شيء اسمه السيادة الليبية

قبل وقت قريب، كان "الزعماء" يتسابقون في دعوة الآخرين للتدخل في شؤون ليبيا. اليوم صاروا حريصين على سيادتها.

السيادة بالمعنى المطلق في عالمنا العربي المعاصر لم تكن يوما لشعوبنا. ترك لنا هامش نتحرك من خلاله، حتى اذا ما ارتأى الغير اننا حدنا عن المخطط او نكاد، ارسل الينا إشارات تعيدنا الى جادة صوابه، وان اعجبتنا قوتنا وأصابنا الغرور وتمادينا في "التحدي"، فان الغرب وبكل بساطة لا يتدخل مباشرة في شؤوننا، بل نجده قد احتضن بعض من أبناء جلدتنا ربما هروبا من العسف والجور والديكتاتورية، او ليكونوا المطية لتدمير الامة، فيتم إعادة هؤلاء الى ارض الوطن "الغالي"، يفعلون ما يؤمرون وفي ذلك فليتنافس المتنافسون وما اكثرهم.

نسائم "الربيع" التي هبت ولا تزال على وطننا اكثر من عليلة، اصابتنا الغشاوة، لم نعد نبصر، نعيش البرزخ، متى نستيقظ؟

تصريحات السفير الايطالي لدى طرابلس اغضبت البعض واعتبروها تدخلا سافرا. أليس الذين يتصدرون المشهد اليوم هم من طلبوا التدخل وباركوه واعتبروه انجازا بل وصل الامر بهؤلاء الى التسفه بالقول بان الرسول (ص) لو شهد حلف الناتو لباركه واعتبره طائراته طيور ابابيل. ونتيجة لذلك التدخل وضعت البلد تحت البند السابع، بالأمس القريب لجنة الدفاع والأمن ببرلماننا المؤقر اصدرت بيانا تدين فيه وتستهجن الزيارة التي قام بها احد المسئولين الجزائريين لجنوب البلاد (بحجة عدم اخذ اذن او التنسيق مع البرلمان وتعتبر ذلك انتقاصا من السيادة الوطنية) في محاولة منه للتقريب بين الفرقاء من اجل حل الازمة التي اصبحت مستفحلة وتهدد دول الجوار، خشية التدخل الخارجي الذي وان حدث فان المنطقة برمتها ستكون ميدان صراع قد يأتي على ما تم تحقيقه.

ترى هل الزيارات المتتالية التي يقوم بها المسؤلون الغربيون الى العاصمة وغيرها تأخذ اذن مسبق من البرلمان او حكومته؟ يأتون لمقابلة حكومة الوفاق التي نعرف جميعا انها لم تنل الثقة بعد، اي انها غير شرعية وغير دستورية، فلماذا لا تتحدثون عن ذلك بل تغرسون رؤوسكم في الرمال، ام انكم تنظرون الى سكان الجنوب على انهم اناس يجب ان يكونوا تُبّعا لكم.

بالأمس القريب عندما تحررت برقة او انشقت عن النظام - لم تعد تهم المصطلحات بل العبرة بالنتائج - اصبحت بنغازي قبلة لبعض مسئولي الغرب وغيرهم من العرب والمسلمين. هلل البعض وأكبر فيهم "الفزعة" - فزعة ساركوزي واعتبرهم مناصرين لحقوق الانسان ومنحهم ارفع الاوسمة والنياشين، بل وصل الامر الى منح البعض حق المواطنه. تتحدثون ايها السادة عن العالم بأنه يكيل بمكيالين وانتم تعملون نفس الشيء، تحلّونه لأنفسهم وتحرمونه على الغير، أليس من حق سكان الجنوب استقبال من يرون انه يساعدهم في الوصول الى اتفاق مع ابناء وطنهم الذين اداروا لهم ظهورهم فأصبحت فزان منكوبة.

الغرب الليبي بغالبيته يقع تحت سيطرة حكومة الوفاق، بل نجد ان بعض المناطق التي كانت الى وقت قريب محسوبة على البرلمان تغازل الرئاسي وتتودد اليه، زيارات متبادلة، الرئاسي بتخاذل البرلمان الذي اصبح ميّت سريريا عن مد يد العون لتلك المناطق جعله يمد اوصاله للحصول على اكبر قدر من الاعتراف الجهوي به ويثبت وجوده.

هكذا هي الدنيا يا نواب الامة، من يسقط يكن فريسة للغير، عودوا الى رشدكم، فانتم لستم اهلا لتحمل الامانة والذود عن الوطن، كفى تسفيها وتمويها، الشعب لم يعد مغفل. تبا لكم من لجنة دفاع وامن، كلنا يعرف ان كافة استخبارات العالم تتحرك وبكل اريحية على تراب الوطن، انكم تنعقون كالغربان، ان كنتم تريدون تسجيل موقف، فمواقفكم المصلحية لم تعد تخفى على احد.

السيادة.. كبرت كلمة تخرج من افواهكم، نجزم بان المواطن قد اخطأ الاختيار(مع احترامنا للقلة-التي لم تغادر تراب الوطن إلا نادرا) انكم تعيشون خارج الوطن كأولئك الذين سبقوكم وجلبوا لنا الاستعمار بهيئته الجديدة، تكملون المشوار الذي بدؤوه، فجميعكم تنهلون من نفس المصدر.