبرمجة ما وُضع في ذاكرتها من معلومات، ومهما تغذت بالمعلومات ستظل - بكل تأكيد - عاجزة عن ابتكار فكرة جديدة، أو الحلم بشيء ما، لأن الحلم والخيال ليسا من طبائع تلك الكائنات غير البشرية.
ولعل سائلًا يسأل "إذا كان الأمر كما ترى، فلماذا يُجهد الطلاب أنفسهم، ويدرسون في معاهد السينما، أو الفنون المسرحية، أو الكونسرفاتوار ومعاهد الرقص، بل وكليات الآداب وغيرها؟".
والجواب عن هذا في غاية البساطة: "أنت تدرس في هذه المعاهد تاريخ هذه الفنون وأصولها ونماذجها الجيدة لتكتسب الخبرة وتعيش في ثقافة كل فن، تعيش مع اللون والحركة والصوت والأداء، وفنية عرض المشهد، وفنية تحريك الشخصيات، وما يُشبه ذلك من أعمال تنفيذية لإنتاج نص حي فوق المسرح، أو عبر شاشة السينما، وهكذا.
وأنت يجب أن تكون صاحب موهبة لكي تفيد من كل ما درست، فإن لم تكن موهوبًا ومثقفًا تفهم قواعد الفنون وأصولها التي درستها وتستطيع أن تكتسب ذائقتها الفنية التي تمكنك من الحكم على العمل أو استحسان ما فيه من حسن، واستقباح ما فيه من قبح، فلن تصبح كاتبا قديرا. أما أن تصنع منك ورشة أو دليلًا ما يصنع لمدرب كرة القدم أو لحامل أثقال أو للاعب كمال الأجسام أو جمباز، ففي النهاية ستكتسب الثقافة وبعض المهارات، ولكنك لا يمكن أن تكون مبدعًا خلاقًا.