ماهر شفيق فريد في تساعيته النقدية

الناقد المصري يقسم كتابه على تسعة أقسام، أراد بها أن تعكس المرحل المختلفة التي مر بها فكره ووجدانه.
في الخيانة ما هو أمانة مضمرة ووفاء مُقنَّع، وفي الحديث عن النفس غواية قاهرة
أقيم ما جرى به قلم رشاد رشدي؛ مقالاته الإنجليزية عن إليوت ويتس وبو

قسم العقاد ديوانه الصادر في عام 1917 على أقسام تحمل عنوانات: "يقظة الصباح"، "وهج الظهيرة"، "أشباح الأصيل"، "أشجان الليل" بما يعكس أطوار عمره المختلفة، وتنوع حالاته النفسية، وتطور فكره العقلي.
وتأسيًا به قسم الناقد المصري الدكتور ماهر شفيق فريد كتابه الذي بين يدي على تسعة أقسام، أراد بها أن تعكس أيضًا المرحل المختلفة التي مر بها فكره ووجدانه، ودعا الكتاب "تساعية نقدية" ناظرًا في ذلك إلى ترجمة الدكتور فؤاد زكريا لكتاب أفلوطين "التساعية الرابعة في النفس".
والكتاب يتحرك على تسعة محاور، أو تسع دوائر متحدة المركز، والمركز المتحد في كل هذه الأحوال هو الإيمان بقدرة الأدب على تعديل نظرة الإنسان إلى الحياة ولو قليلًا، وسبر بعدٍ - وإن يكن ضئيلًا - من أبعاد اللغز الكوني الهائل، والرقي بالوعي والوجدان والحساسية، مهما تحالفت عليها عوامل الغلظة والقبح والفجاجة.
وليس أشبع منها في يومنا هذا، فهي أينما أجال المرء البصر من حوله كالشجي في الخلق، والقزى في العين. 
يضمم الكتاب مقالات ماهر شفيق فريد من عام 1961 إلى 2007، وكذلك مقالاته في الصحافة المدرسية، وحول القضايا الأدبية التي نشرها في عام 1961 حين كان طالبًا بمدرسة مصر الجديدة الثانوية، وكذلك مقالاته التي تندرج تحت عنوان "نافذة على الثقافة العالمية" نشرها عام 2007، وهو أستاذ متفرغ بكلية الآداب بجامعة القاهرة.
وتعكس هذه المقالات إذًا صورًا من فورة صدر الشباب،، وتمام نضج الرجولة، وهدوء الشيخوخة وازدياد حظها من اللين والموادعة.
ولكنها كلها جزء من سيرة عقلية لا تكتمل إلا بانطفاء شعلة الوهج – كما يشير المؤلف فيصفها بأنها - سهمة متواضعة في حقل الأدب والفكر أراد بنظمها في سمت واحد - وكل كاتب يضمر توقًا خفيًا إلى أن تخلد كتاباته بدرجة أو بأخرى - أن يصونها من غوائل الدهر، وعاديات الزمن، بدل أن تظل متفرقة في بطون الصحف والمجلات، أو تذهب أباديد.
وفي الكتاب مقالات تنشر لأول مرة، ولم يسبق لها أن رأت النور من قبل لسبب أو لآخر.
من هذه المقالات: "شذرة أوتو بيوجرافية"، "أبواي"، "تجربتي مع القراءة"، "قسم اللغة الإنجليزية وآدابها بجامعة القاهرة"، "أحمد شوقي وحافظ إبراهيم في اللغة الإنجليزية"، "الشاعرة العربية المعاصرة"، "أرض المعركة"، "قصص أعجبتني"، "الدكتور هاني مطاوع.. كلمة شخصية"، "حسن طلب ناثرًا"، "فؤاد قنديل ناقدًا اجتماعيًا"، "صحاقتنا في ميزان النقد"، "جاليري 68"، "الشعر الإنجليزي الحديث"، "فصول من كتاب الرواية العربية الحديثة في مصر"، "مدخل نفسي إلى إحدى مسرحيات سوفوكليس"، "بين اليونان ومصر.. ثلاثة من فرسان جائزة نوبل في الآداب".
يقول الدكتور ماهر شفيق فريد إن لكل شيء أوانًا مقدورًا، وها هي ذي كتاباته غير المنشورة بعد غياب طويل أو قصير ترى النهار، وتنضم إلى أخواتها.
فلعل هذا بند صدع، ولمًا للشعث؛ خاصة وأن منها ما يعالج أمورًا لها علقة بالنفس ونوطة بالفؤاد. 

