قائمة استرشادية عربية للتراث الثقافي غير المادي

من الضروري إعادة النظر فيما يعتبر تراثا والحرص على إبراز ثقافات الشعوب العربية.

اعتمدت اليونسكو (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) اتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي في عام 2003، ووقعت عليها معظم البلدان العربية تباعا، وسميت الاتفاقية بالتراث الثقافي اللا مادي تمييزا لها عن الاتفاقية الشهيرة التي اعتمدتها اليونسكو في عام 1972، لحماية التراث المادي الملموس تحت اسم اتفاقية حماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي، وكذلك لأنها اهتمت بالأساس بحماية التقاليد والعادات والممارسات الثقافية الموروثة للشعوب التي هى غير مادية بطبيعتها، في مواجهة انتشار النمط الثقافي للعوملة وسيادته دوليا وانحسار العادات والثقافات المحلية للشعوب في ظل سيادة الثقافة الأميركية مع العولمة.

ورغم أن الاتفاقية تهتم بالتراث غير المادي للشعوب والحفاظ عليه، إلا أن نطاق عملها قد يمتد ليشمل بعض النواحي المادية المرتبطة بذلك التراث المعنوي؛ مثل الأدوات التي ترتبط به كالآلات الموسيقية في الغناء الشعبي، ومعدات التصنيع في الحرف الشعبية، والأماكن والمواقع الطبيعية التي ترتبط بها طقوس معينة، كموقع مولد محلي يقام في مدينة ما مثلا أو بحيرة محلية يرتبط بها طقس شعبي ما.. وهكذا.

وتهدف أولويات الاتفاقية للحفاظ على التراث الحي الموجود في الواقع بالفعل لدى شعوب العالم، كوسيلة للصمود في وجه تغول نمط الحياة المرتبط بالعولمة والثقافة الأميركية، لذا فليس من أولويات الاتفاقية تخصيص الموارد لإحياء التراث الذي اندثر بالفعل، وإن كان ذلك يقع على عاتق الدول عند اهتمامها بتراثها الشعبي كمجمل، يحتوي مجموعة من الممارسات المتداخلة التي يجب الحفاظ على وحدتها وصونها واستعادتها.

ويجب التفرقة بين ثلاث اتفاقيات شهيرة لليونسكو ذكرنا اثنين منهم، وهما اتفاقية 2003 لصون التراث الثقافي غير المادي، واتفاقية 1972 لحماية التراث العالمي الثقافي والطبيعي، والثالثة هى اتفاقية عام 2005 لحماية وتعزيز تنوع أشكال التعبير الثقافي التي تعرف اختصارا بحماية التنوع الثقافي، وقد يكون الهدف الأبرز لهذه الاتفاقية تميزا لها عن اتفاقية عام 2003 خاصة وكل منهما تتعلق بالتعبير الثقافي وممارساته، هو ضمان فكرة العدالة والحق في الوجود لمجموعة من الثقافات الفرعية المتنوعة داخل بلد ما به ثقافة رئيسية سائدة، بمعني أنه لو وجود مجتمع ما يحتوي على ثقافات وممارسات شعبية ترتبط بـ: البدو – وأهل الساحل – وأهل الزراعة- وأهل التجارة، فلا يحق للنمط التجاري الذي يرتبط عادة بالسلطة والعاصمة المركزية للدولة أن يهمش باقي أشكال التعبير الثقافي الموجودة في ذلك المجتمع.

وكذلك قد يعتبر البعض الدين نوعا من أشكال التعبير الثقافي للجماعات البشرية؛ وتضمن هذه الاتفاقية للأقليات الثقافية داخل المجتع الواحد حق التنوع والاختلاف والتعبير عما تعتقده، وفق منظور عادل ومعزز، في سياق تكامل ووحدة المجتمع الأم ومنظوره الأشمل لمنظومة قيمه العامة.

وإذا عدنا لاتفاقية صون التراث الثقافي غير المادي الموقعة عام2003م سوف نجد أنها أصبحت الأكثر شهرة وانتشارا في العالم، وتسابقت معظم الدول (خارج المركز الغربي) خاصة في الصين وأسيا وأميركا اللاتينية والمنطقة العربية وأفريقيا، في تفعيل بروتوكولات الاتفاقية الثلاث وهم: إعداد القوائم المحلية لحصر عناصر التراث الثقافي غير المادي- ترشيح العناصر للقائمة العالمية للتراث الثقافي غير المادي- الترشح لأفضل ممارسات الصون.

