ماذا بعد الانسحاب الأميركي من سوريا؟

خلاط يضرب القوى المنتشرة على الساحة لإنتاج مشهد متفجر آخر.

اعلن البيت الابيض بالامس بدء سحب القوات الاميركية من سوريا وبشكل فاجأ الجميع باستثناء الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي اخذ القرار باعتباره إعلان نصر على داعش، لتتحرك بذلك مراكز القوى الموجودة على الساحة السورية لسد الفراغ الذي سيخلفه انسحاب الفي جندي اميركي من شرق نهر الفرات تاركة وراءها حلفاءها الاكراد دون "ظهر" تحتمي به.

من ينظر الى المشهد الكامل في الشرق العربي يجد ان جميع القوى العالمية تموضعت منذ بضع سنين في المنطقة المتلهبة في سوريا، هذه القوات ابتداء من روسيا واميركا وايران وتركيا وبريطانيا وفرنسا وحزب الله وقوات سوريا الديموقراطية (ذات الأغلبية الكردية) وداعش وقوات الحشد الشعبي العراقي... بالاضافة للجيش السوري والجيش الحر والفصائل المنتفضة على النظام. هذه القوى وجدت لها موطئ قدم وعززت وجودها وحددت أعدائها مرحليا واختارت حجمها الذي تعتقد انه يناسب المرحلة التي اصبحنا نحن ابناء المنطقة نجهلها، حيث صار الصراع هناك خبيثا بحيث لا يمكن اختراق ماهيته، والكل هناك يختار عدوه لمرحلة ما ثم يتجاوزه للبحث عن عدو اّخر يبرر أسباب وجوده وبالطبع يتوفر داعش في الصحراء السورية كعدو جاهز مبرر عداوته ومقدس محاربته وذلك عندما تعجز القوى الموجودة على الساحة السورية عن الاعلان عن العدو الحقيقي لها.

لقد سبق هذا الانسحاب الأميركي انسحاب إيراني صامت لبعض قواتها ومستودعات اسلحتها من سوريا وإعادة نشرها في لبنان والعراق. وبالمقابل بدأت القوات التركية تستعد لتحل مكان القوات الاميركية المنسحبة. بنفس الوقت الذي يجد نفسه النظام السوري بانتظار ردة الفعل الروسي المؤيدة للانسحاب الأميركي لكي يبحث عن حصته أو دوره في منطقة شرق نهر الفرات والشمال السوري والتي اصبحت بدون عرّاب.

هذه الحركة المستمرة للقوى في سوريا وإعادة التموضع لها قد تعطي مؤشرات عدة للسيناريوهات المتوقعة للمنطقة. فالصراع الاستعراضي بين الثعالب (إيران وإسرائيل) يفرض نفسه هذه الأيام وبقوة، حيث تحتاج كلا من إيران وإسرائيل لهذا الصراع لأجل إدامته فقط والإسترزاق منه على الصعيد الإقليمي والدولي... فيما تقوم القوات التركية بالتحضير لإشغال منطقة الانسحاب الأميركي لتضخيم منطقة سيطرتها في سوريا ولتصفية حسابها مع قوات سوريا الديموقراطية بصفتها الذراع العسكري لقومية الأكراد المناضلة لإنتزاع إستقلال الأقليم الكردي الموزع بين سوريا والعراق وايران وتركيا.

علينا الان ان ننتظر تفجيرا تصاعديا للوضع وصراعا ثنائيا وثلاثيا وأكثر لخلخلة الوضع في المنطقة فيما قررت أميركا الجلوس على المدرجات لبرهة من الزمن. فالجميع هناك يعرف ماذا يحصل وماذا سيحصل. ولكل من هذه القوى دوره المرسوم للوصول بالنهاية الى تركيع المنطقة العربية كلها وتأديب الجميع فيها، وعلينا أن ندرك أننا الان لم نعد نملك ترف الخيار او حق الحلم بأي نتيجة فكل النتائج تشير الى ان صفعة القرن قادمة وإسرائيل دائمة ولكل من إيران وتركيا حصتها المغتصبة فيما تستفرد القوى العظمى بالحصة الأكبر والتي إحداها فقط حقول النفط والغاز بدءا من الكنز الضخم المكتشف حديثا في شرق البحر المتوسط وانتهاءا بحقول النفط في صحراء ليبيا... وطبعا داعش باقية بقاء ورق التواليت في حمامات السادة.