نتنياهو والانتخابات الرئاسية الأميركية

لا يميل اليهود الأميركيون، المعروفون بتفضيلهم المرشحين الديمقراطيين، إلى دعم المرشح البديل لبايدن. ترامب يبدو مرشحهم المفضل الآن.

بينما كان رئيس الوزراء الاسرائيلي يرتب ملفاته للقاء الرئيس الأميركي جو بايدن، والقاء كلمة له في الكونغرس، تنحى الرئيس بايدن عن ترشحه لولاية ثانية، نتيجة الضغوط الهائلة التي وجهت اليه. فما هو الموقف الإسرائيلي في ملف الانتخابات وما هو تأثير نتنياهو تحديدا في هذا الملف؟

أولا من حيث المبدأ، تعتبر زيارة نتنياهو في هذا التوقيت بالذات بدلالاتها وخلفياتها، من الزيارات الدقيقة التي تكتسب أهمية خاصة، لاسيما وانها ترتبط بأهداف إسرائيلية بحتة ذات صلة بالحرب على غزة وكيفية استمالة المواقف الأميركية لتتطابق مع مواقف نتنياهو من ملفات حرب غزة وتداعيات ومستقبل الوضع في لبنان والتهديد بتوسيع الحرب عليه.

فمن الحقائق الثابتة التأثير الإسرائيلي المباشر في عملية وصول الرئيس الأميركي الى البيت الأبيض، فلطالما تركت وسائل الضغط واللوبيات الإسرائيلية بصمات فارقة ومؤثرة في إيصال الرؤساء، ذلك بصرف النظر عن انتماء الرئيس المرشح للحزب الديموقراطي او الجمهوري.

وفي هذا الاطار، ثمة ميول إسرائيلية واضحة الى مرشحي الحزب الديموقراطي، بالنظر للطبيعة الليبرالية للجالية اليهودية في الولايات المتحدة وعلاقاتها المؤثرة في إسرائيل. وعلى الرغم من ذلك، ثمة أسباب لتبدل الرأي العام في اللوبيات اليهودية الأميركية حول التبدل باتجاه الجمهوريين، وهذا ما يحصل حاليا في المجتمع الأميركي.

لقد كان للموقف الأميركي من حرب غزة اثرا واضحا على تغير السلوك باتجاه الانقلاب على الديموقراطيين والتقرب تجاه الجمهوريين في انتخابات العام 2024، اذ ثمة اتهامات اسرائيلية صريحة لتخلي الحزب الديموقراطي عن الاستراتيجيات التي تحكم العلاقات الأميركية الإسرائيلية، ووجهت الاتهامات الى الرئيس جو بايدن، فيما استغل المرشح الجمهوري، الرئيس السابق، دونالد ترامب، ذلك لمصلحته الامر الذي عزز موقعه في السباق الرئاسي، وثمة من يقول، انه ضمن الوصول الى الرئاسة بعد محاولة الاغتيال الفاشلة التي تعرض اليها مؤخرا، في الوقت الذي غرق بايدن في المزيد من الزلات والثغر التي حسمت تنحيه عن السباق الرئاسي.

وفي الواقع أيضا، ثمة مصالح متطابقة ومتبادلة حاليا، بين نتنياهو تحديدا والمرشح الجمهوري دونالد ترامب، ما يعزز أيضا وصوله الرئاسي الذي بات مريحا جدأ. فنتنياهو بحاجة لدعم واضح في اكمال حربه في رفح ولبنان حتى ولو كان بإدخال الولايات المتحدة طرفا في الحرب حتى ولو بطريقة مباشرة. فيما لا زالت الإدارة الأميركية حاليا تفضل الحلول الدبلوماسية، باعتبار ان فتح أي معركة عسكرية ستؤدي الى حرب إقليمية واسعة لن يكون أي طرف قادر على السيطرة على مساراتها ونتائجها، ذلك في ظل ظروف صعبة ليس من السهل التغلب عليها او الدفع بها نحو نهايات محققة لطرف بعينه دون اثمان باهظة جدا.

في المبدأ، لن يكون خافيا على احد العناصر الرئيسة التي سيحاول نتنياهو عرضها مع الرئيس بايدن، او عرضها في خطابه في الكونغرس، وهم مناسبتان لن تتكررا لنتنياهو في ظل ظروف ضاغطة جدا تمارس عليه، من حكومته بشكل رئيس، ومن المجتمع الإسرائيلي وبخاصة أهالي المحتجزين لدى حركة حماس. وفي ظل تلك الأجواء المحرجة لكلا الطرفين، لن يكون من خيار اسهل لنتنياهو، سوى رفع سقف المطالب لجهة الدعم السياسي والعسكري في مواجهته القائمة حاليا.

وبصرف النظر أيضا عن مستوى التأثير القائم في اللقاءات التي ستجرى مع اطراف محددين، فثمة مزيد من الجهد والعمل الفاعل الدي يقوم به المرشح الجمهوري دونالد ترامب، لنيل ثقة اطراف وفئات كانت محسوبة بشكل شبه تلقائي على المرشحين الديموقراطيين.

في العام 2021، كان 70 بالمئة من اليهود يميلون إلى الديمقراطيين، ونصفهم يصفون وجهات نظرهم بأنها ليبرالية. الا ان ثمة استثناء. فاليهود الأرثوذكس، الذين يشكلون حوالي 10 بالمئة من اليهود الأميركيين، محافظون إلى حد كبير، حيث يؤيد 75 بالمئة منهم الجمهوريين، ويوافق 81 بالمئة منهم على رئاسة ترامب. وهذا نهج مختلف مقارنة بمواقف المجموعات اليهودية الأخرى.

وتدل الإحصاءات على الاختلاف الكبير بين اليهود الأرثوذكس والمجتمع اليهودي الأوسع، وثلاثة أرباع اليهود (73 بالمئة) رفضوا أداء ترامب الوظيفي، مقارنة بـ 27 بالمئة فقط وافقوا عليه. ومع ذلك، فإن 77 بالمئة من اليهود الأرثوذكس اعتبروا ترامب ودودا تجاه اليهود في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من اعتراف الأغلبية بموقف ترامب المؤيد لإسرائيل، إلا أن 31 بالمئة فقط من اليهود وصفوه بأنه ودود تجاه اليهود الأميركيين.

في أي حال من الأحوال، ثمة تبدل واضح في المزاج الانتخابي الأميركي وبخاصة اليهود، حيث الميل بات واضحا تجاه الجمهوري، دونالد ترامب، حتى ثمة من يؤكد وصوله الى البيت الأبيض. وثمة العديد من المؤشرات التي تعزز ذلك التوجه، الذي سيسهم في تصلب مواقف نتنياهو، في لقاءاته وكلمته امام الكونغرس، وهي كلمة مرتقبة وفيها الكثير من الدلالات التي ستحسم أيضا الموقف الاميركي من القضايا المتصلة بغزة ولبنان، الذي بات على اعتاب انفجار لن تنجو من وبلاته المنطقة كلها.