علي أبوالريش يرى أن الصحافة مهنة تتعارض مع مباغتة الإبداع

الروائي الإماراتي يؤكد أن الكتابة القصصية ليست كالرواية، فلكل فن من هذين الفنين، أجواؤه وفضاءاته الفنية، ولا يستطيع المبدع أن يجيد الفنين في آن واحد.
الأعمال القصصية أو الروائية التي حولت بفعل فاعل إلى أعمال مسرحية لم تقدم شيئاً مقنعاً بل شوهت حقيقة العمل الإبداعي
في كتاباتي الروائية لا أعتمد أسلوب البداية والنهاية، والتصاعد المتنامي للحدث

أكد الكاتب الروائي الإماراتي علي أبوالريش أن الكتابة القصصية ليست كالرواية، فلكل فن من هذين الفنين، أجواؤه وفضاءاته الفنية، ولا يستطيع المبدع أن يجيد الفنين في آن واحد، إذا أراد أن يؤسس تجربة إبداعية حقيقية.
ويرفض أبوالريش فكرة إلغاء الفوارق بين الأجناس الإبداعية قائلا: لو استطعنا أن نحول الدماء إلى ماء، بإمكاننا أن نضع مزيجاً من هذه النصوص، لتصبح نصاً واحداً، مشوهاً غائب الملامح، ولا أعتقد أنها بحاجة إلى هذا التشويه. أتصور أن لكل فن من هذه الفنون خصوصيته وتفرده، حتى الأعمال القصصية أو الروائية التي حولت بفعل فاعل إلى أعمال مسرحية لم تقدم شيئاً مقنعاً بل شوهت حقيقة العمل الإبداعي.
ومن وجهة نظره "إذا عملت في الصحافة، فينبغي عليك أن تصبح لصاً ماهراً، تستطيع أن تسرق الوقت، لتحرس حقك في الكتابة".
ولد أبوالريش في أبوظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة، حصل على ليسانس الآداب في علم النفس جامعة عين شمس عام 1979، التحق فور تخرجه بحقل الصحافة، فعمل محرراً بجريدة الاتحاد، وتقلد خلال هذه السنوات المناصب القيادية داخل الجريدة حتى وصل لمنصب رئيس التحرير فيها. وعلى ضفاف إبداعاته كان هذا الحوار:
عن هجرته من القصة القصيرة إلى عالم الرواية قال أبوالريش: ليست هجرة، بل هي نداء داخلي، المبدع كالطفل يبدو في حالة فوضى الفعل، فيحارس تلامسه مع الواقع متكئا على حرقة داخلية تدفعه بأن يعبر عنها بمختلف الصنوف الأدبية، ويستمر هكذا إلى أن تهدأ عاصفة الطفولة الإبداعية، ثم تبدأ عملية الفرز في مرحلة النضج، لتأخذ الملكات طريقها الصحيح، فلا أعتقد أن شاعراً بدأ كتابة الشعر قبل أن يطرق صنوف الأدب المختلفة، ولا أعتقد أن روائياً بدأ هكذا دون أن يناله داء الكتابة بألوانها المختلفة، والتاريخ الإبداعي على مر العصور.
وأضاف: الكتابة القصصية ليست كالرواية، فلكل فن من هذين الفنين، أجواؤه وفضاءاته الفنية، وفي تصوري لا يستطيع المبدع أن يجيد الفنين في آن واحد، إذا أراد أن يؤسس تجربة إبداعية حقيقية، فإذا كان نجيب محفوظ قد تربع على عرش الرواية العربية فإنه كتب القصة القصيرة لكنه لم يستطع أن يضع أقدامه على نارها الحامية كما فعل يوسف إدريس، القصة القصيرة ليست فناً سهلاً، بل هي بحاجة إلى طاقة إبداعية من نوع خاص. كذلك الرواية لها عمودها الفقري القائم على النفس الطويل، والقدرة على بعث الأحداث في سرد لا يخل بقيمة العمل الإبداعي.
