شاعرة عراقية: هناك نقاد يحاولون إبداء آرائهم بنصوص لا يعرفون قراءتها

زينب حسن الدليمي: في مرحلة من المراحل التي نعيشها دخلت أفكار غريبة لها أهدافها ونواياها الخبيثة أرادت أن ترجع بالعراق الى الوراء، إلى زمن التخلف والانحطاط الفكري.
الدليمي ترى أن العراق كان ولا يزال يتقدم البلدان بكل نواحي الأدب وخاصة الشعر
الحركة النقدية غير جادة وليست بالمستوى المطلوب وهذا ينعكس على مستوى الحركة الأدبية

شاعرة عراقية من بغداد، حاصلة على البكالوريوس في اللغة العربية 1992، مارست التعليم كمدرّسة في مدارس بغداد، وتشغل حالياً منصب الإشراف على النشاطات المدرسية لمدارس الكرخ الأولى، لها ديوان شعري، شاركت بالعديد من المهرجانات، وتنشر نتاجها في العديد من الصحف والدوريات المحلية والعربية.
قالت عن بداياتها: كانت بداياتي مع النثر حين كنت طالبة ثم تطورت كتاباتي إلى القصيدة الشعرية العمودية الموزونة والتي أجد نفسي فيها، فكانت أول قصيدة لي بعنوان "قيود معسرات" كان لها صدى جميل أعجب بها كلّ من قرأها، فكانت هي الانتقالية التي دخلتُ فيها إلى عالم الشعر العمودي، وقد نجحتْ كثيراً لما فيها من صدق في المعنى والمشاعر.
أما عن سبب اختياري الشعر دون الأجناس الأدبية الأخرى؛ فأولاً أنا من هواة قراءة الشعر منذ الصغر وأجد المتعة أثناء القراءة، وبدون قصد وجدت نفسي أكتب القصيدة وأجد نفسي فيها، فالشعر هو الذي اختارني ولم اخترْه. ثانياً أنا أجد اللغة والبيان والسحر والمتعة في الشعر لا غير  لأنه لسان حال الكاتب منذ القدم، والعرب تولي اهتماماً للشعر دون غيره قديماً، فالشعر له الأسبقية بالنسبة لأجناس الادب عامة وإلى الآن تجد الشعر له الاولوية عند الجميع.
صدرَ للشاعرة ديوان شعري حملَ عنوان "وحدي تحاكيني خطوبي"، وقالت: هو مولودي البكر الذي رهنت فيه أجزائي، وضعت حلَّتي بكوامنها ومشاعري بعنفوانها وأسرار روحي، هو بداية لمواجهة الواقع بنصوص شعرية تحكي المشاعر والأحاسيس محاكاة لواقع عشته بكل تفاصيله سلبياته وايجابياته. أما إضافته إليّ فأعتبره تجربة خضتها لعلي أصل بها إلى قصيدة تقريبا متكاملة العناصر بزمن الفوضى الأدبية، كذلك أضافت إليّ قوة المواجهة الحقيقية، إلى واقع قد نخشى التعرض له مع بصمتي المتميزة في كتاباتي التي أرجو أن تنال رضى القراء.

ليت شعراءنا يعطوا للشاعرة مكانتها المميزة، وأن يروها كما يرون أنفسهم وقد تبدع أكثر منهم، ولكن للأسف هناك الأنا المسيطرة على رجالنا في كل الميادين

وترى الدليمي أن العراق كان ولا يزال يتقدم البلدان بكل نواحي الأدب وخاصة الشعر، فمنذ القدم والعراق يزخر بالشعراء وبأسماء عظيمة في مجال الفن والأدب ومنهم أبوالطيب المتنبي والفرزدق وغيرهما بالنسبة للعصر العباسي، ثم العصر الحديث المتمثل بعبدالوهاب البياتي والجواهري ونازك وأحمد مطر والسياب والزهاوي وغيرهم، فالعراق بلد الشعراء، أما الآن فأننا نجد ثورة شعرية عارمة فيها الذي يكتب القصيدة بإتقان، وفيها الذي حط من القصيدة وجعلها في مستوى ضحل، هناك الأخطاء الكثيرة لغوياً وعروضياً، فكل من هبّ ودبّ كتب الشعر وأصبح شاعراً دون الاكتراث لما يؤول إليه ما يكتب من مشاكل، بالنسبة للحداثة ومفهومها الخاطئ اهبطوا من مستوى القصيدة لأنهم أخذوا الحداثة على أنها التغير في مفهوم القصيدة الخليلية، وهذا يقلل من شأنها، وبعضهم على العكس أبقى القصيدة العمودية كما هي ولكنه طوّر في عمق الصورة الشعرية ومفرداتها، وهذا بالتأكيد زادها جمالاً وألقاً، إذا كانت الحداثة بهذا المفهوم فمرحباً بها.
