سوريا.. ماذا سيقول حزب البعث الآن؟

بعد المسرحية الهزلية الكوميدية التي قادها الرئيس الاميركي دونالد ترامب المهووس بالاستعراض وخلق مشاهد سينمائية بالواقع الحقيقي (وهذا خلل عقلي ونفسي وطفولية يمارسها رئيس اكبر دولة بالعالم)، صار واضحا أن المؤسسات الدستورية الرسمية الأميركية تعيش حالة اضطراب وتضارب من تصرفات موقع رئاسة الولايات المتحدة.

حيث تم خلق ضجة إعلامية كبيرة وبمخالفة كل ما هو عقل ومنطق عندما صرح ترامب أنه يريد ضرب سوريا بصواريخ "جميلة!" حيث من يريد أن يضرب عسكريا لا يصرح بذلك قبلها بمدة كافية، ليتمكن الطرف الآخر من تهيئة اموره ونقل كل ما هو مهم! وهذا عسكريا إذا صح التعبير غير منطقي، بل واكثر ما ظهر من الكلام الاعلامي على أن هناك اتفاقا روسيا اميركيا على الضربة العسكرية المحدودة حفاظا على ماء وجه ترامب ضمن كلام اوسع عن محادثات اوروبية روسية اميركية لتقاسم مكاسب الغاز والنفط وتقاسم كعكة اعادة اعمار سوريا ضمن استسلام دولي او قبول او اجماع دولي علي بقاء "شخص" بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية الحالي بموقعه الرئاسي الى نهاية مدته الدستورية! وبعدها لكل حادث حديث.

جزء مما تم كتابته أعلاه هو معلومات من مصادر مطلعة. ولكن الاتفاق الروسي الاميركي على ضربة عسكرية محدودة ليس ضمن تلك المعلومات ولكنها تكهنات وتحليل اعلامي دعائي جاء بعد الضربة العسكرية المحدودة والتي تصدت لها بنجاح الدولة السورية.

لست اقول ذلك شخصيا. فمائة وسبعة صواريخ اميركية ليست بالعدد القليل. نعم كانت هناك ضربة عسكرية واسعة وتصدى لها السوريين كدولة ومجتمع وجيش بنجاح وبطولة وبأسطورة جيش قدم اكثر من مائة وخمسين الف شهيد بمعنى مائة وخمسين الف عائلة سورية وضمن تدمير بأدوات توظيفية من تكفيريين وقتلة وجواسيس خونة وظفهم حلف الناتو والكيان الصهيوني لتدمير دولة سوريا والمجتمع والجيش. إذن نجح السوريون وحدهم بالتصدي.

ما بعد الضربة العسكرية صار واضحا للسوريين وللعالم ان الروس والايرانيين ليسوا على استعداد للحرب والمواجهة مع الاميركان لأجل سوريا.

في هذه الضربة العسكرية تم ترك سوريا الدولة والمجتمع والجيش لوحدها من ناحية المواجهة العسكرية واتصور ان السوريين لاحظوا ذلك، وهو ما يخالف الاتفاقات الدولية العسكرية والاستخباراتية الموقعة بين سوريا وبين الروس والايرانيين الملزمين قانونيا بالحرب المشتركة مع سوريا ضد اي اعتداء خارجي.

نعم الروس والايرانيون مستعدون للدعم المالي او المعنوي والاستخباراتي أو الدعم العيني من بضائع واحتياجات مادية للدولة السورية وهذا ما هو حاصل وحصل في سوريا ولكنهم ليسوا مستعدين للحرب والمواجهة العسكرية مع الاميركان لأجل سوريا.

صرح مسؤول إيراني ان العدوان على سوريا خرق للقانون الدولي أما في موسكو فقد قال مسؤول روسي بان الهجوم على سوريا هو عدوان على سوريا!

وكأننا كنّا ننتظر من موسكو وطهران طويلا لتعريف العدوان الثلاثي الغاشم على سوريا اما العنتريات التي سمعناها قبل العدوان من كلا البلدين فقد ابتلعها كل من الرئيس بوتين وحسن روحاني في سباق ماراثوني.

لكن الحقيقة الواضحة هي الاتي:

انهم لم يلتزموا بتعهداتهم القانونية بالحرب المشتركة مع سوريا ضد اي اعتداء خارجي. اكتفوا بالتصريحات الاعلامية والتركيز على مسألة انهم اتفقوا على ضرب سوريا لكي لا نحرج اميركا امام العالم!

وكأننا في قهوة شعبية! وهو تحليل ضعيف جدا ولكن للأسف تم ترويجه بنجاح لحفظ ماء وجه الروس والايرانيين.

الروس والايرانيون يريدون القيام بما يقوم به العرب تاريخيا من مسلسل احتجاجات ومظاهرات صوتية ويرفعون اللافتات التي تدين العدوان والتأكيد على النصر الذي تحقق بسبب تدمير صواريخ العدو والاستعداد العنتري في الزحف نحو أوروبا وأميركا لاحتلالهما انتقاما لسوريا وكأنهم يخاطبون أناسا اغبياء أو جهلة متخلفين معزولين عن هذا العالم الذي لم يعد فيه سر مخفيا على احد.

وكل هذا بعيدا عن مسئولياتهم القانونية وتعهداتهم الرسمية. هم يريدون الصوت الاعلامي ولكن لا يريدون الحركة في خط التطبيق.

