فرح النابلسي تترجم ألم الفلسطنيين في 'الهدية'

مخرجة الفيلم المترشح للاوسكار تسلط الضوء في عملها السينمائي على معاناة فلسطينيين من خلال حواجز العبور اليومية التي تستنزف طاقاتهم الجسدية والنفسية.

 "تظل الحكايات تمجّد الصيّاد، إلا أن يتعلم الأسد الكتابة" هذا المثل الإفريقي الذي استشهدت به المخرجة الفلسطينية فرح النابلسي وهي تفسر اهتمامها بالفن السينمائي، والذي تستطيع من خلاله أن تترجم حجم الألم الذي يعيشه بعض البشر المنسيين وفاقدي الحرية، أي أن السينما ستكون نافذة العالم كي يُطِلّ على بعض الجوانب القاتمة للفلسطينين وهم يعانون من الحصار، حتى حينما يذهبون إلى العمل أو التسوّق أو الدراسة أو الاستشفاء. 
وفيلم "الهدية" من الأفلام الروائية القصيرة الصادرة هذا العام2021. ومنذ صدوره حتى هذه اللحظة، استقطب اهتمام الكثير من النقاد العرب وغيرهم مما أهّله أن يترشح لعدة جوائز ومنها جائزة الأوسكار، عن الأفلام الأجنبية القصيرة.
 ورغم التكثيف في لغته التعبيرية، حيث لا يتجاوز طول الفيلم سوى خمس وعشرين دقيقة، ولكنه– على قِصَرِهِ - استطاع أن يلتقط بؤرة المعاناة التي يعيشها الفلسطينيون، وذلك من خلال حواجز العبور اليومية التي تستهلك طاقاتهم الجسدية والسايكولوجية، وتجعلهم يشعرون بأنهم مقيّدون حتى في أبسط أفعالهم الإنسانية، ويوظفها بشكل دقيق، متماشيا مع المزاج العالمي لحقوق الإنسان. 
 لقد تناولت المخرجة فرح النابلسي جزئية صغيرة من حياة بعض الناس، ومنها على سبيل المثال، حاجة بيتهم إلى ثلاجة، فيحاول الزوج( يوسف) أن يذهب إلى السوق مصطحبا ابنته الصغيرة لشراء ثلاجة، ويستغل ذكرى زواجهما فيعتبرها هدية لهذه الذكرى، ولم تعلم الزوجة عن الهدية ولكن أقصى مناها أن يعودا دون تأخير. 
وفي رحلة الذهاب مع طفلته يتعرض يوسف إلى تفتيش مذل وتأخير متعمد من قُبَل بعض الجنود في الحاجز، وبعد تأخير مدمر للأعصاب وصل مع ابنته المتعبة إلى الأسواق، فاشترى ما ترغب به طفلته الصغيرة،إضافة إلى حاجة البيت من الفواكه والخضروات، ثم توجه إلى محل بيع المواد الكهربائية، حيث أخذ الثلاجة التي طلبها مسبقا، وطلب من البائع أن يطوّقها بشريط الهدايا الأحمر.
 وحملته سيارة "البيك اب" للبائع من أجل إيصاله إلى داره التي تقع قريبا من المعبر، ولكن الجنود منعوا مرور السيارة التي تحمل الثلاجة بدون سبب، فيضطر يوسف الذي يعاني من الإرهاق وآلام الظهر أن يدفعها بواسطة عربة السحب، ولكن الجنود أوقفوه وبدأوا بلعبة الاستخفاف والاستفزاز.
 فقد طلبوا منه تفتيش الفواكه والخضر، ثم تركوه ليتحمل وحده دفع العربة من باب لا يتسع لمرورها، وحينما طلب منهم أن يفتحوا البوابة العريضة رفضوا، فظل يجادلهم حتى فقد أعصابه من الغضب.
 وفي خضم غضب الأب وإشهار الجنود لسلاحهم بوجهه، صمت الجميع حينما رأوا الطفلة الصغيرة، تعتمد على نفسها في فتح البوابة وتدفع الثلاجة في الطريق إلى البيت. 
ورغم عدم واقعية الحدث حيث ان طفلة لا تستطيع ان تدفع ثلاجة، فان المخرجة أرادت من هذه اللقطة ان تؤكد على حتمية انتصار الطفولة على أغلال المعابر. 
إنها لقطة تكشف عن حمولة إنسانية هائلة، تنمّ على إمكانية تحقيق الأمل، حتى في أسوأ المواقف والظروف.