كانت القصيدة ومنذ القدم تعرف بالقصيدة العمودية الموزونة المقفاة، والقصيدة التي تخرج عن هذا السياق لا تسمى قصيدة، حتى جاء عهد السياب ونازك الملائكة وغيرهم من الشعراء فكانت معهم الانتقالية إلى ما يسمى بالشعر الحر فكانت له أصداء عند الشعراء لما فيه من حرية أوسع في الكتابة، فقد اعتمدت في وضع القافية والتفعيلة والصياغة والبحر تحت خدمة الموضوع فكانت له الحرية الأكبر في تناول موضوعه، وسمي بشعر التفعيلة، فممكن أن تكون تفعيلة غير كاملة في نهاية البيت الأول ليقوم بتكملتها في البيت الثاني وهكذا مع تنوع القافية وبساطة الألفاظ واستخدام الصور الشعرية بكثرة فكان التغير تغيراً حاسماً للقصيدة فاستحسنها أكثر الشعراء وكتبوا فيها ببراعة للأسباب الآنفة الذكر.
اليوم القصيدة قد ظُلمت عند البعض لأن بعضهم لم يفهم أنها وإن كانت حرة لكنها مقيدة بنظام التفعيلة فخرجوا عن هذا السياق إلى كتابة النثر ونسبوه إلى الشعر وهذه جريمة بحق الأدب، كذلك كثرة الكتاب دون دراية وعلم حتى بالنحو واللغة مع تداول المكتوب دون رقابة أضعف القصيدة كثيرا، إذن ظهور القصيدة الحرة وقتها صارت لها أصداؤها في الوسط الأدبي، ولكنها بنظري تبقى ناقصة لجمالية وتكامل القصيدة العمودية الموزونة، إذن حين نريد أن نقارن أزمان القصيدة علينا أن نقارن زمن القصيدة الحرة بما سبقها، نقارنها بالأصل وهي قصيدة العمود، أما الآن فقد تنوعت الكتابات فأصبح الأفق مفتوحاً لا رقابة ولا عناية، الجميع يكتب وبدون دراية ودراسة حقيقية لما يكتب إلا ما رحم ربي.
وأضافت: أنا لا أفهم كيف يطلق على الكلام المنثور قصيدة كلنا يعرف أن القصيدة لها مقوماتها من وزن وقافية، وهو ما يميز الشعر عن النثر فكيف لي أن أكتب قطعة نثرية وأنسبها إلى الشعر عن طريق تسميتها بالقصيدة النثرية، فلا توجد قصيدة نثرية وقصيدة شعرية، القصيدة واحدة وهي ما احتوت على مقومات القصيدة من وزن وقافية بالإضافة إلى المقومات الأخرى حينها نطلق عليها قصيدة. إذن يبقى النثر نثراً والشعر شعراً وقد يبدع الكاتب في كتابة قطعة نثرية فيعطيها جمالية أكثر من القصيدة.
أما عن اللغة فترى زينب حسن الدليمي أنها ترجمة للمشاعر والأحاسيس، وصورة معبّرة عن الفكر وما يجول فيه، بالإضافة إلى الانفعالات النفسية والاجتماعية، أي الوعاء الذي يصب فيه الشاعر كل ما يحتوي من مشاعر وأحاسيس وانفعالات، فعن طريق هذا الوعاء أستطيع إيصال كل ما يحتويني إلى المتلقي أو القارئ أي هو الصورة التي اقترب بها بكل ما يكون في الذهن والأعماق، وعليه يجب على كل شاعر وأنا من ضمنهم، أن نحسن في التعامل مع المفردة أو الكلمة الشعرية باعتبارها هوية الابداع وهوية الانتماء والتي تجعل الشعر متميزاً عن غيره، وهذه الكلمة مرتبطة بثقافة الشاعر وبمرجعياته الفكرية وبكل العوامل الذاتية له، فالانتباه إلى الغرض الشعري ومتطلباته في استخدام الكلمات وتوظيفها لخدمة القصيدة فقد نجد كلمة في حدث شعري لها دلالة مختلفة مع استخدامها في حدث آخر، فعلينا بالقراءة والمطالعة لإثراء لغتنا الشعرية، وبالنسبة إلى دور اللغة في نصوصي الشعرية أحاول بكل جهد توظيفها لما يلائم كتاباتي وأغراضها، وبالآخر نحن مازلنا نحتاج إلى الكثير، فاللغة وعاؤها كبير جداً لنطالع ونقرأ للوصول إلى الكلمة التي نصل بها إلى المتلقي.  