سوريا الدولة والمجتمع والجيش تصدت للعدوان العسكري الثلاثي عليها. هذا الكلام صحيح ولكن تم تركها لوحدها تتصدي للعدوان وتركها حلفاؤها وتحولوا الى حالة عربية كلاسيكية من الكلام الاعلامي والصوت العالي الذي لا يؤثر على شيء.

والحالة العربية العامة كانت دون المستوى المطلوب ناهيك عن غياب عربي لإسناد سوريا الدولة والمجتمع والجيش وهم يواجهون العدوان الغاشم عليهم ولم تكن هناك ادانة واستنكار الاعتداء العسكري ضد سوريا على المستوى الشعبي كذلك كما حصل مع العدوان الثلاثي ضد مصر بالعام 1956، حين خرج العرب بكل البلدان العربية للشوارع لإدانة العدوان والتطوع لدعم مصر.

ولكن للتاريخ، خرج العراقيون بمظاهرات ضد العدوان الثلاثي ضد سوريا، وقادها التيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر وهو التيار الإسلامي السياسي غير المؤيد وغير الداعم لحكم حزب البعث العربي الاشتراكي الجناح اليساري في سوريا ولكن خروجهم احتجاجهم كان من باب المبدأ العام الاخلاقي والضمائري اذا صح التعبير.

ماذا بعد بما يخص الوضع الداخلي السوري؟

بالتأكيد هناك شرخ اجتماعي عميق وقوي جدا مع وجود اكثر من مائة وخمسين الف عائلة سورية قدمت شهداء من اشجع الرجال والابطال الذين قدموا اسطورة بمقاومة حلف الناتو والكيان الصهيوني.

ماذا سيحدث عند ما يسمى برجوع فرارية الجيش وعائلاتهم؟ من هربوا من مسئولياتهم الوطنية والوظيفية كعسكر وارتضوا ذل لجوء الخيم المهينة؟

ماذا سيحدث عند رجوع المجاميع الشعبية التي استقبلت جواسيس حلف الناتو والكيان الصهيوني للعيش في سوريا مجددا؟ وحتى المجاميع الشعبية التي كانت بيئات شعبية حاضنة للتكفيريين والمجرمين والتي اسهمت بتدمير بلدها ومجتمعها وقتلت ابناء جيشها؟

ماذا سيحدث لمشروع ديمقراطي تعددي يتساوى فيه المواطنون بسلطات منفصلة وحريات حقيقية وتداول سلطة ليس مطلوبا بطبيعة الحال وجودها في سوريا فقط بل بجميع البلدان العربية؟

ماذا سيحدث لمحاسبة الاجهزة الامنية المتزاوجة مع طبقات تجارية قديمة وجديدة والتي فشلت في حماية الدولة السورية من الاختراق الاستخباراتي والامني؟

ماذا سيحدث لأصحاب رأس المال المتراكم من تلك العلاقة والارتباط والذين تركوا البعثيين اليساريين الحقيقين يواجهوا حلف الناتو والكيان الصهيوني لوحدهم؟

ماذا سيحدث لمن تجاوز امنيا خارج نطاق اختصاصه وتسبب بتراكمات الغضب الشعبي؟

من سيراقب من؟ حزب البعث العربي الاشتراكي الجناح اليساري في سوريا ام الاجهزة الامنية المتزاوجة مع طبقات تجارية قديمة وجديدة؟

ومن سيحاسب من؟

ما هي استراتيجية الدولة السورية لاسترجاع الجولان السوري المحتل بعد نهاية الأحداث الأخيرة؟

الاسئلة والاستفسارات كثيرة.

هذه الامور الداخلية نتركها للأخوة في القطر العربي السوري لحلها وهذا ليس شأننا فهو نقاش داخلي سوري سوري.

وأن كانت وجهة نظري بالموضوع كتبتها سابقا وهي أن ما ارادته الدولة السورية سابقا سيحدث لاحقا وهو وجود حكومة سورية موسعة بأعضاء من شخصيات سورية معارضة داخلية يحتفظ بها النظام الحاكم في سوريا ومقبولة منه.

من يريد حلا واقعيا للشأن الداخلي السوري اتصور انه عليه الدخول في موقع الحكم السوري من خلال الجبهة الوطنية أو الدخول تنظيميا بمواقع حزب البعث العربي الاشتراكي الجناح اليساري الحاكم في سوريا والانطلاق من آليات حزب البعث نفسه من ديمقراطية داخلية وتداول المواقع الحزبية والسيطرة على الاجهزة الامنية المتزاوجة مع طبقات تجارية أصبح مشروعها هو البقاء في مواقعها السلطوية وهؤلاء هم من خلق تراكمات الضغط المتواصل الذي فجر "فورة الغضب الشعبي المستحق" والذي دخلت من خلالها آليات الثورات الناعمة المصنعة استخباراتيا بالغرب لضرب الانظمة الرسمية المتمردة على حلف الناتو والكيان الصهيوني.

هذا لب المشكل الاساس في سوريا فما الحل؟

الإجابة لا أعرف.

ومن سيجيب اتصور انهم اعضاء حزب البعث العربي الاشتراكي الجناح اليساري الحاكم في سوريا نفسه واتصور انهم سيتكلمون بعد انتهاء العمليات العسكرية ليقولوا للعالم، ماذا بعد؟