التداعي الطليق
وعن أهمية علم النفس في الأعمال الإبداعية قال الكاتب الإماراتي: الحديث عن علم النفس حديث شائك معقد، لأنه أي هذا العلم، يدخل في تفاصيل حياتنا اليومية الدقيقة، وكل نبضة قلب، أو غمضة جفن، تكون مرتبطة بعلم النفس، فلا أعتقد أن عملاً إبداعياً يستطيع أن يحقق مشروعه الإنساني إلا إذا استطاع أن يتلامس مع ذلك العميق في النفس، واستدعائه كشاهد على ما يجري .
أما عند استخدام علم النفس كمنهج في الكتابة، فأنا على يقين أن للاشعور دورا أساسيا في العملية الإبداعية، وللتداعي الطليق في تنمية الحدث الروائي علاقة لصيقة، كما هي علاقة الماء بالشجر، هناك بعد مهم في حياتنا، ألا وهو "الهو" هذا المجنون العاقل جداً، يملك من القدرات في بث الروح في جسد العمل الإبداعي، ما لا تستطيع أي قوة فعله، ولا أعتقد أبداً أن أي تصرف يقوم به الإنسان إلا ويكون مرتبطاً بعلاقة مباشرة مع تلك القوة الجبارة التي أطلق عليها مجازة بـ "الهو" ما نلاحظه في السلوك اليومي للأفراد، ما هو إلا صورة مغلوطة لفعل اللاشعور، وإذا أردنا أن نتعامل مع الحدث الإبداعي بشكل صحيح، لا بد أن نلجأ إلى اللاشعور لأنه يختزن زمننا الذاتي ومكاننا الداخلي، هذان البعدان اللذان تقوم على أساسهما أعمدة الرواية.
وعن التراكيب الشعرية والجمل المتدفقة الموحية في أعماله الروائية يوضح علي أبوالريش أنه ليس شاعرا ويقول: لست شاعراً، لا أدعي ذلك أبداً لأن للشعر فرسانه وأعمدته الكبيرة جداً، وقاماته، ولكن تبقى مسألة يجب أن نعيها جيداً، وهي أننا أمة الشعر، وشفاهية البوح، لذلك فلا غرابة إن جست الرواية عندي روح الشعر، لأن الرواية العربية بمجملها خرجت من معطف الشعر، والحكاية الشفاهية في قصصنا وأساطيرنا، إضافة إلى أن السرد الروائي لم يقبع في جلبابه العتيق، بل إن روح العصر، فرضت على كاتب الرواية أن يتحرر من أسلوب الكتابة الروائية التقليدي، هناك مدارس تجاوزت حدود التقليد، وطرقت أبواباً مختلفة.

Literary dialogue
لا أكترث كثيراً بما يقدمه النقد

وأضاف: في كتاباتي الروائية لا أعتمد أسلوب البداية والنهاية، والتصاعد المتنامي للحدث، حتى يخلص إلى حالة الضمور، بل إن ما أنتهجه هو الدوران الداخلي وإلى الجملة المركبة المعتمدة كلياً على التداعي الطليق، دون حدود، أو مقاييس، أنا لا أفصل الحدث كما أشاء، بل إنه يأخذ بيدي كيف يشاء معتمداً على ثورته الداخلية، وفن الاستدعاء للأبعاد المترامية الأطراف. إنني أحاول أن أؤسس تجربتي المنفردة وأتمنى أن أحقق ذلك.
وعن إلغاء الفوارق بين النصوص الإبداعية، فتكون القصيدة أو المسرحية أو الرواية أو القصة "نصًّا" غير محدد، يجيب أبوالريش قائلا: لو استطعنا أن نحول الدماء إلى ماء، بإمكاننا أن نضع مزيجاً من هذه النصوص، لتصبح نصاً واحداً، مشوهاً غائب الملامح، ولا أعتقد أنها بحاجة إلى هذا التشويه. أتصور أن لكل فن من هذه الفنون خصوصيته وتفرده، حتى الأعمال القصصية أو الروائية التي حولت بفعل فاعل إلى أعمال مسرحية لم تقدم شيئاً مقنعاً بل شوهت حقيقة العمل الإبداعي وإحالته إلى التقاعد.