Literary criticism
مقالات من عام 1961 إلى 2007

القسم الأول من الكتاب إفتتاحيات ذاتية الصبغة، يحتوي على لمحات من حياة الكاتب وبيئته والمؤثرات التي فعلت فعلها في تشكيل عقله ووجدانه.
فقد حاول هنا أن يدرك جادة القصد، وحدود الاعتدال، على الرغم من أن للحديث عن النفس غواية قاهرة. فلا يخلق من الحبة قبة.. ولا من الجمل جملًا، ولا من العنب خمارة، على حد قوله.
وتحت عنوان "ولكل سؤال يا بثينة جواب" نشر إجاباته عن استفتاء نشرته مجلة "الطليعة" في سبتمبر/أيلول 1969 تحت عنوان "هكذا يتكلم الأدباء الشبان"، وكان من المشاركين فيه، وانتقل من الذاتي إلى الموضوعي فقدم خواطر مع سوانح الفكر عن قضية عامة من قبيل علاقتنا بالغرب، والتعليم الجامعي، وقيمة الوقت في حياتنا، و"أزمة الحوار في مساجلاتنا الفكرية".
وتتخلل هذه المقالات بوارق من الفكاهة، تكفكف من حدة الجد، ولكنها تظل تأملات في الحياة والمجتمع والتعليم. ويعلق الكاتب قائلًا: "ولا أدري إن كنت قد أصبت فيها شاكلة الصواب، أو أخطأت، وإنما أدع للقارئ أن يحكم: هل جُرت في الحكم، أو كنت من المقسطين؟".
ويبدأ هذ القسم بثلاث قصائد من نظم ناقدنا الكبير ماهر شفيق فريد  في مطلع الشباب، يعقب عليها بقوله: "وأنا لست غافلًا عما بعتورها من قصور عروضية، ومن عيوب أخرى، ولكني أُكن للشعر إعزازًا خاصًا وأحله من نفسي مكانًا عاليًا، ولا تنقضي حسرتي على أنني لم أوتى أدواته. ولتكن هذه القصائد إذًا تقدمة متواضعة إلى محراب أبوللو الذي لم تمسسني عصاه السحرية، ولا أدركني قبس من إلهامه، آملًا أن يغفر لي ناقد الشعر البصير قصوري، وربما رأى في هذه الأبيات بذرة كان يمكن أن تخرج شيئًا أفضل".
والقسم الثاني من الكتاب مقالاته في الأدب العربي المعاصر بشتى أجناسه؛ من شعر وقص ومسرح ونقد مع لمحات عن الفن التشكيلي، وعالم الموسيقى، ومقالات تحتل من الكتاب حيزًا ليس بالضئيل عن صحافتنا الأدبية. 
ويشير الدكتور ماهر شفيق فريد إلى أنه إذا كان قد اشتد في نقد بعض ما نشر- فما أتى في ظنه شيئًا فريَّا، وما نظر إلى مصلحة أو غرض، ولم يتأثر بصيت ذائع، أو نفوذ قائم - فقد كان كل مبتغاه أن يسترجع تلك النماذج العظيمة من صحافة الماضي الأدبية: "أبوللو أحمد زكي أبوشادي"، "رسالة الزيات"، "الكاتب المصري لطه حسين"، "مجلة يحيى حقي، ومن سبقوه في تحريرها، ومن تلوه" جاعلًا نبراسه فيما يعالج من ذلك كله شعار الفاروق "لين في غير ضعف، وشدة في غير عنف"، فإن مال به الميزان وهو لا بد مائل في لحظات فقد آثر الشدة التي تشفي على اللين الذي قد يشتبه بالضعف.
والقسم الثالث من هذا الكتاب سجلات إخبارية متابعة لأحداث ثقافية جرت.
فإذا كان القسم الرابع وجد القارئ نفسه بإزاء جدل ومساجلات بين المؤلف والأساتذة والدكاترة: أنور المعداوي، ومحمد مهران السيد، ولطفي عبدالبديع، وأحمد مستجير، من الراحلين، وطائفة من الأحياء. وفي هذه المساجلات ماهو هباء تطيره الرياح، وما هو نافع للناس باق في الأرض.
لكن لكل ساقطة لاقطة، ولكل مزهود فيه راغب، ولكل فولة كيَّال، ومن أجل هذا أبقى على كتاباته في هذا الباب، وإن جمح به القلم أحيانًا. وهو يدعو القارئ لأن يقول "مرحى إذا أصبت، وبرحى إذا تنكبت جادة الصواب".
والقسم الخامس "في المراثي" ويدور حول طائفة كريمة من الراحلين الذين نتلفت حولنا فلا نجدهم - والتعبير للويس عوض – ومنهم: سلامة موسى، وعلي أدهم، وأمين الخولي، ويوسف كرم، وآخرين.
ويصل أستاذه الدكتور رشاد رشدي بقسط كبير من هذه الدراسات، مع إدراكه لكل عيوبه في سنواته الأخيرة، إذ أراد أن ينقل إلى قارئ العربية مقالاته بالإنجليزية التي كتبها في ستينيات القرن الماضي عن: "ت.س. إليوت"، و"يتس"، و"إدجار ألن بو" وعن البناء والنسيج في القصة، وهي في ظن المؤلف أقيم ما جرى به قلم رشاد رشدي من أعمال، وأبقى ما خلَّف من آثار.
والقسم السادس رسائل مفتوحة إلى عدد من الأدباء ورؤساء التحرير، وأصحاب الأعمدة الثابتة في مجلاتنا وجرائدنا يناقش فيها بعض ما كتبوا، أو يقدم رأيًا فيما أثاروا من قضايا، ومن هذه الرسائل ما لقي ترحيبًا من متلقيها، فأفردوا لها مكانًا كريمًا من أعمدتهم مثل: أحمد عبدالمعطي حجازي، ولبيب السباعي، ويحيى الرخاوي، وسعد الدين وهبة. ومنها ما لقي إعراضًا وتجاهلًا، فنشرها هنا لأنه يعتقد أن فيها ما يستحق أن يقال، وثانيًا تعبيرًا عن شكره لمن احتفوا بكلماته، وثالثًا نكاية في بعض من تجاهلوها. وقد كان منهم وهو في كرسي السلطة الصحفية من تخضع له الأعناق، فيما هو اليوم شبح قلق يتشبث جاهدًا بما بقي له من نفوذ.
أما القسم السابع من الكتاب "على تخوم الفلسفة" فيضم كتابات عن عدد من المفكرين وأساتذة الفلسفة في جامعاتنا ومنهم: زكي نجيب محمود، وتوفيق الطويل، ويحيى هويدي، وفؤاد زكريا، وحسن حنفي، وعاطف العراقي، ويمنى الخولي، ومصطفى النشار، ووفاء إبراهيم، وأحمد عبدالحليم عطية.

