عام على حراك لبنان

اليأس من التغيير أخطر ما يواجه اللبنانيون اليوم.
ثمة لبنانيون لا يبالون لما يحيط بهم وكأنهم ينتظرون امراً كان مقضيا
من المفارقات العجيبة الغريبة في لبنان ان تجد أحزاب السلطة هي من تقود حراك الشارع

في السابع عشر من أكتوبر/تشرين الأول يكون قد مرَّ عام على انطلاق الحراك في لبنان على قاعدة المطالبة بالإصلاح، والذي تدرَّج فيما بعد لإسقاط النظام. هذا الحراك لا يشكل سابقة في سياق المطالبات الشعبية بالتغيير والإصلاح، ورغم المحطات المعبرة التي ظهر فيها، الا انه الى الأن لم يسجل أي خرق لتحقيق أي من شعاراته التي رفعت، فما هي أسباب ذلك؟ وما هي الظروف التي عززت من فشل الحراك الى الآن؟

فلبنان الذي يرزح اليوم تحت ازمة كيانية وجودية، يغرق بأزمة اقتصادية مالية لا سابق لها، حيث الطبقة المتوسطة تلاشت، وشاع الفقر بين شرائح اجتماعية واسعة وانتشر العوز والمرض، وشاع التفلت الأمني في معظم المناطق، حيث انتشرت مظاهر التفكك المجتمعي ومظاهر تلاشي السلطة الرسمية. كل ذلك يترافق مع حكومة مستقيلة ليس لها القدرة حتى على تصريف الاعمال، وفي وقت لم يتفق على تكليف لتشكيل الحكومة، وفي ظل التأجيل المتعمد لما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية، حيث وضعت المبادرة الفرنسية جانبا، وترك لبنان لقدره.

اذن، هذه المظاهر مجتمعة كافية لتحريك أي مجتمع للتغيير والوصول اقله الى نتائج مرضية، الا ان الحراك اللبناني لم يتمكن من تحقيق نجاحات تذكر للعديد من الأسباب من بينها، تشرذم مجموعات الحراك بين عشرات المجموعات ان لم تكن مئات، وعدم التوصل الى برامج محددة للإصلاح، وسط غياب قيادات كارزمية قادرة على اجتذاب الجماهير وهي كثيرة وحائرة. وفوق ذلك كله، افتقاد جماعات الحراك الى تنظيم سياسي ريادي قادر على استيعاب وتأطير أصحاب المصلحة في التغيير والإصلاح.

ان مفتاح نجاح أي حراك مطلبي ذات ابعاد اجتماعية اقتصادية مرتبط بوجود تنظيمات سياسية قادرة على افراز قيادات موجهة ومؤثرة في تحريك الشارع، وهو امر مفقود لدى المعارضة في لبنان، وثمة عوامل محبطة للوصول الى ذلك، بفعل تجربة اللبنانيين مع الأحزاب التي سادت خلال الحروب المتواصلة منذ العام 1975 وحتى أيامنا هذه.

ومن المفارقات العجيبة الغريبة في لبنان، ان تجد أحزاب السلطة هي من تقود حراك الشارع وتجدها في طليعة المعترضين على سياسات السلطة نفسها التي هي جزء منها، والمضحك المبكي ان تجد شعاراتها ووسائل التعبير عن عدم الرضا اشد قساوة وعنفا من تجمعات الحراك وبعض أحزاب المعارضة، كما ان ظاهرة احتواء النقابات والاتحادات امر شائع في لبنان حيث تحرك وفق مصالح من في السلطة واحزابها وبعض مؤيديها.

جانب آخر من الأسباب التي تسجل في خانة اليأس والإحباط الذي وقع فيه معظم اللبنانيين، والذي عزز من فرص الفشل هو عدم الايمان بإمكانية التغيير، اذ بات من يطالب بالإصلاح والتغيير ينظر اليه كوجه من وجوه الفساد السياسي والمالي الذي يسود الحياة السياسية في لبنان، الأمر الذي صعَّب من فرص التغيير والاتكال على القاعدة الشعبية العريضة التي تتقاطع مصالحها مع التغيير.

ثمة بعض القائمين بالحراك كما الذين في السلطة، يترقبون ويتحينون الفرص لاستغلال مناسبات ووقائع واحداث خارجية لاستغلالها اما في عمليات التصعيد او إطفاء محركات الحراك، وهو امر شائع وواضح، واستعمل في العديد من المحطات خلال العام المنصرم، رغم انه لم يحقق أي نجاحات ذات قيِم وازنة. والمفارقة الأغرب في هذا المجال، ان بعض الأحزاب التي تعاير اخصامها السياسيين بالوقوف خلف مطالب قوى خارجية، فيما هي نفسها تعتمد وبشكل كبير على دعم قوى خارجية إقليمية وازنة.

في أي حال من الاحوال، ثمة حركات شعبية استهلكت زمنا طويلا لتحقيق بعض ما ترنو اليه من غايات واهداف، وبعضها الآخر لم يتمكن من تحقيق أي شيء، فآثر الانسحاب من المواجهة، فيما حراك لبنان يعتبر امرا استثنائيا وخارجا عن تلك القواعد، فرغم الضياع الذي يقابله تحشيد كبير ولافت للبقاء في الشوارع، ثمة حجم كبير بات لا مباليا لمعظم ما يحيط به وكأنه ينتظر امراً كان مقضيا. فهل سيستهلك الحوار سنين قادمة كثيرة للتغيير، في لبنان انه ضرب من ضروب التبصير والتنجيم.