ونلج إلى عالم الصحافة ونسأله عن فضل الصحافة عليه، وهل أثرت سلبا على كتاباته الروائية، فجيب: الصحافة مهنة مشاغبة، دائماً تتعارض مع مباغتة الإبداع، فالذين يعملون في الصحافة يواجهون جلاداً يومياً، يشهر عصاه في وجه العملية الإبداعية، يحاول أن يقمع صوتها، ويطفئ لهيبها، الصحافة مهنة المتاعب للصحفي غير المبدع، فما بالنا لمن يعاني عذابات الكتابة الإبداعية، الحقيقة إن ما تفعله الصحافة بالمبدع، أحياناً يتساوى عندي بفعل السجان، إنه يحاول أن يمنع الهواء النقي من دخول غرفة السجين، ويذيقه الحرمان بشتى أشكاله، الإبداع مسألة فيها البعد الإنساني، والنظرة إلى ما بعد سطح الأرض، هناك مشكلة تواجه الكاتب، ألا وهي مشكلة عدم وعي الآخر بمفهوم الإبداع، واعتقاده أن الكتابة هي مجرد رغيف يومي يمكن أن يقطف في أية لحظة، والحقيقة عكس ذلك، فالمبدع إذا لم ينل قسطاً من حرية النأي بعيداً عن مترادفات الصحافة وعلاقتها بالسياسة، فإنه يفقد توازنه بل إنه يعيش في دوار يومي يفتك به، إذا عملت في الصحافة، فينبغي عليك أن تصبح لصاً ماهراً، تستطيع كيف تسرق الوقت، لتحارس حقك في الكتابة.
ثنائية بن شهوان
"ثنائية مجبل بن شهوان" إحدى روايات علي أبوالريش، ونسأله عن الإضافة التي أضافتها إلى مسيرته كروائي؛ فيقول: هذا العمل، طرح فكرة الشرخ الكبير الذي غرس آلامه في النفس والعقل، وبقي الإنسان العربي يعاني من فقدان الوزن. 
ويوضح أن رواية مجبل جاءت تتويجاً لطريق شاق، ليس على صعيد السياسة والاقتصاد أو الاجتماع فحسب، وإنما لمست الجرح الغائر في النفس والرأس، لمس الوجود، وتعاطى مع هذا الكون، من أن هناك قوى بشرية خفية، هي التي أعطت الأشياء مسمياتها، واستباحت فکر البشرية، وسلمنا نحن بما حفظنا واعتقدنا أنه تنزيل من فوق، لا يقبل النقاش أو السؤال. 
مؤكدا أن مجبل بن شهوان لم يطرح الإجابة، بل طرح الأسئلة فقد تكون فجة غليظة، لكنها لن تكون أكثر فجاجة من تلك القوى التي فرضت علينا الاستسلام حول كل شيء.
وعن موقف النقد من أعمال الكاتب الإماراتي علي أبوالريش يقول: إنني لا أكترث كثيراً بما يقدمه النقد، ما يهمني هو كيف أستطيع أن أقدم شيئاً  جديدا، وفي اعتقادي أن الناقد مبدع آخر، يقوم بالصياغة المختلفة، ويعمل على كتابة النص الإبداعي المطروح أمامه ليطرح أسئلة أخرى، الناقد مبدع حقيقي إذا استطاع أن يتخلص من قوالب المدارس الثابتة، وتحول إلى تلميذ يطرح أسئلته بشكل واع، وبعيداً عن الحدود الجامدة. 
وأضاف: في الوطن العربي نقاد يستحقون التقدير، نقاد أثبتوا بالفعل أنهم كبار جداً، لأنهم تجاوزوا حدود المعرفة الساكنة وتحركوا بعيداً عن السدود المائية الخانقة. (وكالة الصحافة العربية)