لا يوجد في العالم أتفه وأخطر من الانتخابات الأميركية
إنَّ فوز مرشَّح الحزب الجمهوري الأميركي دونالد ترامب وخسارة مرشَّحة الحزب الديمقراطي كمالا هاريس، يوم 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2024، يمكن تلخيصه بأنه في الواقع لعنة الشهداء الفلسطينيين في غزّة والضفة الغربية، ونقمة الجالية العربية الإسلامية في الولايات المتحدة. فقد رفضت كمالا هاريس طلب العرب والمسلمين بوقف الحرب فورًا وإنهاء الإبادة البشرية الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطيني، بينما وعدهم دونالد ترامب صراحةً بوقف الحرب حال تسلمه السلطة. ولأول مرة، وبسبب المجازر الإسرائيلية في غزّة، فقد استخدم الناخبون الأميركيون من أصول عربية وإسلامية أصواتهم الانتخابية لمعاقبة الحزب الديمقراطي، وليس بالضرورة لمكافأة الحزب الجمهوري. كما صَوَّت بعضهم لصالح مرشحة الحزب الأخضر، جِل ستاين، وهي يهودية معادية للصهيونية والكيان الإرهابي العنصري في فلسطين المحتلة. وهذه واحدة من أخطر الأمور في النظام السياسي الأميركي الذي يتداول فيه الحكم حزبان فقط هما الحزب الديمقراطي والحزب الجمهوري، مع أن الدستور يسمح بظهور أحزابٍ أخرى. وبرغم حماقة ترامب وتقلُّبه فربما يُنهِي الحروب الإسرائيلية الحالية ضد الشعوب العربية والإسلامية بالفعل. فمن الناحية التاريخية، تدخّلَ الرئيس الجمهوري رونالد ريغان بإنهاء العدوان الإسرائيلي على لبنان سنة 1982، وتدخّلَ الرئيس الجمهوري جورج بوش الأب بمنع إسرائيل من توسيع الحرب ضد العرب سنة 1991. ورغم سيطرة المنظمات الصهيونية على الحكومات الأميركية ونوّاب الكونغرس الأميركي، وهي الفائزة الفعلية بكل الانتخابات، فإن معظم الرؤساء الديمقراطيين هم صهاينة عقائديون متعصبون جدًّا للصهيونية، من أمثال جوزيف بايدن، بينما معظم الرؤساء الجمهوريين هم صهاينة انتهازيون يريدون الفوز بالانتخابات بأي ثمن، مثل دونالد ترامب.
إن النظام السياسي الأميركي هو حالة وسطية مرنة ومتأرجحة بين الديكتاتورية والديمقراطية الإمبراطورية الرومانية. والعيب الأكبر في النظام الأميركي يكمن في المنظومة التشريعية من الدستور والقوانين الاتحادية والمحلية المتعلقة بالانتخابات، حيث تسمح لشخصٍ أحمق ومتخلِّف حضاريًا وفاسد أخلاقيًا ومحرِّض على الكراهية والعنف والتمييز العنصري والديني والثقافي والجنسي ومُدان ومُتَّهَم بجرائم كثيرة أن يصبح رئيسًا لأكبر وأقوى إمبراطورية في حياتنا المعاصرة. ومع كثرة الانتقادات الموجَّهة إلى شخص دونالد ترامب ذي اللسان المنفلت فإنّه في الواقع مجرّد وليد النظام السياسي والتشريعي الأميركي، وليس له أي ذنب بهذا الخصوص.
وعلى وجه العموم، فإنّ الناخب الأميركي أنانيّ جدًّا وساذج وجاهل ويسهل على وسائل الإعلام التلاعب بعواطفه وميوله السياسية، وهو لا يدرك أن تصويته لمرشّح معيّن ستكون له آثار سلبية على كل شعوب العالم حتى في الدول المجاورة، كندا والمكسيك، والدول العظمى الأخرى مثل روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا والاتحاد الأوروبي ودول حلف الناتو. وفي الغالب يصوِّت الناخب الأميركي لصالح مُرشَّح الرئاسة أو الكونغرس لسبب شخصي وفردي بحت، ولا يُهِمّه مطلقًا أن هذا الرئيس أو عضو الكونغرس سوف يغزو ويحتل ويدمِّر بلادًا أخرى بعيدة جغرافيًا عن الولايات المتحدة ولا تشكل أيّ خطر على أمنها ومصالحها العامة وسلامة مواطنيها في الداخل والخارج. وغالبًا ما يُصدِّق الناخب الأميركي حكومتَه ونوّابَ الكونغرس بأنّهم دمَّروا تدميرًا شاملًا كُلًّا من العراق وأفغانستان وسوريا ولبنان وفلسطين وليبيا والسودان والصومال واليمن، وقتلوا خلالها مئات الآلاف من المدنيين الأبرياء، وارتكبوا جرائم بشعة، وذلك لنشر الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، وللدفاع عن السلام والاستقرار في العالم، وللدفاع عن حقوق وحريات المواطن الأميركي. والناخب الأميركي لا يعلم ولا يريد أن يعلم بأن معظم أموال الضرائب التي يدفعها تستخدمها الحكومة للحروب العدوانية وخلق التوتّرات في كل أنحاء الأرض. والاقتصاد الأميركي هو اقتصاد عسكري فريد من نوعه في العالم المعاصر، وكل النشاطات الاقتصادية المدنية هي في خدمة التصنيع العسكري. والدولة الأميركية تدعم كل المنتجات الزراعية والحيوانية والصناعية والخدمية، ومعها إعفاءات ضريبية ضخمة، وبالتالي تذهب الأموال الهائلة إلى جيوب الرأسماليين المالكين لتلك النشاطات، وهؤلاء بدورهم يغدقون أموالًا طائلة على الحملات الانتخابية للمرشَّحين الذين يتعهّدون بإدامة وتوسيع تلك المصالح. إنها دوائر خبيثة ومتداخلة ومعقدة لا نظير لها في كل الأنظمة الشيوعية والاشتراكية والرأسمالية الأخرى.
وضمن هذا المستنقع الأميركي الواسع، وما بين يوم الانتخابات الأميركية في 5 تشرين الثاني/نوفمبر 2024 ويوم تسلُّم الرئاسة في 20 كانون الثاني/يناير 2025، يستطيع المجرم الصهيوني الإسرائيلي المسعور نَتِنياهو أن يواصل ويوسّع جرائمه البشعة في فلسطين ولبنان وسوريا والعراق واليمن وإيران، فيما يحظى بدعم مطلَق من جوزيف بايدن وكمالا هاريس فيما تبقَّى من أيامهم السُّخْم.