مجلس الوصاية الليبي والعزف على أوتار الكهرباء

أزمة الكهرباء في ليبيا تجسيد للفشل المستمر لحكومات ما بعد الثورة.

تستمر معاناة الليبيين، التركة التي خلفها الناتو بتدخله في الشأن الليبي كبيرة جدا، الذين تولوا السلطة ليس في منهاجهم الفكري (الديني) فريضة شرعية ليتقاسمها الليبيون، ارتأت الطغمة الحاكمة ان ترث الارض وما عليها وما في باطنها، بترول ومعادن ثمينة، والبشر الذين أصبحوا عبارة عن جماد يتحركون ذاتيا ليخيّل للناظر بأنهم احياء ولكن لا يفقهون.

الدول المنتصرة (روسيا، بريطانيا وأميركا) وتلك التي ساعدتها لوجستيا (فرنسا والصين) في الحرب العالمية الثانية هي من تسيطر على مقاليد الامور في العالم، فهي التي تمتلك حق النقض (الفيتو)، على المستوى المحلي يتم تطبيق نفس المفهوم، المدن المنتصرة التي انتفضت في وجه النظام وقضت عليه بفعل تدخل الناتو، اضافة الى المدن التي ساعدتها لوجستيا في سقوط النظام، هي التي تسيطر على مجريات الامور في البلد ومتساكنيها يحظون بمعاملة خاصة من حيث الخدمات العامة مثل توفر السيولة والمحروقات (الوقود والغاز) والتغذية بالتيار الكهربائي والسلع التموينية، كما ان هذه المدن تمتلك حق النقض وبالتالي يجب ان يكون لها نصيب الاسد عند تشكيل أي جسم لحكم البلد.

الحكومات المتعاقبة خصصت بعض الاموال لصيانة شبكة الكهرباء، لكن تبين ان المولدات التي تم توريدها تباعا لم تكن في المستوى المطلوب، خرجت عن الخدمة باكرا، تم تخريدها، ربما اعيد تصديرها لتعود ثانية على انها جديدة بعقود حديثة، حيث الفساد المالي والتعدي على ممتلكات الدولة هي السائدة فلا رقيب ولا حسيب، وان خرجت بعض مظاهر الفساد الى السطح، فقط ليقول لنا هؤلاء بان الكمال لله وحده، وان الاحمال الملقاة على عواتقهم ينوء بحملها العظماء. تقول الشركة العامة للكهرباء بان خسائرها نتيجة الحروب بمختلف المناطق والتعدي على الشبكة (تفكيك الابراج المعدنية–الجمالون وأسلاك نقل الطاقة النحاسية ومن ثم تصديرها عبر المنافذ الرسمية بحرية وبرية) من قبل الافراد والجماعات المسلحة تعدت المليار دولار.

استبشر البعض بمجلس الوصاية خيرا، اعطى "المجلس" الاذن للشركات المتعاقدة بالخصوص بمباشرة اعمالها وهي في غالبيتها تركية! اعتقد هؤلاء البسطاء بأنه لم تعد هناك ضرورة لتوزيع الأحمال لكن حكومتنا الرشيدة (حكومة المجلس الرئاسي) ابت إلا ان تعزف على اسلاك التيار الكهربائي، فتعيد قطع التيار (حيث لا تلفاز ولا نت، فنخضع للنوم مبكرا - بعض انواع الموسيقى تجلب النوم - شان بقية الحيوانات، فلم يعد هناك فرق يذكر)، لتنبهنا الى انها لا تزال تحكم سيطرتها وان البلد لا يزال يعيش ازمة خانقة، وعلينا تحمل الاعباء، فالقيام بثورة ضد نظام ديكتاتوري جثم على صدور الليبيين على مدى اربعة عقود كاملة ليس سهلا، ليعرف الجميع (وبالأخص الذين لم يساهموا في الثورة) مدى قيمة التضحيات الجمة التي قدمها هؤلاء.

ذهب البعض الى القول بان قطع التيار الكهربائي شتاء جاء على خلفية وفاة العديد من المواطنين بصعق كهربائي بسبب البحيرات الناتجة عن هطول الامطار ألغزيرة، حيث غمرت المياه الكوابل ألكهربائية، ومن ثم يتمكن المواطنين من التنقل دونما خسائر باستخدام قوارب سيجلبها تجار الازمات المفتعلة على غرار مولدات الكهرباء التي اصبحت اعدادها كثيرة جدا، ولكن السواد الاعظم من الشعب غير قادر على اقتنائها لارتفاع اسعارها.

كما يمضي الليبيون سنواتهم العجاف (من يدري قد تفوق سنوات عجاف بني اسرائيل ونصبح شعب الرب المختار) تخص كافة مناحي الحياة ومنها الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي بكافة الفصول، يبدو انهم سيقضون صيفا حارا، وهي فرصة لأصحاب المصايف الذين يعملون "فصليا ويتمنون دوام الصيف" للكسب السريع عند التجاء البعض اليهم، كالمستجير من الرمضاء بالنار.