مياه وتجارة ومجاملات بين الأردن وإسرائيل

بيت القصيد هو أن حكومة بينيت تعهدت بعدم الخوض في القضايا الكبرى وهو ما يعني تأجيل مسببات الصدام مع الأردن.
ليونة في التصريحات المتبادلة وتجنب ما يثير الخلاف
لا فرق واقعيا بين توجهات نتانياهو وتلميذه بينيت في القضايا الكبرى

رغم الأجواء "الإيجابية" التي هيأتها التصريحات المتبادلة واللقاءات غير المعلنة بين الأردن وإسرائيل منذ تشكيل حكومة نفتالي بينيت منتصف يونيو، إلا أن هامش التحرك لتحسين العلاقات يبقى ضيقا ومحصورا في شؤون غير سياسية وتظل الخلافات في القضايا الكبرى على حالها.
لا فرق واقعيا بين سياسات بنيامين نتنياهو وتلميذه بينيت الذي أطاح به من رئاسته الطويلة للحكومة، وكان ذلك موضع ترحيب في الأردن حيث ساءت العلاقات مع إسرائيل ووصلت إلى أدنى مستوياتها خصوصا في السنوات الأخيرة لحكم "الملك بيبي".
ما الذي يمكن أن يتغير في العلاقات مع الأردن إذا كان بينيت، مثل نتنياهو، يرفض بشدة حل الدولتين وتسوية مسألة اللاجئين وتقسيم القدس إلى شرقية وغربية كما يرفض وقف الاستيطان ولا يسعى إلى استئناف المحادثات مع الفلسطينيين؟
ولا تبدو "الوصاية الهاشمية" على الأماكن الإسلامية في القدس، وهي أحد مرتكزات الخطاب السياسي الأردني، ذات اعتبار كبير لدى الحكومة الإسرائيلية برئاسة بينيت الذي ينطلق من أسس دينية وأيديولوجية في التعامل مع المقدسات الإسلامية وعلى رأسها المسجد الأقصى.
كل من هذه المعطيات هو عبارة عن لغم كبير على طريق ما يمكن تسميته "تحسين" العلاقات الثنائية القائمة منذ ثلاثة عقود بين الأردن وإسرائيل، وخطر على الاستقرار والنسيج الاجتماعي في المملكة، حيث نصف السكان تقريبا لاجئون فلسطينيون وأردنيون من أصول فلسطينية.
حلّ الدولتين المطلوب أردنيا والمدعوم من الولايات المتحدة وباقي القوى الكبرى والأمم المتحدة منذ سنوات طويلة، ليس من المتوقع أن يخرج عن إطار المواقف إيّاها دون اتخاذ أيّ خطوة عملية من قبل إسرائيل على الأرض مع استمرار الجمود الذي يعتري محادثات السلام منذ سنوات.
وإذا كان نتنياهو قد دفن عملية السلام مع الفلسطينيين خلال فترة حكمه التي امتدت 12 عاما متصلة، فليس من الوارد إحياؤها من جديد على يد بينيت، وهو أول زعيم حزب ديني متشدد يتولى رئاسة الوزراء في إسرائيل.
شعر الأردن بأنه حصل على دفعة لموقفه من حلّ الدولتين بعد تولي جو بايدن الرئاسة الأميركية وإزاحة نتنياهو بعد ذلك بأشهر. وعادت الاتصالات والزيارات بين الأردن وإسرائيل بعد أقل من شهر على تولي حكومة بينيت سلطاتها.
لكن المجاملات ظلت تهيمن على التصريحات المتبادلة منذ ذلك الحين، خصوصا بين العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الذي قال إنه يشعر بـ”التشجيع” وبينيت الذي يرى "أجواء إيجابية" في العلاقات مع المملكة.
وإلى جانب المجاملات والكلام الليّن بين عمّان وحكومة بينيت، اشترى الأردن، وهو واحد من أشد بلدان العالم احتياجا للماء، 50 مليون متر مكعب من إسرائيل بمقتضى معاهدة السلام الموقعة في 1994. وكان نتنياهو رفض تزويد الأردن بالمياه.
كما وافقت إسرائيل على زيادة كبيرة في الصادرات الأردنية إلى الضفة الغربية. وكان ذلك كله في الأسابيع الأولى لتولي بينيت رئاسة الحكومة.
لا شك أن التوتر "االشخصي" الذي شاب العلاقات الثنائية أيام نتنياهو لم يعد موجودا الآن مع حكومة بينيت التي أكدت أكثر من مرة أنها تريد تعزيز علاقاتها مع الأردن وتوسيع مجالات التطبيع مع محيطها العربي بعد توقيع "اتفاقات أبراهام" العام الماضي مع أربع دول عربية.
ولا شك أيضا أن بينيت صاحب التوجهات الدينية المتطرفة ليس لديه واقعيا ما يقدمه لتحسين العلاقات مع الأردن، وهو الذي يرأس ائتلافا حكوميا هشا معرضا في أيّ لحظة للانهيار بسبب تركيبته التي تضم اليمين واليسار والوسط وحتى الإسلاميين.
لكن بيت القصيد هو أن حكومة بينيت تعهدت بعدم الخوض في القضايا الكبرى وعلى رأسها استئناف المحادثات مع الفلسطينيين ومسألة اللاجئين وقضايا الاستيطان وضم أراضي الضفة الغربية. وهو ما يعني تأجيل مسببات الصدام مع الأردن وباقي الدول العربية التي طبّعت علاقاتها مع إسرائيل.
وجد الأردن في ذلك نافذة للتهدئة وإزالة التوتر مع الدولة العبرية أو على الأقل فرصة لتعزيز تحركات عمّان في التقريب بين الفلسطينيين وإسرائيل وأيضا لعب دور دبلوماسي تريده واشنطن في عملية السلام المجمدة.
إذن هي "هدنة" في القضايا الكبرى، يرغب بها الأردن لتعزيز موقعه السياسي وتجنب أيّ أزمة في العلاقات مع إسرائيل، وتريدها الحكومة الإسرائيلية أيضا لمزيد كسب الوقت والمماطلة في تقديم أيّ شيء ملموس لإحياء عملية السلام.
وهكذا انضبطت العلاقة بين الأردن وإسرائيل على قاعدة المسموح والممنوع، التي تتيح لهما التحرك في المسائل الجانبية مثل المياه والتجارة وما شابه وتعطل حدوث أيّ إنجاز أو اتفاق بشأن القضايا الكبرى.
وهذا كله محاط بليونة في التصريحات وتجنب ما يثير الخلاف، قدر الإمكان، وبمقدار ما يمكن للأردن وإسرائيل أن يقدماه لتطوير العلاقات الثنائية والنأي بها عن أيّ مسائل شائكة وخلافات مزمنة وكامنة.
من الممكن الآن وصف العلاقات بين الأردن وإسرائيل بأنها في حالة من "اللاتوتر واللاهدوء" ولكنها مفتوحة أيضا على كل الاحتمالات ومغلفة بتأجيل المواقف وهي مهددة كذلك بأيّ مغامرة أو تحرك إسرائيلي يناقض التفاهمات مع المملكة.