نقد أدبي
كاتب المقال إلى جوار د. هيام أبوالحسن ود. ماهر شفيق فريد

وصاحب هذا الكتاب يكِّن للفلسفة مودَّة عميقة، وحبًا قديم العهد، ولو لم يتخصص في دراسة الأدب لتخصص في دراستها.
أما القسم الثامن من هذا الكتاب الضخم الذي بين أيدينا فيدور حول الترجمة الأدبية.. وهل هي كما يقول الإيطاليون "خيانة للنص الأصلي". ويرى ماهر شفيق فريد أن المترجم قد يكون خائنًا، وقد لا يكون، ويرى أن من الخيانة ما هو في جوهره أمانة مضمرة ووفاء مُقنَّع، وسعي إلى تكملة الأصل، وسد ثغراته، وإبراز مناحي الجمال فيه. وقد ناقش في هذا القسم أعمالًا مترجمة عن الإنجليزية وإليها. مع كلمة من ذلك المترجم الراحل فؤاد كامل عبدالعزيز.
وعلى صفحات الكتاب ينشر الدكتور ماهر شفيق فريد ترجمته لصفحات من كتاب الدكتورة فاطمة موسى محمود، وضعته بالإتجليزية، وختم هذا القسم بأربع مقالات كان قد نشرها من قبل على صفحات مجلة "ديوجين" وقد دعاه إلى كتابتها فؤاد أندراوس، وهي تدخل أيضًا في مجال الترجمة عن الإنجليزية.
نصل إلى القسم الأخير من الكتاب "دراسات في آداب أجنبية" تكاد تنتظم قارات الدنيا جميعها، فتحت قبة الجامعة أتيحت للمؤلف أن يناقش عشرات الرسائل لنيل درجتي الماجستير والدكتوراه في حقل الأدبين الإنجليزي والأميركي، فقدم على صفحات هذا القسم نبذة للتعريف بهذه الرسائل في محاولة للخروج بهذه الجهود العلمية من داخل أسوار الجامعة وأرفف مكتباتها إلى أفق أرحب وأكثر إتساعًا. 
وبعد أن اطمأن الدكتور ماهر شفيق فريد إلى صدور سفره الضخم الذي أودعه تراثه المكتوب على امتداد أكثر من نصف القرن، تركه أمانة في يد تلاميذه ومحبيه، ليتركنا ويهاجر إلى بريطانيا ليعيش سني عمره المتبقية هناك قرب شقيقته الوحيدة الدكتورة ليلى شفيق فريد التي سبقته بالهجرة إلى أوروبا، وتقيم فيها مع زوجها وأبنائها، وهي طبيبة تعمل في إحدى مستشفيات بريطانيا.