لا تطلبوا من الأردنيين التفاؤل بمخرجات اللجنة الملكية

لن يلتفت الناس الى وعود الاصلاح ولجانه وكُتابه والمروجين له، وهم يشاهدون الاجهزة الامنية توظف قانون الدفاع لاعتقال ناشط كتب عبارة على فيسبوك او شارك في مظاهرة سلمية أو صحافي أعد تقريرا لا يعجب الحكومة.
لجنة إصلاح سياسي ودوريات إلكترونية تعملان في وقت واحد
تجربة طويلة ومريرة لدى الاردنيين مع لجان الاصلاح السياسي وتعلّموا ألا يأخذوها على محمل الجد

شهر مضى على تشكيل لجنة الاصلاح السياسي بقرار من الملك عبدالله الثاني، لكن شيئا لم يَرشح عن انجاز تقدم في ملفات البحث الرئيسية ولم ترافق اعمال اللجنة أي لفتات تطمئن الأردنيين او توحي بأن الأمر مختلف هذه المرة عن سابقاته من لجان وملتقيات ومبادرات اصلاحية تبخرت واستقرت في أذهان الناس على أنها من أشكال الفزعة التي تناسب حدثا او ظرفا بعينه وسرعان ما تذهب أدراج الرياح.
بعد ان استقبل الناس تشكيل "اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية" بالفتور المشوب بالحذر رغم كل ما احيط بها من تأكيدات وتصريحات على سبيل الطمأنة، لا يزال من مصلحة الحكم الخروج من دائرة الكلام وتهيئة المشهد السياسي للإصلاح بخطوات عملية على الأرض.
لماذا لا يزال البلد، رغم استقرار الوضع الوبائي وقرب العودة الى الحياة الطبيعية، يدار منذ 16 شهرا بقانون الدفاع الاستثنائي الذي استخدمته الحكومة للتضييق على الحريات العامة وأشبعه النشطاء والمنظمات الحقوقية بالانتقادات؟ 
لن يلتفت الناس الى وعود الاصلاح ولجانه وكُتابه والمروجين له، وهم يشاهدون الاجهزة الامنية توظف قانون الدفاع، الذي يسود في زمن الحرب، لاعتقال ناشط كتب عبارة على فيسبوك او شارك في مظاهرة سلمية أو صحافي أعد تقريرا لا يعجب الحكومة. 
ليس غريبا التشكيك في صحة وجدوى بقاء قانون الدفاع والناس تقرأ عن الضغوط التي تفرضها اجهزة الامن على العمل الاعلامي لدرجة منع الصحافيين من تغطية قضايا معينة ومنها ما يمس حقوق الانسان، بمقتضى القانون الاستثنائي الذي وعدت الحكومة عند بدء سريانه، بتطبيقه في أضيق الحدود وفي مجالات احتواء الوباء لا غير.
وللأردنيين ان يتساءلوا عن الاضافة التي قدمها قانون الدفاع في إطار مكافحة كوفيد، على ما يمكن للإدارات الصحية ان تقدمه، مثل سائر دول العالم، من دون الحالة الاستثنائية التي فرضت كآبة إضافية مجانية على ما يعيشه المجتمع في ظل الوباء.
لم يأت قانون الدفاع الا بمزيد من الإحباط للفئات الاجتماعية الأشد ضعفا، وهذا ما تثبته ارقام البطالة التي اكتسحت اكثر من نصف الشباب القادر على العمل ومؤشرات الناتج المحلي وتفاقم عجز المالية العامة وارتفاع المديونية، في الاشهر التي أدارت خلالها الحكومة ازمة الوباء.
الان من المتوقع ان يتزايد الضغط على النشطاء المعارضين خصوصا بسبب "الدوريات الالكترونية" التي تنشرها اجهزة الأمن على شبكة الانترنت. وهي ان كانت أداة لا تناسب العصر انسانيا ولا تكنولوجيا وأظهرت فشلها في أكثر من دولة، الا انها مؤشر على العقل الأمني الذي يسعى الى محاصرة آراء الناس وفرض نفوذه على المشهد السياسي.
