عن إقليم البصرة

كيفما قلبت الأمر، سيكون الإقليم خسارة مضافة لأهل البصرة.

ترددت كثيراً قبل الإقدام على كتابة هذا الموضوع، والتردد نتيجة الإلتباسات الكثيرة التي تحف به، ولعلمي أن الكثير من مؤيدي الإقليم حسنو النية، ينشدون الخير لهم ولبصرتهم، خصوصاً وأن إهمال البصرة لا يناقش فيه إثنان، رغم أنها المصدر الأساسي لخبزة العراقيين إينما كانوا. ولعل هذا الإهمال المتعمد سياسة مقصودة لذاتها للوصول بالناس إلى تبني مثل هكذا موضوع شرع لهم وأبيح عبر دستور وضع لغايات لم تعد خافية، إلا لمن لا يريد أن يبصر. لكن مروجي الإقليم ومتصدري الدعوة له ليسوا كذلك، هم مجموعة يعرف البصريون قبل غيرهم فسادهم، هم وأحزابهم التي وضعتهم في قمة الهرم في المحافظة، أو كنواب في البرلمان الإتحادي، أو وزراء ما بعد التاسع من نيسان 2003. صحيح أن الحكومة المركزية أهملت متعمدة البصرة، لكن قياداتها المحلية من محافظ، ومجلس محافظة، ومدراء، نزولاُ إلى أبسط مسؤول، هي من سرقت أموال البصرة، وهي من ولغت في الفساد، والسارق والفاسد لا يبني إقليماً مزدهراً، ولا يعمر شارعاً، همه أن ينهب ما يستطيع نهبه.

هم يكذبون في كل شيء، يدعون أنهم يفعّلون ما أباحه لهم الدستور، وأنهم لا ينشدون سوى الإدارة الذاتية، وكأن الإدارة الذاتية لا تستقيم إلا بإقامة إقليم، من رئيس، ورئيس وزراء، ووزراء، وبرلمان، وما يترتب على هذا من إهدار للمال العام على حفنة من الأشخاص سيكونون هم "المستفيدين" حصراً، أما غيرهم من بسطاء الناس فلن يتغير وضعهم إن لم يسوء أكثر فأكثر، فإذا كان الفاسد البصري حالياً يحاسب مهما كان منصبه من الحكومة المركزية إذا تصرف على هواه ومن دونما تنسيق مع غيره من النهابين في المركز، فإنه بعد تأسيس الإقليم سيكون في مأمن من ذلك، شانه شأن المسؤولين في إقليم كردستان، ويصدق المثل عند ذاك "خلت الدار لمطيرة وطارت بيها فرد طيره".

***

دعونا نناقش الأمر ببرودة أعصاب، يقول الداعون إلى الإقليم أن خيرات البصرة تذهب لغير أهل البصرة، ويقصدون بغير أهل البصرة أخوانهم من العراقيين في بقية المحافظات، وعلى الرغم مما في هذه النغمة من خطأ كافر، حيث يصبح أبناء الوطن الواحد من الأغراب، فإن هذا الكلام غير صحيح، إذ ليست البصرة وحدها تنتج النفط. فقد ثبت أن العراق كله مستودع نفط، ليست البصرة فقط، ولا حقول مجنون في ميسان، ولا حقول كركوك، بل كل بقعة في العراق، بما فيها بغداد، هي أرض واعدة لخيرات في باطن الأرض ستجعل العراق أكبر بلد في إحتياطي النفط في العالم. ونفس الشيء يقال بالنسبة للغاز، الذي اكتشفت أهم حقوله الواعده في صحراء الأنبار، وتزخر باطن الأرض العراقية بإحتياطي غاز هائل سيغير المعطيات كلياً.

أن النهوض بالبلد، وتطوير الخدمات، ووضع مصالح الناس، ومصلحة البلد فوق كل إعتبار، لا يحتاج إلى تقسيم المقسم، فهي سياسة رعناء وغبية، إنما يحتاج إلى وضع مقدرات البلد بأيد أمينة وبعيدة عن التأثيرات الأجنبية.

لماذا سياسة التقسيم سياسة رعناء وغبية؟

إن العراق كان وما يزال وحدة طبيعية، هكذا وجد منذ البداية، وهكذا سيبقى حتى النهاية.

لنفترض أن الداعين إلى الإقليم أفلحوا في مسعاهم في إنجاز مهمة الإقليم، وما بعدها، ولنتساءل كيف سيسوقون النفط، قد يبدو هذا الطرح ساذجاً، إذ كيف يسأل كيان يشرف على الخليج مثل هذا السؤال، صبركم علينا، ألم تسنوا سنة مفادها مصلحة أبناء المحافظة (الإقليم) أولاً، على نفس المنوال سينسج إبن الناصرية، وإبن السماوة، وإبن الديوانية، والحلة، وبغداد، والرمادي والموصل، سيمر نفطكم بأرضه، ومن حقه أن يفرض الرسوم المناسبة، وما عليكم إلا أن تحسبوا الكلفة بعدئذ.

قد يقول قائل ثمة بدائل لهذا الطرح غير الممكن وغير المعقول، حسناً، ما هي؟

عن طريق السعودية، ميناء ينبع. ولكن هل فكرتم بالكلفة؟ السعودية لن تسمح بمرور نفطكم، حتى لو تجاهلت الأمر مرحلياً لحين إستقلالكم، ولنفترض أنها سوف لن تفرض رسوماً، لكن نفطكم سيقطع السويس، وبالتالي ستفرض عليه رسوم إضافة، ولو حسبنا المسافة والوقت وبالتالي الكلفة، فإن نفطكم لن يكون له أفضلية تسويقية. نفس الشيء يقال إذا أردتم مد الأنابيب عبر السعودية ثم والأردن ثم لبنان أو سوريا فإن الكلفة حينئذ ستتضاعف.

نفس ما ذكرناه الآن سنقولة فيما يتعلق بخط السكك الحديد، أو القناة الجافة، حيث ثبت أن الطريق الأقصر، والأقل تكلفة هو عبر العراق الموحد إلى تركيا، ثم فرع إلى سوريا، مع الربط بطريق الحرير الذي شارف على الإنتهاء.

ودولة ليس لها سوى مطار، ومساحة بالكاد هي المساحة المحددة لهبوط الطائرات، لن تكون لها سلطة طيران، لذا فإجواء المدن التي ستمر عليها، ستفرض عليها الرسوم المناسبة، هذا إذا إفترضنا أن الزبير لن تطالب مستقبلاً بالإقليم المنفصل، وعندها لا ندري تحت أي سلطة سيكون النفط؟

***

يقول الداعون إلى الإقليم أنهم يستندون إلى الدستور، متجاهلين أن الدستور الذي وضعه المحتل، هو أس خراب العراق، وسبب الفوضى، التي أريد لها أن تكون شامله ومتجدده في كل مرحلة، وأن المطلوب لمصلحة العراق والعراقيين إسقاط هذا الدستور أو تعديله بما يحفظ للعراق وحدته وسيادته وإزدهاره.

***

أسئلة ستطرح نفسها مستقبلاً:

ماذا بخصوص الحقول المشتركة بين العمارة والبصرة؟

ماذا بخصوص الحقول المشتركة بين البصرة والناصرية؟

ماذا بخصوص ميناء الفاو الكبير وميناء مبارك، والحقول المشتركة بين الكويت والبصرة، والقناة الجافة؟

ماذا بخصوص شط العرب، والموقف من خط "التالوك"؟