مقتل رفقة يجدد الجدل حول وباء العنف الأسري في تونس

حادثة مقتل زوجة على يد زوجها الأمني بالرصاص قبل العيد بأيام تخلف موجة من الاستياء والغضب في الشارع التونسي، ونشطاء يدعون الى خوض المعركة ضد العنف على أكثر من جبهة وذلك بتغيير القوانين والعقليات.

من المتعارف عليه ان العلاقة الزوجية مبينة على الحب والاحترام والمودة والرحمة ولكن ان تتحول بيوت الزوجية الى ساحات حرب ومعارك تنعدم فيها لغة الكلام والحوار والتواصل ويسود فيها العنف بمختلف اشكاله وأنواعه فهو ما ترفضه جميع الاديان السماوية والقوانين وتستهجنه الأعراف والتقاليد.
وفي زمن تكاد تنعدم فيه ثقافة الحوار البناءة والهادفة التي تقرب بين الاراء المختلفة وبين وجهات النظر المتباينة ولا تفسد للود قضية في جميع الأحوال أصبح العنف سيد الموقف واللجوء الى الصراخ والضرب والتعذيب وحتى القتل أسهل الطرق لإسكات صوت الطرف المقابل وإذلال وإهانته وحتى قطع انفاسه الى الابد. 
وتملك تونس ترسانة قوانين محررة للمرأة وحامية لحقوقها منذ خمسينات القرن الماضي تعد الأكثر تقدما مقارنة بمحيطها العربي غير أنها لا تلقى تطبيقا كاملا.

'اسمها رفقة رددوا اسمها كثيرا' تنتفض على العنف
'اسمها رفقة رددوا اسمها كثيرا' تنتفض على العنف المسلط على النساء

وتتباين القوانين الموضوعة التي تكفل للمرأة التونسية حقوقها مع الواقع الذي لا يواكب هذا المنحى التحرّري لا سيما وان وصمة العار المجتمعية تلاحق المرأة المعنفة وتحولها في أحيان كثيرة الى جلاد او حتى الى مذنبة لأنها تتنكر لولي أمرها ونعمتها ولمن يتعب ويشقى من أجل توفير لقمة العيش لها. 
كما تطالب العديد من الاصوات الرجعية والمستلهمة مرجعيتها من أفكار ظلامية المرأة بالتزام السكوت والصمت وعدم فضح زوجها وشريك حياتها وتدمير اسرة بكاملها وتعتبر ان الخلافات الاسرية وحتى العنف ليس الا زوبعة في فنجان وسرعان ما تعود الامور لنصابها.
وتعددت حوادث القتل في تونس وقد انتشرت في الاسابيع الاخيرة جرائم قتل تمثلت في طعن زوجة بواسطة آلة حادة وازهاق روحها ودهس زوج أم أطفاله بالسيارة...
وهزت جريمة قتل حدثت قبل عيد الفطر بأيام الشارع التونسي وخلفت موجة من الاستنكار والاستياء في صفوف نشطاء في المجتمع المدني ولدى مشاهير الفن والاعلام.
أقدم رجل أمن في محافظة الكاف شمال غربي تونس على قتل زوجته رفقة الشارني رميا بـ5 رصاصات من مسدسه الخاص.
وذكرت مصادر مقربة من الضحية أنها تقدمت بشكاوى للشرطة قبل أيام من الجريمة، بسبب تعرضها لوباء العنف الأسري والتهديد، إلا أن الأمن لم يتدخل لحمايتها.
وانخرطت ممثلات تونسيات في حملة "أنا الضحية القادمة" التي تهاجم استمرار آفة العنف المسلط على النساء واعتبرت ان رفقة ثانية وثالثة ورابعة ستموت غدرا على يد زوجها الذي من المفروض ان يمثل لها واحة الأمان والسكينة.
وأطلقت منظمات مدافعة عن المرأة حملة تحت شعار "اسمها رفقة رددوا اسمها كثيرا قولوه كل يوم"، في إشارة لحادثة مقتل رفقة الزوجة والأم برصاص زوجها الشرطي.
واعتبرت منظمات ناشطة في مجال حقوق المرأة أنه لا يمر أسبوع على تونس دون أن يودي العنف بحياة امرأة في ظل انسحاب الحكومة من مسؤولياتها تجاه المواطنات واستهتارها بحياة النساء وكرامتهن.
واعتبرت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات أن رفقة هي ضحية منظومة مؤسساتية ومجتمعية تهاونت مع العنف الذي يطال ويقتل النساء.
واعتبر خبراء انه يجب خوض المعركة ضد العنف على أكثر من جبهة وذلك بتغيير القوانين والعقليات.
يأتي تفاقم العنف الأسري مع استمرار فشل الحكومة التونسية في مواجهة جائحة كورونا وفرض قيود على البقاء في المنزل لفترات طويلة.
تؤكد السلطات التونسية أن عدد الشكاوى المتعلقة بالعنف الجسدي واللفظي ضد النساء تضاعف خمس مرات خلال فترة الحجر بين آذار/مارس وحزيران/يونيو 2020. ولا يزال المنحى التصاعدي مستمراً.
استنكرت وزارة المرأة والأسرة في بيان لها ارتفاع منسوب العنف المنزلي بتونس أثناء جائحة كورونا وخلال شهر رمضان.
وتدعو منظمات وجمعيات ناشطة في مجال الدفاع عن المرأة الى مواصلة المعركة ضد المجتمع الذكوري والأفكار الرجعية التي تسلب المرأة حقوقها وتعتدي على كرامتها وحقها في العيش الآمن والكريم او تحرمها من حقها في الحياة،  كما تنتقد "التطبيع" داخل المجتمع التونسي مع ظاهرة العنف ضد النساء، وتؤكد على ضرورة التحلي بالكثير من الصبر وبذل جهود مضاعفة لإنصاف المرأة.  
وتسعى الحكومة التونسية الى اجتثاث وباء العنف المسلط على النساء الا ان مجهوداتها تبقى منقوصة. 

'رفقة هي ضحية منظومة مؤسساتية ومجتمعية'
'رفقة هي ضحية منظومة مؤسساتية ومجتمعية'

وصادق البرلمان في 2017 على قانون أكثر ردعا للعنف والتحرش ضد المرأة، كما خصصت السلطات مراكز لإيواء المتضررات من العنف الزوجي او الأسري لكن عددها لا يزال محدودا.
وتخصص الدولة التونسية بكامل البلاد ثمانية مراكز إيواء لنساء معنفات لا يمتلكن مساكن تأويهن ويواجهن ظروفا اجتماعية خطيرة.
وللتكفل بالنساء الباحثات عن حماية الشرطة، أنشأت وزارة الداخلية التونسية 130 فرقة متخصصة في هذا المجال منذ العام 2018.
وكُلّف المئات من عناصر الشرطة المدرّبين خصيصا لهذه المهمات من بينهم نساء التحقيق في حالات العنف الأسري وتنفيذ الأوامر القضائية لإبعاد الخطر عن الضحايا.
وباتت مدارس الشرطة تقدّم تعليماً خاصاً لعناصرها بشأن التعامل مع هذه القضايا، كما أن عناصر الامن الذين يحاولون ثني النساء عن ملاحقة أزواجهم المعنّفين يواجهون احتمال السجن.
ووضعت وزارة المرأة منذ العام 2016 خطا هاتفيا يعمل وفقا للتوقيت الاداري للاستجابة لطلبات الدعم النفسي والمادي والطبي والقانوني لضحايا العنف.