صفقة القرن والقانون الدولي

الإعلان عن صفقة القرن أتى ليدمر قرارات الأمم المتحدة والمئات من مشاريع الحلول وعددا مماثلا من القرارات الصادرة عن منظمات دولية وإقليمية.

توّجت الولايات المتحدة وإسرائيل رؤيتهما للحل النهائي لقضية الدولتين، بصفقة ثنائية بطلاها دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو، مشروعا للحل وبخلفيات انتخابية بحتة، وبموجبها يتم إعادة انتخاب الرئيس ترامب لولاية رئاسية ثانية، فيما تؤمن لنتنياهو هروبا للأمام من الملاحقات القضائية، وتضع له حظوظا في تجاوزه للمرة الثالثة في الانتخابات التشريعية الإسرائيلية القادمة. وقد شكّل الإعلان نقطة تحوّل دراماتيكية وسط ظروف عربية وإقليمية ودولية لا مثيل لها لجهة الضغوط وتلاشي القدرة على المواجهة، لاسيما وان الاتفاق نفسه قد رُفض من الطرف الثالث الفلسطيني الغائب أساسا عن الاحتفالية والإعلان.

وبصرف النظر عما إذا كان الإعلان ولِدَ ميتاً أم لا بنظر الكثيرين، إلا انه يتضمن نقاطا قضت على قرارات دولية ومشاريع حلول تعد بالعشرات. والأخطر في كل ذلك أن الإعلان يشكل تحديا للشرعية الدولية التي وضعت للقضية الفلسطينية وحل الدولتين مسارات واضحة رغم عدم الالتزام بها واقعيا من قبل الطرفين أصحاب الإعلان.

إن التدقيق في نص الإعلان يظهر العديد من الجوانب السلبية التي يستحيل تجاوزها. فقد تم تجاوز القرارات الدولية ذات الصلة بحل الدولتين الذي أسس له القرار 181، ويحاول القضاء على عودة الفلسطينيين إلى ديارهم وفقا للقرار 194، كما تجاوز مبدأ عدم مشروعية احتلال الأراضي وانسحاب إسرائيل وفقا للقرار 242، وحق تقرير المصير الموثق بقرارات صادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عبر نزع السيادة عن الأراضي الفلسطينية المقترحة وأجوائها، واعتبار الدولة منزوعة السلاح. ويكرس الإعلان سياسة الفصل العنصري عبر إجبار الفلسطينيين الاعتراف بيهودية الدولة، وجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية في وطنهم، كما يعمد الإعلان وبشكل صريح إلى تشريع المستوطنات الفلسطينية في مناطق السلطة الفلسطينية وإعادة ضم وفرز أراض جديدة لصالح ضم المستوطنات إلى الدولة اليهودية، وبالتالي خسارة المزيد من الأراضي للدولة الفلسطينية الموعودة، وهو أمر مخالف للعديد من قرارات مجلس الأمن والجمعية العامة. كما ويستفز الإعلان الدول الإسلامية وشعوبها إذ يضع الأماكن المقدسة تحت السيادة الإسرائيلية ويترك إقامة فروض الصلاة تحت نظر الاحتلال واستنسابيته.

ثمة محاولة خداع واضحة لا لبس فيها تتعلق بالقدس كعاصمة أبدية لإسرائيل، فيما ترك للفلسطينيين ما سميَّ بالقدس الشرقية وهي عمليا وواقعيا كما تنظر إليها إسرائيل لا تتعدى إحياء ابو ديس أو سلوان أو شعفاط. إضافة إلى ضم غور الأردن والمستوطنات فيه وهو مخالف أيضا لقرارات الشرعية الدولية، لجهة ضم الأراضي والمستوطنات التي ليس لها أساس قانوني. كما لم يذكر الإعلان قضية اللاجئين في الشتات وعودتهم إلى أراضيهم وفقا للقرار 194/1949، ولم يذكر أيضا مصيرهم في الدول التي يتواجدون فيها أو إمكانية التعويض عليهم. كما تضمن وعودا ماليا غالبيتها تندرج في إطار قروض لا هبات تمتد لسنوات لاحقة.

لقد قدم الإعلان الثنائي وعودا لا تقل خطورة عن تصفية القضية الفلسطينية وفي أحسن الأحوال تقزيمها، وجعلها مناسبة للتذكر من وقت لآخر، فالقضية الفلسطينية تستحق الكثير من الجهد والاهتمام العربي والدولي، لاسيما وإنها من أقدم القضايا الدولية المتروكة والتي تتعاظم آثارها وتداعياتها مع الوقت. والأغرب في هذا السياق أن الإعلان أتى ليدمر المئات من مشاريع الحلول وعددا مماثلا من القرارات الصادرة عن منظمات دولية وإقليمية، والأغرب من ذلك كله استبعاد الطرف الفلسطيني من الإعلان وهو في الأساس رافض له شكلا ومضمونا.

والأخطر من هذا كله، ما يؤسس الإعلان لخلافات فلسطينية - فلسطينية، إضافة إلى تداعيات الإعلان وآثاره على دول المنطقة وبالأخص دول الطوق، من خلال ما يدبر لها من أدوات ضغط ووسائل ترهيب وترغيب للقبول بما يعتبر امرأ واقعا لا ريب فيه.ثمة تسميات كثيرة متعددة ومتنوعة الأبعاد والخلفيات ألقيت على القضية الفلسطينية بدأت بالنكبة وألحقت بالنكسة، واستتبعت اليوم بالصفقة والصفعة، فماذا ينتظر الفلسطينيون وقضيتهم في قادم الأيام؟