مهرجان أفلام المرأة في سلا.. كيف تشابهت مصائر السينمائيات والثورات؟

المخرجة النمساوية ماري كروتزر لم تحضر عرض فيلمها "الأرض تحت قدمي" الذي استحق الفوز بالجائزة الكبرى وجائزة أفضل سيناريو.
لجنة التحكيم منحت جائزتها الخاصة إلى الفيلم المقدوني "الإله موجود، اسمه بترونيا"
المهرجان استحدث جائزة اليونسكو التي تمنح إلى مخرج يتناول قضايا المرأة، وتقاسمها كل من المقدونية تيونا ستروجار ميتيسفسكا واليوناني نيكوس لابوت

بإعلان جوائز المهرجان الدولي لفيلم المرأة بسلا، أسدل الستار على الدورة الثالثة عشرة (16 ـ 21 سبتمبر/أيلول 2019). لصناع الأفلام فرحة واحدة بفوز أعمالهم بالجائزة في حفل الختام، ولمتابعي المهرجان فرحتان: الأولى بمشاهدة أفلام جديرة بالجوائز، والفرحة الثانية بالجمهور وهو المستهدف بصنع الأفلام. ولم تكن السينما باعتبارها صناعة ثقيلة، ويطلق عليها «ناعمة» أحيانا، لتنتعش وتؤثّر لولا إيمان الجمهور بها، وحماسته لها.
لم تحضر المخرجة النمساوية ماري كروتزر عرض فيلمها «الأرض تحت قدمي» الذي استحق الفوز بالجائزة الكبرى وجائزة أفضل سيناريو. ولم تعقد ندوة للفيلم عقب عرضه، ولكنه حصد إعجاب المشاهدين ولجنة التحكيم التي ترأستها المنتجة البلجيكية ماريون هانسل. في الفيلم علاقة معقدة بين شقيقتين ليس بينهما تاريخ من التفاهم، الكبرى نزيلة مستشفى للأمراض العقلية (الممثلة بيا هيرزيجر)، وأختها (الممثلة فاليري باشنر) واقعة تحت سيطرة نفسية وجسدية لرئيستها في العمل. الرئيسة اسمها لولا (الممثلة مافي هوربيجر) وتبلغ 30 عاما، وتدير مكتبا استشاريا بصرامة، وبالصرامة نفسها تتحكم الموظفة، ولكن خروج أختها الكبرى من المستشفى، وعودتها إلى الحياة، يدمر هذا المثلث، ويحرر الأخت الصغرى من الأسر النفسي لرئيستها.
ومنحت لجنة التحكيم جائزتها الخاصة إلى الفيلم المقدوني «الإله موجود، اسمه بترونيا» كما فازت بطلته الممثلة زوريكا نوشيفا بجائزة أحسن ممثلة. أما جائزة أحسن ممثل فتقاسمها كل من عيسى ياسان وكالبينور راحماتي وموسى ياسان عن أدوارهم في الفيلم الصيني «الوداع الأول» للمخرجة ليا وانج.
واستحدث المهرجان جائزة اليونسكو التي تمنح إلى مخرج يتناول قضايا المرأة، وتقاسمها كل من المقدونية تيونا ستروجار ميتيسفسكا مخرجة فيلم «الإله موجود، اسمه بترونيا»، واليوناني نيكوس لابوت عن فيلمه «وظيفتها» وهو إنتاج يوناني صربي فرنسي مشترك.
تنافس في المسابقة الرسمية للفيلم الطويل 12 عملا لمخرجات ومخرجين من اليونان والنمسا وبيلاروسيا وهولندا ومقدونيا وفرنسا والأرجنتين وإيطاليا وإسبانيا وكندا والصين والمغرب بفيلم «دقات القدر» لمحمد اليونسي. 