كان في وسع الأجهزة الأمنية ان تستمر بتنفيذ دورياتها الالكترونية المعتادة منذ سنوات طويلة دون الاعلان عن ذلك، لولا ان الذهنية الأمنية ارادت التنبيه الى وجودها ودورها وانها غير بعيدة عن التأثير في صلب القضايا التي تبحثها لجنة الاصلاح.
لجنة إصلاح سياسي ودوريات إلكترونية تعملان معا في وقت واحد في الأردن، فهل تعملان معا بالفعل ام ان لكل مجاله وضرورته وأوساطه، وهما على طرفي نقيض في الجانب الحقوقي؟ ثم تطلب أجهزة الحكم والاعلام الرسمي من الناس ان يتفاءلوا بما سيخرج عن اللجنة الملكية!
أيضا لماذا يُعتقل الناس في الأردن ويُسجنون لأشهر طويلة خارج منظومة القضاء بناء على قرار من موظفين في الحكومة، وبموجب قانون عمره سبعة عقود وطال ما كان موضوعا للجدل الحقوقي والتظلمات؟
قضاء مواز قائم في الاردن تحت أيدي الحكام الاداريين، وهم موظفون حكوميون من الفئة العليا او المتوسطة، مع "قانون منع الجرائم" الذي يمنحهم سلطة تقديرية واسعة لاحتجاز الناس ومحاسبتهم على نواياهم بناء على "القناعة الشخصية" للحاكم الإداري بأن شخصا ما "كان على وشك ارتكاب اي جرم او المساعدة على ارتكابه".
الان، ماذا يفعل هذا القانون الذي سنّه الاردن في 1954 بعد بضع سنوات على الاستقلال؟ ولم تفلح كل النداءات والدعوات والمبادرات في ان تزحزحه من مكانه. وبسبب هذا القانون ظل عمل المحافظ والمتصرف مرتبطا الى حد بعيد في أذهان الناس بالأبعاد الأمنية أكثر من الإسهام في تحقيق أهداف التنمية وتطوير الحكم المحلي.
هذه هي الاجواء الحقوقية التي تعمل في ظلها اللجنة الملكية. وإن كان مقدرا لها ان تفعل شيئا خلال اقل من ثلاثة اشهر، فلا شيء الآن يدعو الى التفاؤل مع غياب اي تمهيدات او إشارات الى ان الوضع الحقوقي سيتغير الى الأحسن. وحتى الجوانب الرئيسية الثانية على غرار تشريعات الانتخاب والأحزاب وتعديلات الدستور، فلم تقطع اللجنة شوطا ملموسا أو معقولا لإنجازها.
وحيث ان المخرجات المنتظرة من عمل اللجنة تمس قضايا خلافية متعلقة بالمشاركة السياسية والتمثيل الديمغرافي والمناطقي للأردنيين في البرلمان والاحزاب، من المتوقع ان تبقى المخرجات رهينة الأخذ والرد حتى بعد تحولها الى مجلس النواب والمرور في القنوات الدستورية المعمول بها.
أيضا من المرجح ان يكون الوضع الحقوقي في المملكة موضع بحث في الولايات المتحدة بين العاهل الأردني الزائر وإدارة الرئيس الأميركي جو بايدن التي سبق واعلنت عن أولوية قصوى لحقوق الانسان في سياستها الخارجية.
بانتظار الأول من تشرين الأول وهو موعد انتهاء المهلة التي حددها الملك لإنجاز مخرجات اللجنة، يبحث الناس عن تسجيل اي مكسب حقوقي يبتعد بالحياة السياسية عن الاعتبارات الأمنية البحتة وأمزجة المسؤولين، ولديهم تجربة طويلة ومريرة مع لجان الاصلاح والحوار السياسي، وتعلّموا ألا يأخذوها على محمل الجد.