شموع العصر الذهبي للدراما المصرية الرمضانية تنطفئ تدريجيا

المشاهد العربي يفتقد الى الأداء الصادق والعفوي والمواضيع الجادة والهادفة في مسلسلات رمضان إثر غياب أو رحيل نجوم كبار.

 القاهرة - توارت في السنة الحالية أعمدة الدراما الرمضانية وأصحاب زمن الفن الجميل والراقي والأداء الصادق الذي يلامس الوجدان لفسح المجال أمام النجوم الشباب الذين تتفاوت الآراء حولهم.
فمنهم من تشهد له أدوارة ببراعته في التمثيل وقدرته على التنويع في أدواره لما يمتلكه من موهبة فنية كبيرة والبعض الآخر يجذب اليه المشاهد بمظهره الخارجي الأنيق وأدواره المثيرة التي تغطي على طاقته المحدودة في التمثيل.
ويرى نقاد أننا نشهد عهد نهاية سيطرة النجوم الكبار على عالم الدراما الرمضانية في مصر، فبعد رحيل أحد أهم أقطاب الدراما وهو النجم الكبير نور الشريف عام 2015، يغيب في هذا العام عن سباق الدراما الرمضانية أيضا كلٌّ من عمالقة التمثيل يحيى الفخراني وعادل إمام ونجوم الصف الأول لفترة طويلة الهام شاهين ونادية الجندي وليلى علوي ويسرا. 
وجاء توقف نور الشريف مفاجئا ولكن بفعل المرض، لينتهي بوفاته عصر شهد التنافس الفني الرفيع والممتد بينه وبين الفخراني على عرش دراما رمضان.
ومن أبرز أعمال العملاق الراحل نور الشريف "عمر بن عبدالعزيز" و"الحاج متولي"، و"الدالي "و"الرجل الآخر" و"حضرة المتهم أبي".
ومن روائع صاحب الأداء الراقي يحي الفخراني "ليالي الحلمية" و"زيزينيا" و"نصف ربيع الآخر" و"الليل وآخره" و"شرف فتح الباب".
وشكل خروج مسلسل "الفلانتينو" للنجم عادل امام من السباق الرمضاني الحالي خيبة أمل كبيرة في صفوف محبيه وعشاق فنه.
وبعد سلسلة من الأزمات توقّف مسلسل "الزعيم" لأجل غير مسمى، مما شكل صدمة لجمهوره الكبير الذي تعوّد على وجوده التلفزيوني الرمضاني. 
وعادل إمام هو النجم السينمائي الأبرز والأنجح جماهيريا في تاريخ السينما المصرية، وهو الرجل الذي ظل متربعا على عرشها لفترة طويلة.
ومسلسلات إمام في السنوات السبع الأخيرة تسير على نفس المنوال تقريبا، حيث تحتوي على شخصية محورية كبيرة تحمل كل خيوط اللعبة في يديها، ويحيط بها مجموعة متنوعة من أصحاب الأدوار المساعدة، يبرز من بينهم بعض النجوم الشباب، كل هذا يضاف له خلطة مكررة من الكوميديا والدراما الاجتماعية التي يكتبها يوسف معاطي.
وكان إمام البارع في السينما خصوصا بأفلامه "الكباب والارهاب" و"زهايمر" يحرص على الظهور الرمضاني كل موسم، وقدّم في السنوات الأخيرة مسلسلات: "عوالم خفية"، "مأمون وشركاه"، "عفاريت عدلي علام"، "فرقة ناجي عطا الله"، "صاحب السعادة"، "أستاذ ورئيس قسم".
استمر التواجد السنوي لعادل إمام في رمضان سنوات، ينجح تارة في نيل استحسان النقاد والجمهور ويفشل تارة أخرى، لكنه في كل الأحوال يبقى قيمة ثابتة والحصان الرابح للمنتجين والقنوات الفضائية بما أن مسلسلاته تتمكن من نيل حصة كبيرة من الإعلانات وتدر مداخيل مالية كبيرة كل سنة.
وبرحيل الفنان محمود عبدالعزيز، انطفأت شمعة أخرى في تاريخ الدراما التلفزيونية المصرية الذهبية، وابتعد أيضا "العمدة" صلاح السعدني وتوارى الفنان عزت العلايلي.
ومشاركة حسين فهمي وفاروق الفيشاوي أصبحت تقتصر على ادوار ثانوية بعد أن اعتادت الشاشة على منحهما أدوار البطولة المطلقة.