Moroccan cinema
دور المرأة في صناعة السينما

وتنافس في مسابقة الفيلم الوثائقي خمسة أفلام من ألمانيا وكندا والتشيك وبوركينا فاسو والأردن بفيلم «أرواح صغيرة» إخراج دينا ناصر. وفاز بالجائزة الفيلم الألماني «في البحث» للمخرجة الكينية بيريل ماجوكو التي عالجت في فيلمها البالغ 90 دقيقة الآثار الجسدية والنفسية لختان الإناث.
وفاز بجائزة الجمهور الشبابي للفيلم الطويل المخرج المغربي عز العرب العلوي عن فيلمه «كيليكيس.. دوار البوم». أما جائزة الجمهور الشبابي للفيلم القصير فتقاسمها فيلما «بنت الريح» للمخرجة لطيفة أحرار و«الـ 400 صفحة» للمخرجة غزلان أسف.
المهرجان الذي تنظمه جمعية أبر رقراق برئاسة نور الدين اشماعو ويديره الناقد عبداللطيف العصادي، يثبت لجمهوره وخصوصا غير المغاربة أهمية تواصل الفنان والجمهور. في عام 2005 رأيت في طنجة كيف يصطف الجمهور، بنظام واحترام ومحبة، أمام دار العرض في استقبال نجوم الأفلام، وتكرر هذا المشهد في مهرجان سلا 2019، في الساحة الممتدة أمام الفضاء الثقافي السينمائي «هوليود» لجمعية أبي رقراق (شارع يوسف ابن تاشفين). هذا الجمهور الذكي يسقط الحائط الرابع، وهو يلوح للنجوم، ويصافحهم بعد أن حل التقاط الصور سيلفي مكان التوقيع الورقي. شيء من هذا كان يحدث يوما في القاهرة، في المهرجان القومي للسينما المصرية، قبل انتقاله من دفء وسط البلد، سينما ميامي بشارع طلعت حرب، إلى دار الأوبرا وما يرتبط بها من هيبة تتمثل في الأبنية الصرحية والإجراءات الأمنية، فانتهى المهرجان وأصبح تقريبا مناسبة لتوزيع الجوائز بلا عروض للأفلام.
مهرجان سلا لأفلام المرأة الذي تتوزع عروضه في عدة أماكن بالمدينة، وتنسق أنشطته حسنية رحّو، لا يكتفي بعرض الأفلام. هناك أنشطة موازية منها ندوة «المرأة في السينما المغاربية والعربية: رهان الحق والجمال». دعك الآن من عطف العربي على المغربي، في عنوان الندوة، وكأن السينما المغاربية غير عربية. في الندوة، التي أدارها الناقد المغربي رشيد نعيم، تبدو هموم المتحدثين أقرب إلى أعراض متعددة لمرض عربي واحد، وباستعراض هذه الشجون يمكن رسم خريطة لمشكلات المرأة العربية. فالمخرج والمنتج المغربي سعد الشرايبي يرى أن الحرية لا تمنح وإنما تنتزع. والمخرجة الفلسطينية علا طبري قالت إن المرأة الفلسطينية حاضرة بقوة في السينما الفلسطينية، ولكن هذا الحضور لا يجعلها ندا أو شريكا كاملا للرجل، «فتواجدها دائما بطعم المقتولة على شرف العائلة أو المغتصبة أو الأسيرة التي لا تستطيع أن ترى ابنها أو زوجها». وليس خافيا ما تعرضت له الفتاة الفلسطينية إسراء غريب، بقتلها في أغسطس/آب 2019، على أيدي أهلها.
وبدت الناقدة الأردنية رانيا حداد متفائلة بما اعتبرته طفرة إنتاجية كمية في السينما الأردنية، ورافق هذا الكم وعي نوعي تلعب فيه المرأة «دورا محوريا وأصبحت تقود التغيير». ومن تونس شاركت كل من الكاتبة نجيبة همامي والناقدة إنصاف أوهيبة التي اتهمت كتاب السيناريو بالتقصير، وأكدت أن تغيير الواقع في السينما العربية لا بد أن ينطلق من الكتابة. 
ومن دون قصد جاء كلام السناريست والمخرج المصري مجدي أحمد علي كاتب سيناريو فيلم «ضحك وجد ولعب وحب» 1993 قائلا إنه يتجنب تماما أن تصفع امرأة في أفلامه، أو أن تكون المرأة موضعا للشهوة. وعرض المهرجان باكورة أعمال مجدي أحمد علي في الإخراج، وهو فيلم «يا دنيا يا غرامي» (1995)، العمل المصري الوحيد في المهرجان الذي حلت فيه السينما التونسية ضيف شرف.
دور المرأة في صناعة السينما يشبه دورها في صنع ثورات التغيير في العالم العربي منذ 2011، شاركت بنفسها، ودفعت بأبنائها إلى الميادين، ثم كانت أولى الضحايا، بالتحرش الذي يجبرها على أن تلتزم بيتها، وبتهميش اتفقت عليه الآلة اليمينية بشقيْها الديني والعسكري.
وقد بدأت السينما المصرية مسيرتها في نهايات عشرينيات القرن العشرين بالنساء، كان تخرج وتنتج وتمثل وتغني وتؤلف الموسيقى التصويرية. في عام 1927 أخرجت عزيزة أمير (1901 ـ 1952) فيلم «ليلى» باكورة إنتاج السينما المصرية. كان الفيلم صامتا، وحضر افتتاحه أمير الشعراء أحمد شوقي، ولظروف ما شارك استيفان روستي في إخراج الفيلم الذي كانت عزيزة أمير بالطبع بطلته، ثم أخرجت «بنت النيل» عام 1929، وكانت فاطمة رشدي (1908 ـ 1996) مؤلفة وبطلة ومخرجة فيلم «(الزواج» عام 1932.
وبحلول عام 1935 تأسس ستوديو مصر، وهيمنت مؤسسة الرجال على الإنتاج. دائما تأتي الهيمنة من المؤسسة بعد نسف الجهود التأسيسية، هكذا يقطفون ثمارا سهرت عليها وأنضجتها النساء.