قراءة في أحوال التأليف والنشر في بلادنا

أرفض هذه "التقليعة" التي طلع علينا بها سامح فايز عبر غلاف كتابه أو هذا التغريب الذي جعله يبدو متعاليًا على قارئه العربي.
الجيل الجديد لا ينقصه أن يُكتب عنه في صحيفة أو كتاب
أين مساحة النقد في عناوين الكتب المطبوعة؟ 

على باب الكتاب أقف مع مؤلفه سامح فايز المحامي الذي استهوته الصحافة الثقافية فهاجر إليها، لأقول إنني أرفض هذه "التقليعة" التي طلع علينا بها عبر غلاف كتابه الصادر عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة، أو هذا التغريب الذي جعله يبدو متعاليًا على قارئه العربي وهو يفاجئه بكتابه المدون عنوانه على صفحة الغلاف بحروف إفرنجية عريضة  “Best Seller” وكان من السهل للغاية أن يجعله "الأكثر مبيعًا"، أو "الأكثر توزيعًا" كما اعتاد الكاتب والقارئ العربي اللذان يعتدان بالحرف العربي، وباللسان العربي تمامًا كما يعتد غيرنا بألسنتهم ولغاتهم القومية التي كثيرًا ما يصرون على عدم التحدث إلا من خلالها وعلى غيرهم استخدام الوسيط المترجم لنقل المعنى. ووفق هذا المفهوم الذي أسوقه لا يمكن أن يصدر كتاب بالفرنسية، أو الألمانية، أو الإيطالية، أو الصينية، أو.... مثلًا، وعنوانه الذي هو أول عتباته التي تقع عليها عينا القارئ وهي تتجه إلى صفحة غلاف مرصوص عليه العنوان بحروف لا يمكنه إدراك معناها، أو الوصول إلى دلالتها. 
وندخل إلى متن الكتاب.. لنجد مؤلفه يأخذ على الحياة الثقافية أنها لا تهتم بكتاب صاروا يحققون أعلى الأرقام في بورصة الكتب، وهم الذين أعادوا القراءة للقراء، فأصبح لدينا جمهور يقرأ بعد أن كان لدينا جمهور له عينان وليس له لسان، وهؤلاء الكتاب لهم فضل السبق والتعبير عن التحول العقلي والنفسي والثقافي لابناء المجتمع من الجيل الجديد.
وهؤلاء الكتاب الذين تجاهلهم النقد لا يجدون فرصتهم إلا على "السوشيال ميديا"، وأنا أرد على هذا القول متسائلًا: "أين مساحة النقد في عناوين الكتب المطبوعة؟ 
وهل يمكن أن يكون لدينا نقد دون أن تكون لدينا مساحة من حرية التعبير، ودون ضغط من مشرف على صفحة، أو صاحب باب، أو أي هوى من الأهواء التي تحكم العمل في الصحافة الثقافية؟
 إذا كنت تتكلم عن الجيل الذي تسميه جديدًا، فدعني أسأل: وماذا عن الجيل الذي سبقه؟
 إن المشكلة لا تحل بأن تكتب بحروف أجنبية لنوجه الاهتمام نحو من تكتب عنهم، لأن جوهر المشكلة هو أن تكون لدينا حرية نقد، وأن تكف سلطة الصحافة الثقافية عن تهميش من تشاء و"تلميع" من يروق لها تلميعه.
لقد عشنا في هذه الكارثة الثقافية فترة طويلة من الزمن، حينما قام شخص بعينه بتنصيب نفسه "قيصر الصحافة الثقافية"، وكتب عن من شاء، ومنع ذكر اسم  من شاء!
 وهنا ينبغي أن نطرح على أنفسنا هذا السؤال: لماذا انتشر هؤلاء الكتاب الأكثر مبيعًا وشهرة على الساحة العربية كلها، رغم عدم تقديمهم فروض الولاء والطاعة للقيصر أو لغيره؟ ورغم عدم الكتابة عنهم في هذه الصحف الورقية؟