وهذا الغياب وإن اختلفت أسبابه بين الموت والمرض والخلافات الإنتاجية، فإنه في كل الأحوال قد أدى في النهاية إلى ظهور جيل جديد يسيطر حاليا شيئا فشيئا، ويرث تركة ثرية ومتنوعة من الدرر الفنية.
وحمل الجيل الذهبي للدراما المصرية على عاتقه قضايا القومية والانتماء إلى الوطن ومشاركة المجتمع همومه، وتوغل في الكثير من نماذجه وطبقاته المختلفة، ما جعله شديد القرب من جمهوره، مداعبا لأفكاره وأحلامه عبر عقود زمنية متعددة.
ويحن المشاهد العربي الى زمن التمثيل الصادق والقضايا المهمة والجوهرية التي تطرحها مسلسلات تبحث عن الخلود والقيمة الفنية الثابتة قبل السعي وراء الأرباح.
 وأصبح المشاهد  يترحم على ما وصلت إليه الدراما في الأعوام الأخيرة من حيث ضياع ملامح الشخصية المصرية وتحول الأعمال التلفزيونية الحالية الى مجرد معادلة لتحقيق الشهرة والمال لأصحابها.
ولم تكن ظاهرة "تفصيل" الأعمال على مقاس النجوم واضحة المعالم في سنوات نجاح النجوم الكبار في الدراما التلفزيونية، لذلك خلت أعمالهم من الأداء المفتعل وكانوا يندمجون في الشخصية التي يقدمونها.
وأصبح ما يشغل بال أغلب النجوم الشباب استعراض عضلاتهم من خلال مشاهد الحركة العنيفة الأكشن أو البلطجة وتباهي الممثلات بجمالهن وأنوثتهن ودلالهن.
وفي حين اعتبر البعض ان غياب النجوم الكبار خسارة للفن الحقيقي والهادف، يرى الشق المقابل أنها سنة الحياة وتطور طبيعي للزمن.
ويطغى الحضور الشبابي على هذه الأعمال، ولا سيما مع الممثلين أحمد السقا ومحمد رمضان وعائشة بن أحمد وياسمين عبدالعزيز ودينا سمير غانم وغادة عبدالرازق ومي عز الدين وحورية فرغلي.
وقالت الناقدة الفنية خيرية البشلاوي أننا لسنا أمام ظاهرة، وإنما هذا هو التطور الحتمي للأمور، لأن هناك أجيالا جديدة من النجوم تظهر وليس بالضرورة أن تحل محل النجوم الكبار.
وأفادت البشلاوي أن الدراما التلفزيونية في مصر رائدة، وهناك مصنع ينتج أجيالا جديدة باستمرار، وهو من أبرز ملامح الدراما المصرية، والذي يدفع شبابا صغارا إلى أن يصبحوا نجوما، كما أن هناك شبابا أصغر منهم على أبواب بالنجومية.
وأفادت الناقدة الفنية ان النجوم الكبار يتواجدون ولكن ليس في كل موسم، خاصة وأن الأعمال التي يقدمونها تفرض عليهم مسؤولية كبيرة.
واختتمت حديثها بأن البقاء دائما يكون للأنجح.
في حين يرى عشاق زمن الفن الراقي أنه تم تغييب العديد من عمالقة التمثيل في الموسم الرمضاني الحالي لأسباب تتعلق بتسويق الأعمال المنتجة وما ستحققه من أرباح مادية.
ويهيمن الحضور الشبابي على الدراما المصرية في موسم شهر رمضان لهذا العام، وتغيب عن معظمهما قامات فنية كبيرة في ظاهرة تعزى إلى ضرورات تسويق الأعمال في ظل منافسة حادة بين الفضائيات.
وقال الناقد طارق الشناوي "ظهور النجوم أو ابتعادهم عن الشاشة أصبح قرارا تملكه شركات الإعلانات التي تنتظر الموسم الرمضاني لتحقيق أعلى إيرادات مقارنة ببقية أشهر السنة".
 وأضاف الشناوي "شركات الإعلان تختار النجوم الأكثر جذبا للجمهور لتسويق إعلاناتها، وهي تفضل النجوم الشباب الذين حققوا نجاحات في مواسم الأعوام الماضية".
وقال متابع للشأن الفني "الكثيرون يصرون على أن يبقوا شبابا رغم تقدم أعمارهم وهذا بالضرورة يؤثر على تسويق أعمال من بطولتهم".
وأوضح أن هذه الظاهرة تفسر أيضا "بقرار بعض النجوم الكبار أنفسهم الانسحاب في موسم والعودة في آخر، أو عدم الإكثار من تقديم الأعمال".