قلب العاصمة التونسية يضيق ببؤرة جديدة للإجرام والانحراف

تونسيون يطلقون صيحات فزع بعد تدمير ماخور 'عبدالله قش' المتواجد في نهج زرقون وتحوله الى مرتع للمجرمين والمنحرفين والهاربين من العدالة، ويطالبون الحكومة بتحويله الى مأوى للفقراء او سوق تجارية.

على بعد مئات الامتار من شارع الحبيب بورقيبة معقل الثورة التونسية والشاهد الحي على التحولات السياسية والاجتماعية التي عرفتها البلاد على مدى عقود من الزمن تتواجد بالقرب منه "المدينة العتيقة" الحاملة لهوية الشعب التونسي وأصالته وحضارته.
وفي قلب المدينة العتيقة بالعاصمة تونس، وبالقرب من جامع الزيتونة الذي ذاع صيته في العالم العربي لمكانته الدينية والعلمية والتاريخية، تحتل محلات بغاء رسمية زقاق "عبدالله قش" المتواجد في "نهج زرقون" حيث كانت تمارس فيه الدعارة بشكل علني وتحت غطاء قانوني واشراف طبي. 
وتعتبر تونس الدولة العربية الوحيدة التي تقنن مهنة الدعارة ويمارس فيها البغاء العلني منذ سنة 1941 عندما أصدر المستعمر الفرنسي قانونا ينظم هذه "المهنة" وبقي الحال كما هو عليه في عهدي الرئيسين السابقين الحبيب بورقيبة وزين العابدين بن علي.
 وتخضع المواخير في تونس إلى سلطة وزارتي الداخلية والصحة.
ويوفر القطاع الطبي خدمات صحية بانتظام للعاملات في الشارع "سيئ السمعة"، ولعل أكثر ما يثير الدهشة هو مهنة "موظفات في وزارة الداخلية" التي تحملها بطاقات هويتهن لتفادي تعرضهن للمضايقة ولتسهيل أمورهن الإدارية.  
وصنفت تونس العاملات في الجنس باعتبارهن "موظفات مدنيات" وهن يدفعن كغيرهن من الموظفين الضرائب كما أنهن يعشن داخل المواخير بنظام صارم حد التضييق على حركتهن، وهن ممنوعات من مغادرة الماخور.
ولطالما أثار الزقاق امتعاض وغضب فئات كبيرة من الشعب التونسي التي طالبت باغلاق محلات الدعارة المقننة الواقعة تحت اشراف وزارة الداخلية التونسية واعتبروا انها ظاهرة نادرة وحتى شاذة في بلد عربي ومسلم.  
الا ان البعض الاخر اعتبر ان "بيوت المتعة الجنسية القانونية" تحمي الرجال من طالبي المتعة من الاصابة بأمراض معدية كما انها تقلص من ظاهرة العنف المسلط على النساء وتقلل من التحرش والاغتصاب.  
وبحسب إحصائيات هيئات رسمية وغير حكومية سابقة يولد في تونس يوميا 4 أطفال خارج إطار الزواج وتتعرض 3 نساء للاغتصاب يوميا.
واعتبر خبراء الاجتماع إن أقدم مهنة في التاريخ أي الدعارة لن تندثر من شوارع تونس ولكنها ستعيد التوزع جغرافيا ومكانيا بعد أن كانت محصورة وراء أسوار المواخير. 
وافادوا ان عمليات غلق المواخير تؤدي الى تشريد  المومسات وهروبهن إلى الملاهي والشقق المفروشة وتفتح الطريق امام الدعارة غير القانونية.
وفي خضم التحولات التي شهدتها تونس اثر ثورة 2011 عمدت جماعات إسلامية متشددة تعتبر نفسها وصية على الدين ومتحدثة باسمه في أكثر من مناسبة إلى التظاهر ضد تقنين الدعارة كما قامت بتهشيم وتدمير بيوت الدعارة. 
وخلال سنوات 2011 و2020 تم غلق 12 ماخورا في كافة أنحاء الجمهورية التونسية، ولم يبق في تونس العاصمة سوى ماخور "عبدالله قش" في الذي يشغل حوالي 120 امرأة. 
وتزايدت الضغوطات السياسية بتجريم الدعارة مع إقرار البرلمان التونسي لقانون الاتجار بالبشر.
وضيق وباء كورونا على "نهج زرقون" وشلت الجائحة حركته مع تصاعد موجة الخوف والذعر من العدوى، وقيام جهات غير معروفة بتدميره واجلاء النساء العاملات فيه. 
وتحول المكان المثير للجدل بعد هدمه الى بؤرة جديدة يطغى عليها التلوث والانحراف والاجرام. 
وقد سلط "بلا قناع" وهو برنامج تونسي يتمتع بشعبية كبيرة في تونس ويذاع على الانترنت الضوء على وضعية ماخور "عبدالله قش" وتحوله الى مرتع للمنحرفين والمجرمين بعد تكسير وتحطيم غرفه وتهشيم جدرانه وابوابه وسرقة حتى النوافذ والابواب وعدادات المياه والكهرباء منه.
واصبح المكان اشبه بجبل من النفايات ينتشر فيه الحطام والحجارة والاسمنت كما تتناثر بين طياته أكوام من قوارير الجعة الفارغة وحقن المخدرات.
وبين جدران ابواب مهشّمة نبتت على جنباتها أعشاب طفيلية، يلوذ شبان بأطلال الماخور وبين غرفه المهدمة بعيدا عن أعين البشر للقيام بعلاقات آثمة مع صديقاتهن.
ويرى متابعون ان غلق ماخور "عبدالله قش" تحت ذرائع قانونية ودينية وأخلاقية لن يكون الحل الامثل لاسيما بعد تحوله الى مستنقع جديد ينذر بكارثة اذا لم تتعهد السلطات الحكومية باعادة تأهيل المكان وتنظيفه من الاوساخ العالقة فيه ولم تقم بوقفة حازمة لقطع يد الاجرام منه.  
ويطلق سكان نهج زرقون صيحة فزع من تحول الزقاق الذي يضم مئات الغرف الى بؤرة للانحراف ما يهدد حياتهم وحياة أطفالهم ويطالبون بتحويله الى مأوى للمشردين والفقراء والمحتاجين او ان يتحول الى سوق تجارية صغيرة تعج بالحركة ولم يستبعد بعضهم ان يتم تحويله الى متحف شاهد على جزء من تاريخ تونس.
ويعتبرون ان بقاء المكان دون رقابة واشراف من الجهات الحكومية سيخلق معضلة اخرى باعتبار ان نزيف الإجرام سيسيل في احياء ومناطق اخرى.
وعبر بعضهم عن فرحهم لانتهاء كابوس طالما أرقهم وجعلهم في موقف محرج لارتباط الحي الذي يقطنون فيه بالجنس والنظرة الدونية للمرأة لكنهم اعتبروا ان فرحتهم الحقيقية تكمن في اعادة تأهيل المكان وبث روح جديدة فيه بعيدا عن لغة الجسد والمتعة.