حوار أدبي
كيف يطلق على الكلام المنثور قصيدة؟

أما عن النقد فهي ترى أن النقد بصورة عامة هو دراسة موضوع معين ثم تعيين الإيجاب والسلب ومكامن الجمال والضعف والجيد والرديء، بعدها وضع الحلول. وبالنسبة للنقد الادبي لا يختلف عن النقد بصورة عامة أيضاً فهو طريقة لإظهار مظاهر الجمال وتقييمها بشكل موضوعي يعتمد هذا على الناقد وذوقه وقدرته على تفنيد العمل الأدبي ودراسته له وتقدير النص بشكل صحيح وبيان القيمة الأدبية له بالتفسير للنص وتوجيهه أدبياً ثم تقويمه. 
وأضافت: للأسف ما نلاحظه الآن هو وجود نقاد كثر على الساحة الأدبية يحاولون إبداء آرائهم بنصوص هم لا يعرفون حتى قراءتها ولا يعرفون كيف يتعاملون معها فتجدهم يمتدحون نصاً ويكتبون عنه بغير ما يحتويه النص وتجده ينبهر بجزئياته التي ليس لها الأثر كأنه جاء ليرضي أو يجامل صاحب النص، صدقني بعضهم كأنه لا يرى النص بل يرى صاحب النص ويقيّم على قدر رضاه، حتى اثناء التعليقات تجد أحدهم ينبهر بنص وينقده مجرد أنه لفلان، ثم ينتقد آخر بالسلب لأنه غير راضٍ عنه، وهناك التسابق على نصوص لشواعر ومدحها لدرجة كأنها الوحيدة في الساحة ويغفل عن نصوص مبهرة لشعراء يستحقون الثناء وكثير من السلبيات الأخرى أثناء النقد، ينقص ناقدنا الدراسة والمعرفة والدراية بالنص مع الأمانة في نقد ما يستحقه النص فعلاً، الجميع يكتب الشعر والجميع ينقد النصوص حتى وصلنا إلى حال لا يرضى، وعليه أجد الحركة النقدية غير جادة وليست بالمستوى المطلوب وهذا ينعكس على مستوى الحركة الأدبية لأننا لا نجد من يبيّن مكامن الجمال والرداءة بصورة صحيحة لنصحح المسار.
وترى زينب حسن الدليمي أن الألم والحزن ظاهرة طاغية على الشعر المعاصر بصورة عامة وبالأخص الشعر العراقي، فقد تفرد فيها هذه الأيام بكثرة لما يحمله العراقي من آلام وأحزان، فالمعاناة هي التي تفرز ما يبوح به الشاعر، وبما أن الشاعر هو اللسان الناطق بأحوال أمته فنراه يرسم السمة المؤلمة التي يعيشها المجتمع، فقد انعكست هذه المعاناة على الشاعر في نصوصه الشعرية والواقع المؤلم هو المحرك الذي بات يحرك الشاعر ليفيض بالحزن والبكاء في لغته الشعرية حتى بات الحزن المحرك الأساسي للإبداع، وبيئة الشاعر لها الأثر في إثراء الشاعر لنتاجه حتى صار العراقي صاحباً للأحزان والهموم بعيدا عن روح التفاؤل بسبب الظروف السياسية والاجتماعية والعاطفية وكثير من القضايا الاخرى، ونجد نغمة الحزن موجودة مع أكثر الشعراء في تركيبتهم وهي التي تحرضهم على الإبداع، فكتبوا للغربة وكتبوا للفراق حتى أصبحنا لا نرى إلا الأحزان والآلام محطات لنا.
وعن حضور المرأة في الأدب والفكر قالت الدليمي: المرأة العربية عامة والعراقية خاصة موءودة الحضور والفكر، موءودة في أكثر حقوقها وهذا ما انعكس على شخصيتها حتى باتت تشعر بأنها مكبلة وعليها نوع من التحفظ للخروج إلى الواقع وخاصة في ميدان الشعر، وكأنها أجرمت في حق المجتمع إن كتبته، المعارضة من الجميع الأهل والزوج والأبناء وكأنها اقترفت الذنب والخطيئة، حتى باتت متخوفة ضعيفة الشخصية لأنها تحس بأنها مرفوضة من المجتمع لا يتقبلها البعض، ومن خلال متابعتي للشواعر والشعراء أرى الشاعر يكتب بكل حرية مثلا يتكلم في موضوع الغزل والجميع يتقبله، أما المرأة إن تخللت قصيدتها أي عبارة للغزل تبدأ الأقاويل وكأنها أجرمت، لهذا تجدنا جداً مقيدين بموضوعاتنا وطريقة تناولنا لها.
