عادل عبدالمهدي والخيارات المفتوحة

يخطو رئيس وزراء العراق خطوات حذرة لكنها مهمة في سبيل استعادة ثقة المواطن بجهاز الدولة وبالمسؤولين سوية.

لعل خروج رئيس الوزراء من المنطقة الخضراء المحصنة وفتح شوارعها امام المواطنين لم يكن حدثا عاديا بكافة المقاييس ومساواة رواتب الحشد الشعبي بأقرانهم في القوات المسلحة لم يكن بالأمر الهين او السهل وإعلانه عن مشروع تمليك قطع اراضٍ لكل مواطن وبالخصوص من سكان العشوائيات لم يأتِ من فراغ بل من عزم على تنفيذ خطط مستقبلية كفيلة بالقضاء في وقت واحد على أزمة السكن المستعصية اولا؛ والعشوائيات المنتشرة بكثافة ثانيا. وإشارته الى اقامة بنى تحتية بمساعدة الدولة والجيش والاستثمار الخاص من المؤشرات الإيجابية على امكانية تنفيذ المشاريع الستراتيجية في البرنامج الحكومي التي ظلت حبرا على ورق في الماضي بإدخال قوى فاعلة جديدة مؤثرة وقادرة على الانجاز في سوق البناء والاعمار مثل الجيش.

ان متطلبات إنهاء التمييز المناطقي الذي عزل المسؤول عن معاناة المواطن لسنوات وتلبية مطالب اغلب المواطنين المشروعة بالمساواة في الرواتب ومطالب الطبقات المهمشة بامتلاك أرض او مسكن بسيط على خارطة هذا الوطن خطوات لإنجازات اكبر. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: ما الذي يميز الدكتور عادل عبدالمهدي عن غيره ممن سبقوه في هذا المنصب؟ وما هي امكانية تنفيذ المشاريع التي طرحها؟

لا شك ان رؤية وسلوك رئيس مجلس الوزراء جعلته في منأى عن الخلافات السياسية فهو لم يتدخل في الخلاف بين الفتح وسائرون وفي اروقة البرلمان حول اختيار وزراء المنظومة الأمنية والوزارات المتبقية الاخرى قد يكون لأنه مستقل اولا؛ او لا يريد ان يخسر اي طرف سياسي في البرلمان ثانيأ؛ ام انه متفرغ لطرح مشاريع كبيرة تهم مستقبل العراق ثالثا.

كل ذلك شكل سابقة في ادائه اختلفت عن سياسة من سبقوه، لأنه حقق فرض القانون بهدوء وروية حينما قيد العشائر الخارجة عن القانون مستعينا بالقضاء ويحارب الارهاب بالتفاهم مع كردستان والحشد واميركا وإيران دون ان يخل بالتوازن الذي يحتاجه العراق في التعامل مع هذا الملف الشائك والخطير، وانه هادئ يتجنب الصدام السياسي المباشر الذي اضر بالعراق وسمعته وادخل البلاد في أتون معمعة انجبت ازمات متلاحقة ومتوالدة بدأت ولم تهدأ.

وان كانت السلطة التنفيذية تعمل بصمت بعيدا عن المناكفات السياسية ولم تكن جزءا منها طيلة الشهر الماضي من عمرها، فان هذه المدة قصيرة جداً للحكم على اداء حكومة او مسؤول لان الخيارات ما زالت مفتوحة للعمل وتحقيق الاهداف امام الدكتور عادل عبدالمهدي. فقوة القضاء وحزم الأدوات التنفيذية في التعامل مع التهديدات التي تخل بالأمن ومراقبة القضايا الطارئة مثل السيول وتشكيل خلايا الأزمة الفعالة والتصالح مع كردستان والتجاوب مع مطالب المواطنين والإحساس بآلامهم وتطلعاتهم والسعي لتنفيذها... كلها امور تستحق التوقف مع رئيس وزراء يدعمه الجميع حتى الفرقاء في الداخل والخارج ويعمل دون ان ينظر الى فريق على حساب الاخر او يرد حتى على منتقديه. لكن استمرار النجاح يبقى معلقا ان التزم رئيس الوزراء جانب العراق اولا؛ والمواطن ثانيا؛ الانجاز على الارض ثالثا؛ والحيادية مع الكتل السياسية رابعا؛ والمحاور الاقليمية والدولية خامسا.