الكاتب المبتدئ في الستينيات حينما كان عدد سكان مصر 25 مليونًا كان يطبع 3000 نسخة كطبعة أولى من كتابه حتى يقبل أي موزع عرض الكتاب في السوق وطرحه مرة في القاهرة والإسكندرية، وأخرى بعدها في الأقاليم تم يعود لطرحه من جديد في القاهرة، قبل أن يعيد المرتجع من نسخ الكتاب إلى ناشره أو مؤلفه

إنني أتصور أن السبب بسيط؛ فقد استطاع هؤلاء الكتاب - الذين حدَّد مؤلف الكتاب أسماءهم ونشر لقاءات معهم ومنهم: الدكتور أحمد خالد توفيق، وأحمد مراد، وأشرف العشماوي – الذين تمكنوا من أن يتواصلوا مع قرائهم المستهدفين مباشرة عبر وسائل الاتصال التي أوجدها عصر العولمة محطم حواجز المكان الذي جعل من يعيش في أقصى الارض يقرأ في اللحظة ذاتها ما ينشره آخر في أبعد نقطة عنه. وأقول: أليست هذه هي صحافة اليوم والغد؟
أليس هؤلاء الكتاب يمثلون فكرًا جديدًا، وعقلًا جديدًا له إبداعه وكتابه ونقاده وقراؤه؟ فهم أنفسهم الذين جعلوا نصهم الأدبي موضوعًا للفهم والمحاورة والمناقشة. 
وهذا الجيل الجديد لا ينقصه أن يُكتب عنه في صحيفة أو كتاب، فقد ظهرت أفكاره على شاشات السينما، وتابع الملايين أفكاره تتحرك في فضاء الشاشة أمام عيونهم، بل اقتربوا منه، واقترب الكتاب منهم، وأصبح هناك لحمة بين هؤلاء الكتاب وقرائهم الذين هم في الحقيقة صورة للمستقبل.
أما الحياة الثقافية، فهي بحاجة إلى هزة كبيرة ليكون المنشور مثيرًا لشهية القارئ ومحترمًا عقله، ويكون صانع مستقبله الذي يصوغ واقعه الجديد الذي نأمل أن يكون أفضل من حاضر اليوم.
أعود لكتاب سامح فايز الذي لا أستطيع أن أقرأ عنوانه إلا هكذا: "الأكثر مبيعًا"، وأتساءل: كيف لنا أن ننظر إلى الموضوع؟ وهل هو أزمة اغتيال كتاب؟ أم أزمة اغتيال مؤلف؟ أم أزمة عجز ناشر؟ إذا كنا نفترض - كما يقول مؤلف الكتاب - أن عدد نسخ الطبعة الواحدة من الكتاب تتراوح اليوم ما بين خمسمائة، وألف نسخة، فكيف يُطلب أن يصبح مؤلف أي كتاب معروفًا للقارئ العريض؟ وكيف يقوم طابع الكتاب بطرحه في أسواق القراءة إذا كان العدد المطبوع من العنوان الواحد متهافتًا إلى هذا الحد؟
وهنا أود أن أذكِّر بأن الكاتب المبتدئ في الستينيات حينما كان عدد سكان مصر 25 مليونًا كان يطبع 3000 نسخة كطبعة أولى من كتابه حتى يقبل أي موزع عرض الكتاب في السوق وطرحه مرة في القاهرة والإسكندرية، وأخرى بعدها في الأقاليم تم يعود لطرحه من جديد في القاهرة، قبل أن يعيد المرتجع من نسخ الكتاب إلى ناشره أو مؤلفه.
 فكيف يصبح هذا هو حال الكتاب طباعة وتوزيعًا بعد أن صرنا أكثر من مائة مليون؟! 
سؤال آخر يطرح نفسه علينا في هذا السياق: هل يجب أن تنفد نسخ الكتاب كلها فور خروجها من المطبعة، ونزولها إلى الأسواق؟
 ألا يستحق الكتاب الجيد لبقاء رصيد من نسخه لتقرأها أجيالًا وراء أجيال؟
إن هذا الكتاب الذي بين يدي يسعى إلى مناقشة الكثير من الأمور الشاغلة للقارئ والكاتب والناشر والموزع في أيامنا هذه.