وتوضح زينب حسن الدليمي أنه حتى تخرج القصيدة بصورتها التي يمكن أن يتقبلها السامع ويحس بمعناها وجمالية صورها لتمسّ القلب والعقل يجب أن تكون متكاملة، من حيث اختيار المفردة ووضعها في المكان المناسب وملاءمتها للمعنى، ثم ترجمة المشاعر والأحاسيس بصدق ومعايشة الواقع الذي نعيشه، فصدق التجربة وصدق المشاعر وترجمة الشحنات الداخلية بصورة لغوية بليغة وجزالة للمعنى مع استخدام الصور الشعرية، كل هذا يصب في خدمة القصيدة إضافة إلى مقومات القصيدة الأساسية من وزن وقافية ...الخ.
بالنسبة لي أنا أكتب بصدق للمشاعر والأحاسيس حتى وإن لم تكن تجربتي التي أخوضها، أحيانا أشعر بما يشعر به الآخرون وأتعايش مع هذا الشعور لأنقله بصدق، وأكثر قصائدي لها مساس بالواقع وخاصة واقع المرأة وما تعيشه من غبن لحقوقها.
لكن بصفة عامة فإن المرأة العربية عامة والمرأة العراقية خاصة مازالت مقيدة بقيود المفهوم الخاطئ للدين والتقاليد البالية التي تضع المرأة ضمن أسوار تحيطها لتحد من انطلاقتها وحركتها وخاصة مواكبتها للأدب والشعر.
وبالنسبة لي كنت أعاني الرفض الكامل من الأهل والزوج بأن أنشر قصيدة باسمي  وإن نشرت وضعوا الشروط لموضوعها ومفرداتها، ولكن بمرور الوقت حين وجدوا أن قصيدتي تمثل رسالة مهذبة ملتزمة بموضوعها وألفاظها محترمة ليس فيها إلا ما هو ضمن حدود الأدب واللياقة والعرف والتقاليد رضخوا للأمر الواقع وأصبحوا يشجعون بي هذه الانطلاقة، ومع ذلك أبقى مقيدة الحركة بالنسبة لحضور المهرجانات وغيرها، ونلاحظ هذه الاطر التي وضعها مجتمعنا المقيدة لحركة المرأة جعلتها متخوفة مرتبكة حتى حين تصعد المنابر تجدها عديمة الثقة بوقفتها لأنها تحس بمراقبة ذلك المجتمع لكل حركة ومفردة لها، هذا موجود بمجتمعنا العراقي أكثر من غيره وخاصة في الآونة الاخيرة قيدت المرأة باسم الدين ونسوا أن ديننا أعطاها حرية الفكر وساواها بالرجل.
نلاحظ أن المرأة العراقية في السنين السابقة في السبعينيات وما قبلها تمتلك الحرية أكثر من أيامنا هذه بسبب سيطرة المتطفلين على الدين والتقاليد. أنا وجدت من خلال تجربتي أن للمرأة صوتا موازيا للرجل وبإمكانها أن تبدع بكل الميادين وللأسف لا يوجد من يعي هذه الحقيقة إلا القليل. ليت شعراءنا أن يعترفوا بهذا وأن يعطوا للشاعرة مكانتها المميزة، وأن يروها كما يرون أنفسهم وقد تبدع أكثر منهم، ولكن للأسف هناك الأنا المسيطرة على رجالنا في كل الميادين.
وعن الأوضاع السياسية الآن في العراق قالت زينب حسن الدليمي: في مرحلة من المراحل التي نعيشها دخلت أفكار غريبة لها أهدافها ونواياها الخبيثة أرادت أن ترجع بالعراق الى الوراء، إلى زمن التخلف والانحطاط الفكري، وفعلاً لقت ترحيباً من ذوي النفوس المريضة فعزفت على وتر الطائفية، ورقص لها من رقص، فتسيد بعضهم وظلم الآخر، ولكن بالأخير يبقى العراق بيد الأخيار ولن يخضع إلى من أراد به سوءاً، وبالنسبة لعالم الشعراء لم ألمس هذا الفكر، فالجميع يهدف إلى عراق واحد موحد لا فرق بين أبنائه إلا بحبه وانتمائه لبلده.