وبالطبع كان ترشيح العناصر الثقافية لقائمة اليونسكو للتراث الثقافي غير المادي العالمي هو الأبرز، نظرا لما تحققه القائمة من شهرة واسعة للدولة وعناصرها الثقافية المسجلة عليها، وشيئا فشيئا ومع زيادة الطلبات السنوية من الدول الموقعة على الاتفاقية للتسجيل في القائمة، بدأ اليونسكو في وضع شروط لتقييد الطلبات وعمل أفضلية للدول الأقل تسجيلا، وإعطاء الأولوية للعناصر الثقافية المشتركة التي تتواجد في أكثر من دولة، ويتقدم بترشيحها مجموعة من الدول مجتمعة وليس كل على حده.

من هنا ظهر الاهتمام مؤخرا بوضع قائمة استرشادية عربية لحصر العناصر الثقافية المشتركة الممكن العمل عليها، والتقدم بعناصرها على التوالى من جانب الدول العربية للترشيح لتدخل ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي العالمي لليونسكو.

فيمكن ترشيح عنصر الخط العربي مثلا ومدارسه كسمة تراثية مشتركة في البلدان العربية، وآليات حفظة ودمجه في مختلف نواحي الحياة المعاصرة، والتعرف على التجربة الخاصة بكل بلد مع أشهر الخطوط المستخدمة وطرق استدامتها وحفظها في كل بلد.

ويمكن ترشيح عنصر عادات الصيد وما يرتبط بها من ممارسات ثقافية مشتركة في مجموعة من البلدان الساحلية العربية، وكذلك تقاليد المجتمعات البدوية (أو الساحلية او الريفية) في المنطقة العربية ككل ما بين الخليج والشام وشمال أفريقيا.. والعديد من عناصر التراث الثقافي غير المادي المشترك بين الدول العربية بما تحمله من عناصر ثقافية وصناعات إبداعية وحرف شعبية متعددة تشمل الحلي وطرق الطبخ والمشغولات اليدوية، والعادات الاجتماعية وما يرتبط بها من فنون وطقوس واحتفالات، والمرويات الشفوية التي تتعلق بالتاريخ والممارسات المشتركة.

وعلى ضفاف هذه القائمة الاسترشادية يمكن القيام بمجموعة من الأنشطة الترويجية للعمل الثقافي العربي المشترك، تشمل مجال فنون الأداء في مهرجانات لإعادة تمثيل التصور الشعبي لعنصر ثقافي ما في الدول العربية، فيمكن أن نعقد مهرجانا لعرض التصور الشعبي في شكل أداء تمثيلي درامي لفكرة "الغول" أو "العفريت" في مجموعة الثقافات العربية، ويمكن مثلا الدعوة لنفس المهرجان التمثيلي عن "حدوته حجا" وتصورها في البلدان العربية.

وعلى مستوى الغناء يمكن عقد مهرجانا لأغاني أعياد الميلاد القديمة وما يصاحبها من طقوس واحتفالات راقصة بين مجموعة الدول العربية في مهرجان خاص بالغناء، وكذلك على العديد من العناصر الثقافية الأخرى في فنون الأداء المهرجاني مثل: طقوس الحرب والتصالح في مجموعة من الثقافات العربية.

ويمكن عمل مهرجانات للطهي عن عادات الطبخ المشتركة لدى الدول العربية، في تعاملها مع المكونات الأساسية للحياة مثل اللبن ومنتجاته في كل ثقافة- اللحوم وطرق حفظها وطهيها التراثية في كل ثقافة- التمور وطرق حفظها والمنتجات المرتبطة بها في كل ثقافة.

يجب أن يكون هدف هذه القائمة الاسترشادية هو الترويج لروح العمل الثقافي العربي المشترك، على أن يتم العمل فيها بالتوازي ما بين وضع وحصر العناصر المقترحة في القائمة الاسترشادية العربية للتراث الثقافي اللا مادي، وبين العمل على الأرض من خلال فكرة المهرجانات المختلفة، على ان ينتهي كل مهرجان باختيار أحد العناصر لترشيحها لتسجل ضمن القائمة العالمية لليونسكو.